الصراع على السلطة في 2014 يحدد ملامح الشرق الأوسط
من المتوقع أن تشهد دول "الربيع العربي" متغيرات، ترسم خارطة طريق جديدة لمشهدها السياسي على وقع ما ستؤول إليه الأوضاع المستقبلية في المنطقة.
شهدت "منطقة الشرق الأوسط" صراعاً ثقيلاً على السلطة في العام الماضي، والذي سيبقى تأثيره ممتداً إلى العام الجديد 2014، خاصة مع التطورات السياسية في البلدان التي لا زالت تتصارع مع آثار "الربيع العربي"، فهناك ثورة شعبية دعمها الجيش في مصر، اغتيالات في تونس، حرب أهلية في سوريا، ومع ذلك يرى المراقبون أن المنطقة يمكن أن تشهد بعض التطورات إيجابياً، يكون الشرق الأوسط فيها الرابح الأكبر على المدى الطويل من الحركات الثورية والشعبية التي بدأت في عام 2011.
وضع مصر
الجديد
تمر مصر بمنعطف تاريخي فاصل في "الشرق الأوسط" في عام 2014 خاصةً بعد إدراج "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية أصبحت تعاني من الوهن السياسي والتشتت الشعبي، فبعد أن كانت تجلس في القصر الجمهوري، مع أغلبية برلمانية، أصبحت الآن جماعة محظورة بعد القبض على جميع قادة التنظيم، والكثير من مؤيديهم بسبب الفوضى المقصودة التي يمارسونها.
وتحاول الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات حاسمة لتدمير جماعة الإخوان المسلمين، بعد الإرهاب الممنهج والعنف المتواصل من الجماعة، وتعاونها غير المحدود مع منظمات وجهات دولية لزعزعة استقرار البلاد، وإفشال خارطة الطريق الموضوعة لإعادة بناء الدولة.
وفي الأثناء يواجه المنصب الرئاسي في مصر سباقاً خفياً بين الجنرالات العسكريين والمدنيين لاعتلاء هذا المنصب، في مقابل ارتفاع الحملات والمطالب الشعبية التي تطالب بترشيح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، خاصةً بعد موقفه المساند لثورة 30 يونيو ووقوفه في صف إرادة الجماهير المصرية. ويقول المراقبون إن صعود السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية قد يشكل تحولاً جديداً في "الشرق الأوسط" في العام الجديد، على الرغم من وجود بعض التشكيكات في هذه النقطة، بسبب تأكيد الجيش المصري مراراً أنه لا يطمع أو يرغب في البقاء في السلطة. إلا أن الضغطين الشعبي والسياسي كفيلان بتنصيب السيسي رئيساً للبلاد وباكتساح شعبي في الاستحقاق الرئاسي.
وإن كان رئيس مصر القادم عسكرياً، فمن المحتمل جداً أن يكون وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، العين القادمة نحو الشعب المصري، بعد الانتهاء من الدستور الجديد والتصويت عليه في منتصف الشهر الجاري، والذي سوف تعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية، ستسير مصر على إثرها بخطى ثابتة نحو تحقيق خارطة الطريق، وقيام نظام سياسي جديد في عام 2014، وحتى ذلك الحين فإن المستشار عدلي منصور، الذي عيَّنه الجيش المصري رئيساً للبلاد بعد عزل مرسي يريد الانتهاء سريعاً من الاستمرار في حكم البلاد.
وفي دراسة استشرافية حول مستقبل الحركات الثورية في المنطقة العربية خلال 2014، نشرها (المعهد الإقليمي للدراسات الاستراتيجية)، تعتقد الباحثة مروة نظير أن عام 2014 سيشهد تحديد مستقبل الإسلام السياسي في العالم العربي لفترة غير قليلة، بعد أن فقد الإسلاميون القداسة والشعبية التي كانوا يتمتعون بها في العالم العربي، فلم يعد شعار "الإسلام هو الحل" جذاباً لقطاعات واسعة من السكان، لا سيما بعد إخفاق الإسلاميين في تقديم حلول عملية للتحديات الاقتصادية التي واجهت كلا من مصر وتونس، و تراجع شعبيتها سياسياً.
تونس
تصلب الجبهات
بدأ "الربيع العربي" في عام 2011 في تونس رائدة الثورات العربية في المنطقة بأسرها وتبعتها الدول العربية، حيث جلبت الانتخابات الأولى "حزب النهضة الإسلامي" إلى السلطة، ويبدو أن قادة الحزب ارتعدت فرائسهم من التطورات السياسية في مصر، نظراً إلى أن مصير "الإخوان المسلمين" كان يمثل كابوساً "للإسلاميين" التونسيين، كونهم يدركون تماماً أن المتظاهرين على استعداد لإسقاط الحكومة مرة أخرى.
وتواجه البلاد أزمة سياسية عميقة أحدثها "التيار الإسلامي" الحاكم الممثل بـ"حركة النهضة"، وخابت توقعات وتطلعات الشعب في هذا الحزب الحاكم بسبب تصلب الجبهات وعدم التنازل بعد أن تخوَّفوا جميعاً من مصير "إخوان مصر"، أو خروج المتظاهرين ضد القادة التونسيين لإسقاطهم.
وفي أواخر تموز/يوليو عام 2013، شكل اغتيال المعارض اليساري محمد براهمي، نقطة فاصلة بلا عودة بين حكم "النهضة الإسلامي" والقوى السياسية والشعبية المعارضة التي تنامى الغضب أكثر في صفوفها، بعد فشل الحكومة في السيطرة على العناصر والتنظيمات المتشددة، وحماية رموز المعارضة أمنياً رغم تلقيهم العديد من التحذيرات من أجهزة استخباراتية أجنبية تشير بحدوث اغتيالات قريبة لكل من البراهمي وبلعيد.
وخوفاً من تصاعد الاحتجاجات تم التوافق على الإطاحة بحكومة علي العريض، وقيام حوار وطني جاد لتحقيق خارطة طريق تتمثل في دستور جديد للبلاد وانتخابات برلمانية ورئاسية، وهو ما يعني قيام نظام سياسي جديد في تونس عام 2014، ومن أجل تجنب تصعيد الاحتجاجات، فإن "حزب النهضة" وافق في نهاية المطاف على التنحي فور كتابة الدستور لإنجاز المرحلة الانتقالية بحكومة محايدة، بعد فترات مناورة للتنصل من مطالب المعارضة السياسية والشعبية، وسمي وزير الصناعة مهدي جمعة رئيساً للوزراء في حكومة تصريف الأعمال "التكنوقراط" من قبل (الاتحاد العام التونسي للشغل).
وهو ما يعني المشاركة في حوار وطني ووضع خطط حقيقية لوضع دستور جديد يتفق مع كافة أطياف المجتمع، إلى جانب إصلاح حقوق التصويت وإجراء انتخابات جديدة برلمانية ورئاسية. ثم إن البلاد لا تزال في انتظار تنفيذ هذه الخطط، وعلى الحكومة والمعارضة التوصل إلى حل وسط لأنه في نهاية المطاف تقع مسؤولية الحفاظ على البلد والمجتمع وتجنيب البلاد الانزلاق في مزيد من الفوضى أو العنف عليهما.
ليبيا
حكومة عاجزة
لا تزال ليبيا تعاني حربا أهلية بين مختلف القبائل والمناطق، في وقت يرأس علي زيدان رئيس الوزراء الحكومة المركزية التي تمتد بالكاد خارج حدود العاصمة طرابلس، وتقف عند حدود باقي المحفظات بسبب الميليشيات التي تسيطر على بقية البلاد، والتي ترفض تسليم أسلحتها أو إدراجها ضمن سلطة الدولة، لذلك فرضت سلطتها على بعض المحافظات وأعلنت عن حكم ذاتي مستقل بعيداً عن الدولة. وبقيت الحكومة المركزية عاجزة عن وضع حد لنفوذ تلك الميليشيات، كما اعترف رئيس الوزراء المؤقت، الذي تم اختطافه لعدة ساعات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي من قبل واحدة من هذه الميليشيات.
ورغم وجود البرلمان المنتخب في صيف 2012، إلا أنه لم يفعل شيئاً يذكر لمعالجة مشاكل البلاد، غير مهاجمة رئيس الوزارء الليبي ومحاولة إسقاطه، بعد الحملة الشرسة التي تعرض لها من قبل تيارات الإخوان المهيمنة على البرلمان، علماً أن فترة زيدان المؤقتة تنتهي في شباط/فبراير 2014، ويتوقع المراقبون أن ليبيا ستظل في وضعها الحالي مع تغيير منطقي في السلطة في العام الجديد، التي قد تكون أشد شدة وحنكة سياسية مع دولة الميليشيات، ووقتها يمكن أن تحدث الدولة النفطية تأثيرا في ملامح خارطة "الشرق الأوسط" في العام الجديد.
كما يتوقع بعض المراقبين، حسب الدراسة، أن يشهد عام 2014 تدجيناً مماثلاً للحركات الثورية في ليبيا، مع التحول البطيء نحو مزيد من الاستقرار عبر إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع مشروع الدستور في البلاد، وعقد الحوار الوطني الذي طال انتظاره تحت رعاية الأمم المتحدة بعد أن حددت المفوضية الليبية العليا للانتخابات، النصف الثاني من شباط/ فبراير 2014 موعداً لانتخاب أعضاء اللجنة المكلفة بصياغة الدستور في ليبيا.
ومن الممكن أيضا أن يشهد تنمية لقدرات قوات الأمن الليبية (الجيش، والشرطة، وحرس الحدود) نتيجة التدريب والدعم المادي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من أعضاء حلف شمال الأطلسي، وهو ما يمكن أن يضع المزيد من القيود على الحركات والقوى الثورية في البلاد، لا سيما في ظل التوقعات بأن يصاحب هذه الجهود برنامج منظم لنزع السلاح، وتسريح وإعادة دمج الميليشيات في المجتمع.
سوريا
بين بقاء الأسد ورحيله
لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد مأخوذاً بزهوة الانتصار النسبي، بعد استعادة عدد من معاقل الجيش الحر ميدانياً، ولكن الأسد مازال منهزماً من الناحية السياسية مع المجتمع الدولي الذي يفرض عليه التفاوض مع القوى المتمردة داخل دولته، وهو ما سيحدث في مؤتمر جنيف الثاني الذي سيعقد في العام الجاري، بينما من الناحية العسكرية استطاع مع حلفائه تهديد معاقل المتمردين وإغلاق منافذ الدعم العسكري للجيش السوري الحر، حتى خرج من المعادلة المسلحة نسبيًا، ولم يتبق سوى أفرع تنظيم القاعدة التي تمثلها جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، وهؤلاء يعرفون جيدًا القتال المحترف، ومتى يظهرون ومتى يختفون عن المشهد، ويجيدون المراوغة وفن قتال الشوارع.
وبعد التذبذب في الموقف الأميركي من الأزمة السورية، يبدو واضحاً أنه لن تكون هناك حملة عسكرية ضد البلاد من الخارج، وأن الأميركيين لن تكون لديهم الجرأة لمحاولة التلويح بالحرب مجددًا بعد التقرب من إيران وعقد اتفاق تاريخي معها، لكن يظل التخوف من ترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، خاصةً وأن ولايته الرئاسية الحالية تنتهي في حزيران/يونيو 2014، ويرغب في الترشح لولاية أخرى.
وهناك تقارير تفيد باحتمال تأجيل الانتخابات بسبب الأوضاع الراهنة، وعدم سيطرة الدولة على كثير من مناطق النزاع، مع وجود ملايين المهاجرين والنازحين حول العالم، وعدم وجود سفارات سورية، وهذا الأمر يؤكد أنه حتى مع إعلان قيام الانتخابات أو تأجيلها في سوريا فإن عام 2014 يحمل ملامحاً متباينة في الشأن السوري، وفي الوقت نفسه، تبدو المعارضة منقسمة أكثر من أيّ وقت مضى، مع عدم وضوح الرؤية بعد أن كان مؤتمر "جنيف 2" سينجح في تشكيل حكومة انتقالية قادرة على إخراج سوريا من مستنقع الحرب الأهلية مع استمرار الأسد في حرب الاستنزاف المدمرة التي يقوم بها للبقاء في الحكم.
"العرب" 4/1/2014