"ديار التمكين" مخطط جهاديي الأردن نحو دولة إسلامية انطلاقاً من سوريا

دمشق منطلق لتحرير فلسطين عند السلفية الجهادية، وتنظيم "القاعدة" يستغل الاضطرابات السياسية العربية

لندن - لا يجد تنظيم "السلفية الجهادية" في الأردن من حرج في إعلانه بصراحة عن مشاركته في القتال الدائر في سوريا ضمن الجماعات الراديكالية المتشددة التي تعمل على إسقاط نظام الأسد، رغم الحملات الأمنية التي تقوم بها السلطات الأردنية لمنع تضخم نفوذه.

تناولت العديد من التقارير دور "جهاديي" الأردن من خلال التحاقهم بجبهات القتال ضمن مجموعات تحمل صبغة متشددة مثل "جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، حيث يؤدّي المقاتلون الأردنيون دوراً مهماً في النزاع السوري، على النقيض من الجيل السابق من "الجهاديين" والذي كان يتألف من قياديين في تنظيم "القاعدة" كانوا قد أعلنوا، قبل عقد، عن إيمانهم بجهاد عالمي.

ويعطي الجيل الجديد الذي يحارب حالياً في سوريا الأولوية للقضايا الإقليمية والمحلية، بحيث تُحدّد نتائج تدخّلهم في سوريا الرؤية والأهداف التي يسعى وراءها هذا الجيل الصاعد من المقاتلين الأردنيين، فالنجاح الذي يعتقدون أنهم يحقّقونه في سوريا سوف يمنحهم زخماً، وغالب الظن يعتقدون أنه سيدفع بهم نحو السعي إلى تأدية دور سياسي أكثر نشاطاً في الأردن، هذا المنطلق شكل محور دراسة تحليلية أجرتها منى علميّ، صدرت عن (مؤسسة كارينيغي للسلام الدولي)، وقد تناولت الدراسة مدى مشاركة "جهاديي" الأردن في الصراع الدائر في سوريا وارتباطهم بالمجموعات المتشددة والتابعة لتنظيم "القاعدة".

الجهاديون الأردنيون

يشكّل "الجهاديون السلفيون" الأردنيون الذين تُقدَّر أعدادهم بنحو 5000 عنصر، مجرد جزء من المجموعات السلفية الأوسع نطاقاً في الأردن، حيث تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن أعدادهم تصل إلى (15000) شخص، حسب الصحفي الأردني المتخصّص في السلفية تامر الصمادي، ويتواجد "الجهاديون" الأردنيون، إلى جانب السلفيين التقليديين والإصلاحيين. وحتى العام 2011، كان السلفيون الأردنيون، و"الجهاديون" من بينهم، يعملون في الخفاء بشكل أساسي، إلا أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في ذلك العام سمحت لهم بالخروج إلى العلن والظهور أكثر على الساحة العامة من خلال المشاركة في التظاهرات.

وقد شكّلت الحرب في سوريا نقطة تحوّل إضافية، فقد شهدوا تحوّلاً أيديولوجياً ترافق مع تركيز جديد على "العدو القريب" وبذْل محاولات لإنشاء ما يسمّونه "ديار التمكين" في سوريا، بهدف الحصول على حصن يستطيعون أن يوسّعوا من خلاله أنشطتهم باتجاه بلدان أخرى في المنطقة عبر البناء على التدريب الذي خضعوا له. يُعَدّ التيار "الجهادي السلفي" اليوم مجموعة تضم العديد من القادة النافذين مثل أبي محمد المقدسي وأبي محمد الطحاوي، وهو شيخ سلفي بارز شجّع الأردنيين على القتال في سوريا، من خلال تصريحه في حزيران/يونيو 2012 قائلاً: "دعوت كل الرجال القادرين إلى الذهاب للجهاد في سوريا، فمسؤولية كل مسلم صالح أن يعمل على وقف إراقة الدماء التي يقوم بها النظام النصيري (بحق السنّة)"، وذلك في إشارة إلى "النظام العلوي" الحاكم في سوريا.

"الجهاديون السلفيون" الأردنيون هم من بين المساهمين الأكبر في إرسال المقاتلين إلى سوريا، ويعتقد خبراء في "الجهادية السلفية" أن نحو 700 إلى 1000 "جهادي" أردني يقاتلون حالياً في سوريا، الأمر الذي يجعلهم يحتلون المرتبة الثانية مباشرة بعد "الجهاديين" التونسيين الذين يخوض نحو 800 عنصر منهم القتال إلى جانب الثوّار في سوريا. وقد انضمت غالبية "الجهاديين" الأردنيين في سوريا إلى "جبهة النصرة" حيث يشغل إياد طوباسي ومصطفى عبد اللطيف، وهما أردنيان من أصل فلسطيني، منصبين قياديين: إياد الطوباسي (الملقب بـ"أبي جيليبيب") هو "أمير جبهة النصرة" في دمشق ودرعا وصهر أبي مصعب الزرقاوي "الجهادي السلفي" الأردني الشهير، ويُعتقَد أن "أبا جيليبيب" حارب إلى جانب الزرقاوي في العراق. وعبد اللطيف (الملقّب بـ"أبي أنس الصحابة") هو أيضاً قيادي في "جبهة النصرة". ويعتبر تمثيل "الجهاديين" الأردنيين في جبهة النصرة أكثر بروزاً منه في "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، "بسبب الاختلافات الأيديولوجية"، كما يقول "أبو سياف"، القيادي "الجهادي" في الأردن، في إشارة إلى آراء "داعش" المتطرفة حول حقوق الأقليات والعلاقات مع الفصائل الإسلامية الأخرى.

الارتباط بسوريا

تمثل سوريا أهمية مثلّثة الأبعاد بالنسبة إلى الجيل الصاعد من "الجهاديين" الأردنيين الذين يقاتلون حالياً في سهول "بلاد الشام" (سوريا الكبرى) وهضابها. أولاً، تجسّد الحرب الدائرة في سوريا ضد طاغية عربي، التحوّل البارز في أولويات "الجهاديين" الذين، وبدلاً من استهداف الغرب، يركّزون الآن جهودهم على "العدو القريب" (الحكّام الإقليميين)، ويمكن أن تتمدّد هذه الحرب باتجاه الأردن.

على الرغم من أن "الجهاديين" الأردنيين الذين عادوا إلى ديارهم لم ينظموا صفوفهم بعد، إلا أن الأجهزة الأمنية الأردنية تشنّ حملة للتضييق على "الجهاديين السلفيين" منذ اندلاع الحرب في سوريا، خوفاً من تحوّلهم نحو الداخل الأردني. وقد طالت الاعتقالات، على مستوى البلاد، 150 إلى 170 "جهادياً" اعتباراً من شهر كانون الثاني/يناير الماضي. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، اعتقلت أجهزة الاستخبارات الأردنية المواطن رائد حجازي الذي يلقّب بـ"أبي أحمد الأميركي"، على خلفية الاشتباه بإقامته روابط مع تنظيم "القاعدة"، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها تلك الأجهزة للحؤول دون حدوث مزيد من التنسيق بين "الجهاديين" المحليين وشبكة "القاعدة" الدولية.

ثانياً، اكتسب مفهوم "الجهاد" في سوريا، شيئاً فشيئاً، بعداً مذهبياً يضع "السنّة" في مواجهة "الشيعة"، بما يعكس احتدام العداء بين الطائفتين الإسلاميتين منذ اصطفاف "الشيعة" في المنطقة إلى جانب نظام الأسد، يقول "أبو سياف" "هذا الجهاد هو من أجل الدفاع عن أهل السنّة، وقد أصبح فريضة علينا عندما اتّخذت الحرب منحى مذهبياً، لاسيما بعد تدخّل حزب الله وإيران، حزب الله هو عدو السنّة".

يقول الصمادي إن هذه الخصومة الجديدة تبلورت في طانون الثاني/يناير الماضي عندما أوردت وسائل الإعلام المحلية خبراً عن إحباط هجوم كان تنظيم "داعش" يخطط لتنفيذه ضد السفارة السورية في الأردن، إلا أن الأجهزة الحكومية نفت هذا الخبر لاحقاً. وقد يدفع هذا التركيز الجديد أيضاً بـ"الجهاديين" الأردنيين إلى التدخّل في ساحات مجاورة أخرى وفي مختلف أنحاء المنطقة في إطار نزاع مذهبي شامل يندرج في سياق نهجهم الإقليمي الجديد. ويبدو أن "أبا قتادة"، القيادي البارز في التيار الجهادي السلفي في الأردن، الذي يُحاكم حالياً في تهم إرهابية في عمان، أعطى موافقته على هذه الاستراتيجية عبر تبرير التفجيرات الانتحارية ضد "حزب الله" في لبنان والتي تبنّت "جبهة النصرة" مسؤوليتها عن الكثير منها.

أما الجانب الثالث فهو الخطة التي وضعها "الجهاديون" السلفيون الأردنيون لبناء ما يسمّونه "ديار التمكين" التي من شأنها أن تشكّل الخطوة الأولى في الحرب المقدّسة الهادفة إلى إنشاء دولتهم الإسلامية المستندة إلى الشريعة والعابرة للأوطان وتوسيعها. ونقطة الانطلاق نحو تحقيق ذلك هي الانتصار في سوريا، ثم التحوّل نحو الأردن لإعادة توحيد "بلاد الشام" التي تشكّل سوريا جزءاً أساسياً منها. وغالب الظن أن تثبيت قاعدتهم السورية سيظل هدفاً طويل الأمد، في إطار سعيهم إلى تحقيق هدفهم النهائي كما هو محدّد حالياً.

وقد وقعت صدامات في الآونة الأخيرة في 17 شباط/فبراير الجاري، بين مجموعة مسلّحة دخلت من سوريا عبر الحدود الشمالية، وحرس الحدود الأردنيين، وفي هذا الشأن يقول الصمادي "تندلع هذه الصدامات في المنطقة الممتدّة بين الرمثا في الأردن ودرعا في سوريا، في قطاع يُعرَف بالجمارك القديمة".

وقد اكتفى البيان العسكري بالتأكيد على أن المجموعة المسلّحة دخلت من سوريا، دون أن يأتي على ذكر جنسية المقاتلين.

تخوفات أردنية

تتخوّف الأجهزة الأمنية الأردنية من وجود مواطنين أردنيين في عداد هؤلاء المقاتلين، الأمر الذي يمكن أن تكون له تداعيات سلبية على استقرار المملكة الهاشمية، كما حصل مع الزرقاوي من قبل والذي ألهمت تجربته في العراق تفجير الفنادق الثلاثة في عمان في العام 2005.

ومن المتوقّع أيضاً أن يُحدث النزاع السوري تحوّلاً لدى الجيل الجديد من "الجهاديين" الأردنيين، فتحقيق نجاحات في سوريا من شأنه أن يمنح الزخم لهذا الجيل من "الجهاديين" ويشجّعهم على اعتماد موقف أكثر عدوانية في الداخل. لكن خلافاً لما كانت عليه الأوضاع في حقبة الزرقاوي، يعاني الأردن في الأعوام الأخيرة من تدهور الحالة الاقتصادية، والاحتجاجات السياسية، وتدفّق اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى نحو (600،000)، حسب (المفوضية العليا للاجئين) التابعة للأمم المتحدة. ومن المعلوم أن فروع تنظيم "القاعدة" تستغلّ الاضطرابات السياسية، وليس الأردن استثناء في هذا المجال. حيث من الممكن استغلال "الجهاديين" الأردنيين للظروف الصعبة التي يعانيها اللاجئون السوريون من أجل استمالتهم إلى صفّهم، وتوظيفهم في عمليات جهادية.

"العرب" لندن 24/2/2014