13 غراماً من العقل!
رشاد أبو شاور
أتساءل: هل يمكن زرع جينات (قلّة العقل) في الدماغ؟
أي: هل يمكن تعطيل ملكة التفكير تماما، وتجفيف المخ، لتسهيل زرع أي فكرة فيه، وثباتها واستقرارها، وتمكينها من التحكم بالسلوك، وبردات الفعل، وبتنفيذ ممارسات حمقاء، لا يمكن أن يرتكبها طفل، بالكاد، بدأ يميّز بين الأشياء؟!
أحسب أن أمخاخ بعض البشر الجهلة مهيأة لزراعتها بما يناسب جهلها ويعززه، مع إقناعها بأنها باتت متميزة بعد (برمجتها)، حتى إنها تزهو بجهلها، وتتعامل مع نفسها على أنها ذات قدر وقيمة، وأنها ارتفعت عن دونيتها، وامتلكت الحق في الحكم على الآخرين، كائناً من كانوا، دينياً، وعلمياً، وثقافياً، ونضالياً.
مُبرمجو العقول هؤلاء يصل الأمر بهم أن يصدروا أحكاما مبرمة، وينفذوا أحكامهم بأبناء دينهم، بعد تكفيرهم، وإرسالهم إلى (الآخرة)، بحجة أنهم سيدخلون جنة النعيم إن كانوا أبرياء!
مقاولون مهمتهم التدمير، والقتل، والاستباحة، ونشر الحريق حيثما حلّوا، لا يتركون خلفهم سوى رماد حريق البيوت، والبشر. فكل ما على هذه الأرض كافر، وهم، هم بالذات موكلون بنشر الإيمان، ليس بالرشاشات، والمفخخات، والأحزمة الناسفة حسب، بل وحتى بالسيوف، أسوة (بالسلف الصالح) الذي لا يعرفون عنه شيئاً، ولا قرأوا عنه، ولم يتعلموا من سيرته.
هؤلاء فقط يتسمون بأسماء بعض (السلف) دون أن يعرفوا عنهم شيئاً، ولعلهم لا يعرفون معنى الأسماء: أبو البراء، أبو القعقاع، ماذا يعرفون عن القعقاع؟ سيسقطون جميعاً في الإجابة عن هذا السؤال، لأنهم جهلة.
ماذا يعرفون عن (عمر) الخليفة العادل الذي دخل (إيلياء) القدس ماشيا على قدميه، بينما خادمه يمتطي جمله، لأن هذا كان دوره!
حقاً: ماذا يعرفون عن البيعة العمرية، وعن البطريرك العربي (صفرونيوس)، واسمه الحقيقي عبد الله، وهو المسيحي الذي استنجد بالخليفة العربي المسلم ليخلص (إيلياء) من الرومان - وهم مسيحيون مثله - ومن اللصوص، و(اليهود) الذين كانوا يعيثون فسادا في المدينة؟
هل طلب الخليفة عمر الجزية من مسيحيي إيلياء؟ هل منعهم من قرع أجراس كنائسهم؟ ألم يرفض الصلاة في باحة كنيسة القيامة حتى لا تكون سنة يتعبها المسلمون، فيستبيحون كنائس المسيحيين، لا في إيلياء وحدها، ولكن في كل ديار الإسلام؟!
جماعة (داعش)، وما أدراك ما (داعش) وأخواتها، فرضوا الجزية في منطقة (الرقّة) المدينة السورية، على المسيحيين أصحاب البلاد الأصليين! أي والله: الجزية، و13 غراماً من الذهب عن كل (رأس) مسيحي، ذهب من أي عيار يا ترى؟! و: هل يعرفون التمييز بين العيارات الذهبيّة، أم تُرى كل ما يعرفونه توجيه (العيارات) النارية إلى رؤوس وصدور العباد مسلمين ومسيحيين، عرباً وأكراداً، وسرياناً أخذت سوريا اسمها من اسمهم؟!
وأيضا فرضت (داعش) هذه على مسيحيي الرقة أن لا يقرعوا أجراس كنائسهم، وأن لا يأكلوا لحم الخنزير، وأن لا يبيعوا الخمر للمسلمين، من أين سيشتري المسلمون الخمر إذاً؟! ربما يصنعونها سراً، كما يحدث في (دول) الخليج، وهو ما يتسبب في تسمم كثيرين وموتهم كل عام!
هل يعرف هؤلاء مدعو الجهاد لتأسيس دولة الخلافة، أين ضريح الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز؟!
أتحداهم أن يعرفوا، ولذا فإنني سأسرد شيئاً من سيرة هذا الخليفة العادل المتميز بين الخلفاء الأمويين، والذي ينتسب للخليفة عمر بن الخطاب، فهو ابن حفيدته.
هذا الخليفة الزاهد رفض الخلافة، وهرب منها، ولكن الأمويين فرضوها عليه، رغم تحذيره لهم، لأنه لن يرحم الظالمين والفاسدين.
بدأ الخليفة عمر بن عبد العزيز بمساءلة أعمامه واحداً واحداً: من أين لك هذا؟ وكانوا قد اغتنوا من نهب أموال المسلمين، فهالهم ما يفعله بهم، فلجأوا إلى عمته التي نصحته بالتخفيف عن أقاربه، والرفق بهم، ولكنه لم يرتدع من تحذيرها، فكان أن دُس له السم!.
لم تكتمل الحكاية: دس له السم وهو عائد من إحدى غزواته، فقد كان مجاهداً يتصدى للبيزنطيين، فشعر بالسم يسري في بدنه، فطلب من قادة الجيش أن يوقفوا الجيش لأنه يشعر بدنو ساعته.
طلب الخليفة الراشد الخامس أن يلتقي ببطرك منطقة إدلب، وقد كان صديقه، ورجاه أن يبيعه 60 ذراعاً من أرض الكنيسة. انظروا: الخليفة المسلم، سيد (الإمبراطورية) الأموية يسأل البطريرك بكل أدب أن تبيعه الكنيسة مساحة بسيطة تكفي لقبره!
البطريرك صديقه طلب منه أن يمهله وقتاً قليلاً، حتى يسأل رجال الكنيسة في المنطقة، ثم عاد بعد ساعة زمن، وأخبر الخليفة بموافقة رجال الكنيسة وترحيبهم.
الخليفة عمر بن عبد العزيز مدفون في إحدى قرى إدلب، وعند قدميه دفنت زوجته، ابنة عمه، بناء على وصيتها، وبجواره خادم ضريحه، وقد دفن على مقربة منه بناء على أمر من صلاح الدين الأيوبي الذي زار المنطقة، والخادم مغربي أخلص للخليفة عمر دون أن يعيش في زمنه.
هل تعرفون ماذا فعل هذا الخليفة العادل النبيل بمن دس له السم؟ استدعاه وسأله: ماذا أعطوك لتدس لي السم؟ أجابه، وقد أخذ بالمفاجأة: حريتي، ومائة دينار!
قال لمن حوله: خذوا منه المائة دينار وأدخلوها في بيت مال المسلمين. ثم نظر إلى وجه ذلك الخادم وقال له: وأنت اذهب بحريتك إلى حيث لا يعرفك أحد. لم يقتله، ولا أمر ببتر يده، بل (أعطاه) حريته، فالخليفة العادل حفيد الخليفة بن الخطاب عرف أن ذويه الأمويين هم القتلة الحقيقيون، وأن من دس له السم ليس أكثر من أداة، ولذا تركه في حال سبيله، ولم يستعجل إرساله إلى (الآخرة)، لأنه لا ينوب عن الله جلّت قدرته!
هل عرفتم يا (داعش) وأخواتها القرية التي دفن فيها الخليفة عمر بن عبد العزيز في منطقة إدلب؟ وهل أمرتم ورثاء البطريرك صديقه من مسيحيي بلاد الشام الذين استقبلوا المسلمين الأوائل، بأن يقدموا لكم جزية من الذهب الخالص, وأن لا يقرعوا أجراس كنائسهم؟!
من أي ظلمات خرجتم، وكيف برمجت عقولكم بالجهل والحقد والوقاحة؟
قلّبت التفكير، ووصلت إلى النتيجة التالية: أنتم رمي الإسلام بكم (لتبهدلوه) و(تمسخوا) سمعته عالمياً، وكل هذا خدمة للكيان الصهيوني، ومخططات أمريكا، والغرب العنصري، فأنتم كائنات منبتة، لا تعرفون الإسلام، ولا تعرفون شيئاً عن سوريا، ولا عن تاريخها. فماذا يُعرّف الشيشاني، والباكستاني، والأفغاني، والقادم من فرنسا، وبريطانيا، وبلجيكا، عن سوريا، وتاريخها، وأهميتها لأمتها العربيّة؟!
في موقع غير بعيد عن ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز، موقع أثري من أهم المواقع، لا في سوريا، ولكن في المشرق العربي كله، ولقد سمعت أنكم استبحتموه، وبعتم بعض اللقى النادرة، بل ومكنتم حفارين أجانب، وخبراء آثار تجّار وسماسرة، يشربون الخمر، ويأكلون لحم الخنزير، من نهب آثار نادرة تعرفنا بتاريخنا البعيد، وعمق جذورنا في هذه الأرض.
قاتلكم الله وأخزاكم، فقد بهدلتم مليار ونصف المليار مسلم، وتراث الإسلام، وحضارته، بجهلكم وسخفكم، ولا عجب أنكم تركتم خلفكم بعد هربكم أمام إسلاميين آخرين، هم في الجوهر مثلكم، مقابر جماعية لإسلاميين مثلكم، لأنكم تكفرونهم!.
4/3/2014