"مجاهدو نتنياهو"!

رشاد أبو شاور

ليس بعد الكفر ذنب، هذا هو الكفر الذي شاهدناه على بعض الفضائيات، وهو أقصى حالات الكفر التي لا ذنب أفدح منها.

وهل كفر يفوق ما يقترفه من يتوجهون للكيان الصهيوني للعلاج، والتنعّم برعاية الصهاينة محتلي فلسطين، ومُعذبي شعب فلسطين؟!

أمّا وإنهم بلغوا هذا الحضيض، فلا غرابة أن تزورهم وزيرة الصحة الصهيونية في مستشفيات: صفد، ونهاريا، وعلى الحدود مع سوريا، في الجولان، لتطمئن على صحتهم العزيزة، متمنية لهم طيب الإقامة، وسرعة الشفاء للعودة إلى ميادين (الجهاد) في سوريا، ومتابعة دورهم في تدميرها وتخريبها..على طريق إقامة دولة (الخلافة)، أو الدولة (الإسلامية)!.

ولأن تدفق (المجاهدين) بهذا الحجم ـ أكثر من 1000 مجاهد حتى الأمس غير البعيد في مستشفيات الكيان الصهيوني - فإن نتنياهو (الإنساني) بقلبه الرحيم، وعميق إيمانه، وتقديره العالي (للجهاديين) السوريين، قد اهتبل الفرصة وتوجه إلى المستشفى الطارئ في الجولان يوم الأربعاء الماضي، ليطمئن على مدى الاهتمام بصحتهم الغالية، ومدى العناية بهم، ومنحهم أقصى درجات الرعاية، متمنيا الشفاء العاجل لهم، شادا على أيديهم المباركة، ومرددا عبارة: سلامتك..بكل ود ولطف وحنان!

شاهدنا (مجاهدا) يشكر (دولة إسرائيل) التي اعتنت بالمجاهدين أفضل بكثير من (الأردن)..ولا عجب!

بدا نتنياهو مغتبطا، فما يحدث يفوق التصوّر، فهؤلاء ليسوا جيش لبنان الجنوبي بقيادة لحد، ومن قبل الرائد سعد حداد.. إنهم مسلمون (سنّة)، مجاهدون في سبيل الله، همهم إقامة دولة الخلافة، وإقامة (شرع الله)، وفي الطريق لتحقيق هدفهم فإنهم يقتلون من يصفونهم (بالروافض)، وكل من يعترض مسيرتهم الجهادية من مسيحيين، وكفرة علمانيين، ودروز موحدين، وسنّة يعترضون على ممارساتهم ولا ينضوون تحت ألويتهم وراياتهم وفصائلهم التي بلغت في سوريا 1000 تنظيم برايات وشعارات متعددة، ويتوحدون، وينفرطون، ويقتتلون، ويبيحون سبي نساء بعضهم، ويغتالون قياداتهم انتقاما وثارا وعقابا وتكفيرا!

ظهر نتنياهو في مشهد طويل، يحف به عدد من كبار الضباط في جيش الدفاع، وأطباء بالزي العسكري - بعضهم يشرف على تعذيب الأسرى الفلسطينيين، رغم قسم أبوقراط الذي يفترض أنه ردده، والذي ينص على علاج أي محتاج! - وممرضات ربما تشهاهن (المجاهدون)، وقارنوا بينهن وبين (الحور العين) كما يتخيلونهن، متعجلين الجنة لينعموا بما لذ وطاب بعد قتل ما تيسر من السوريين مدنيين وعسكريين، بالتفجيرات الانتحارية، وعمليات قطع الرؤوس، وتمزيق الأجساد وتحويلها أشلاء بعد التمثيل بها!

بن غوريون حلم بدولة في الشريط الحدودي مع لبنان بقيادة ضابط منشق ولو برتبة رائد، فتحققت النبوءة بسعد حداد، ولكن دولة الحدود تلك في الجنوب اللبناني، ابنة الحرام، انهارت في العام 2000 عندما تقدمت قوات "حزب الله" فحررت الجنوب، بعد أن لاذ جيش الاحتلال بأوامر من قائده الجنرال باراك بالفرار، تاركا بعض دباباته ومدافعه لفرط العجلة في الهرب، ومتخليا عن مرتزقة جيش الشريط الحدودي الذين ذهلوا من الانهيار المفاجئ لجيش الدفاع (الذي لا يقهر)، ثم ليفروا لاحقين بأسيادهم، وليلاقوا كل صنوف الذل من بعد، فالعملاء لهم دائما الاحتقار من سادتهم، ومن الشعب الذي خانوه.

وقف نتينياهو وأخذ يتأمل الأراضي السورية من خلال منظار عسكري، مركزا نظره باتجاه دمشق، ولعله رغب أن يحذو حذو بيغن وشارون اللذين غزيا بيروت..فيغزو هو دمشق، قلب العروبة النابض كما وصفها جمال عبد الناصر، وكما كانت دائما، منذ الحروب الصليبية حتى يومنا هذا، وحتى الغد البعيد.

تأمل نتينياهو الحدود منتشيا، مطمئنا، فلديه مجاهدون يؤمنون بأن (إسرائيل) صديقة، وربما يبررون هذا بأن نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني من (أهل الكتاب)، بينما جيش سوريا، وشعبها، ودولتها ليسوا من أهل الكتاب!

حقا هذا زمن يتصهين فيه أفراد و(دول) في بلاد العرب، بلحى أو بغير لحى.

وهذا، حتى لا نقنط ونسقط في وهاد اليأس: زمن المقاومة، وهو زمن مفتوح على انتصار منتظر آت لا ريب فيه.

لا عجب أن نرى نتنياهو مع (المجاهدين) في مشهد واحد حميم، بعد أن سمعنا وقرأنا عن خطاب شمعون بيرس في وزراء خارجية دول الخليج، وبعض الدول العربية والإسلامية، لمدة ساعة ونصف، عند اجتماعهم في دولة الإمارات العربية..والثناء عليه بالتصفيق الحار!

في سوريا تدور معركة مفصلية كبرى، ليست بين نظام الحكم وخارجين عليه، ولكنها بين سوريا الانتماء القومي العربي والتاريخ والجغرافيا وبين أعداء الأمة وتحالفهم القديم - الجديد: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، تركيا، وقوى الرجعية العربية تتقدمها السعودية، وكيانات غير ذات شأن، تاه عقلها من تخمة المال، فحسبت أنها قادرة على انتزاع دور يمكنها من أن تتسيّد على مصر وسوريا ولبنان والعراق، وأنها قادرة على (تصفية) القضية الفلسطينية!

ليس صدفة أن هؤلاء (المجاهدين) اقتحموا المخيمات الفلسطينية، وشرّدوا أهلها، وقتلوا ناسها، واستخدموا ما تبقى منهم دروعا بشرية، ناشرين الإحباط واليأس في نفوس أبناء الشعب المرابط في وجه المشروع الصهيوني، سواء داخل فلسطين تحت الاحتلال، أو في مخيمات اللجوء..الشعب المتشبث بحقه في العودة، والذي ضحّى بخيرة أبنائه في مقاومته للكيان الصهيوني، وملأ القبور شهداء، والسجون أسرى، ولم ييأس رغم حجم التضحيات، وتكالب المتآمرين (عربا) و(غربيين)، وما زال قابضا على الجمر تحت الاحتلال، وفي الشتات، رافعا راية فلسطين التي لا تعلو عليها راية.

من غير المستغرب أن فصيلا من الفصائل (المجاهدة) لم يستنكر ويشجب هذا (العناق) الجهادي النتنياهوي! وأن قادة (المعارضة) لم ينبسوا بكلمة، ولم يُكذبوا التصريحات الصادرة من داخل الكيان الصهيوني، والتي أعلنت بأن (قادة) في المعارضة هم من يتوسط لمعالجة الجرحى!

ولكن: ماذا عن (الرفاق) السابقين، اليساريين المتمركسين، الذين نعرف ماذا قدمت لهم (الثورة) الفلسطينية وفصائلها من (مساعدات) ليعيشوا حياة كريمة عندما كانوا محتاجين، وكانوا يدعون الانحياز للقضية الفلسطينية ، وللمقاومة ضد الكيان الصهيوني؟!

لم نسمعهم ينطقون بكلمة نقد وإدانة واحدة لسلوك مجاهدي نتنياهو الذين يتوجهون للعلاج في مستشفيات الاحتلال، والذين يشيدون بمعاملة الكيان الصهيوني لهم، مجملين وجهه القبيح والإجرامي والاحتلالي، ومانحينه (ورقة) للبروبوغندا عالميا؟!

هؤلاء المجاهدون ربما ذهبوا مباشرة إلى مُحتلي الجولان ليتعالجوا عندهم، وليعودوا (لتحرير) دمشق، ومن بعد..سا..يواصلون (الجهاد) لتحرير الجولان!..هذا إن بقي منهم (أحياء يرزقون) حتى ذلك الوقت، فنتينياهو يعرف أنهم ليسوا سوى وقود في معركة تدمير سوريا..وهذا هدف صهيوني عزيز على قلبه، وقلب بن غوريون من قبله، والبركة في اللحى التي تنفذه!

25/2/2014