القرضاوي المواطن القطري "المصري سابقاً" يفشل في شق الصف العربي

القرضاوي يمثل نموذج رجل الدين الانتهازي الذي يوظف الدين لغايات سياسية، لكن العلاقات العربية أوثق من أن ينال منها محرض.

تصريح القرضاوي المسيء للإمارات الذي أثار امتعاض الجميع وتجاوزت تداعياته حدود الدولة، ثم موقفه الداعي لإيقاف الدعم السعودي (والخليجي عموماً) لمصر بتعلّة أنهم "يدعمون الانقلاب ويسهمون في قتل المتظاهرين" مثل قولاً ممجوجاً لدى الرأي العام العربي برمته.

في سياق التفاعل مع "فتاوى" القرضاوي الأخيرة خصص برنامج "اتجاهات" الذي بث الأحد الماضي في قناة "روتانا" خليجية، حصته لبحث إسهاماته الإفتائية وأثرها في الخليج والعالم العربي. واستضاف البرنامج الذي تقدمه الإعلامية السعودية نادين البدير، كلاً من الشيخ أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، وعبد الحميد الأنصاري الكاتب والمفكر القطري.

البرنامج تطرق لظاهرة الفتوى القرضاوية في العموم، لكنه ركز أساساً على الموقفين الأخيرين، الموقف من دولة الإمارات حين قال إن "الإمارات تقف ضد أي حكم إسلامي، وتسجن المتعاطفين معه"، ثم جاء الموقف الثاني من حكام السعودية حين دعا "النظام السعودي أن يقف مع الشعب المصري ضد جلاديه وقاتليه وأن يقف مع الحق ضد الباطل أن يقف مع المقتول ضد القاتل وأن يقف مع المظلوم ضد الظالم".

ميزة البرنامج المذكور أنه استضاف رجل دين أزهريّ (الشيخ أحمد كريمة) للتفاعل مع القرضاوي من زاوية دينية، واستدعى مفكراً وكاتباً قطرياً (عبد الحميد الانصاري) لبيان موقف الرأي العام والنخبة القطرية من مفتي الإخوان، وهو موقف لاشك أنه يختلف كثيراً عن الموقف الرسمي القطري الذي عبّر عنه – باستحياء - وزير خارجيتها حين قال أن "ما قيل على لسان الشيخ يوسف القرضاوي لا يعبر عن السياسة الخارجية لدولة قطر".

للقضية أبعاد عديدة تثار دائماً كلما أصدر القرضاوي موقفاً أو فتوى أو تصريحاً، لكن الأبعاد كلها تتفق أولاً على أن الرجل لا يناقش في انتصاره للشق الإخواني مهما كانت درجة وجاهته، وداخل هذا المبدأ تتبدّى مواقف أخرى فرعية منها أن الرجل لا يهمه أن يشق الصفّ العربي أو الخليجي، ولا يضيره أن يصيب علاقات عربية وخليجية عريقة بالتصدّع. والثابت الآخر أنه يعبّر دائماً عن نموذج رجل الدين الذي يبارح فضاءه الديني ليلجَ المجال السياسي في خلط فجّ انتهازي وتوظيف مقيت للدين خدمة لغايات سياسوية أصبحت معلومة لدى القاصي والداني.

في هذا الصدد أشار الكاتب والمفكر القطري عبد الحميد الأنصاري إلى أنه رغم أن القرضاوي أستاذه إلا أن ذلك لا يسحبه حقه في أن يخالفه آراءه السياسية، واعتبر أن "القرضاوي أصبح مؤخراً ناشطاً أو مناضلاً سياسياً، ولا حرج في أن يكون لعالم الدين آراء سياسية معينة، لكن إيهام الناس بأن رأيه السياسي هو رأي الدين وأن مخالفة هذا الرأي معصية هو مكمن الخطورة".

وأضاف الأنصاري مستدلاً بأمثلة على خلط الدين بالسياسة، "عالم الدين عندما يتكلم في شؤون سياسية يجب أن يكون حكيماً ولا يفرض رأيه ويقول أن هذا هو رأي الدين، فعندما يقول القرضاوي مثلاً أن الذين ذهبوا للاستفتاء على الدستور المصري أشبه بالقطيع والبهائم فهذا لا يجوز ولا يليق بعالم دين. وعندما يقول أيضاً أن الذي يذهب إلى الاستفتاء يرتكبُ معصية، فهل معقول أن 20 مليون مصري ارتكبوا معصية لأنهم ذهبوا إلى الاستفتاء. هذه هي خطورة رجل الدين عندما يلبّسُ رأيه السياسي ثوباً دينياً".

مثل الكاتب الأنصاري مثالاً لما يمكن أن تكون عليه مواقف النخبة الفكرية والسياسية القطرية من فتاوى القرضاوي وتطاولها على عديد الدول الخليجية وهو موقف لاشك أنه يختلف عن الموقف القطري الرسمي الذي عزز الامتعاض العربي والخليجي طالما أن الدولة لم تقدم إلى حد الآن ما يفيد دفاعها عن علاقاتها العربية مع جيرانها. حيث أكد الأنصاري "أن دولة الإمارات أكبر وأعلى من أن يصدق أحد رأي الشيخ القرضاوي فيها، فالإمارات راعية للإسلام وراعية للدين والقرضاوي نفسه حصل منها سابقاً على جائزة فكيف تكون ضد الحكم الإسلامي؟".

كان وجود الأزهري أحمد كريمة في سياق دحض تصورات القرضاوي من منطلقات دينية، طالما تشدق القرضاوي بوجاهتها، حيث أكد كريمة أن "الرسول محمد حذّر من أولئك الذين يفعلون خلاف ما يقولون، حين قال "إنه يؤتى في يوم القيامة بعالم فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".

وأضاف كريمة أن "جماعة الإخوان القطبيين صاحبة التنظيم الخاص للاغتيالات الذين امتدت أياديهم إلى إحياء فكر الخوارج حينما قتلوا سيدنا عثمان وسيدنا عليّ وسمّموا الإمام الحسن وقتلوا وسحلوا الإمام الحسين. الجينات الوراثية من صفين والجمل والنهروان وكربلاء انتقلت في الأربعينات حينما أنشأ حسن البنا التنظيم الخاص للاغتيالات فاغتالوا النقراشي والخازندار وماهر وخططوا لاغتيال عبد الناصر. هؤلاء يخططون لإحداث "الشرق الأوسط الجديد" تنفيذاً للخارطة الأميركية الصهيونية، والقرضاوي علّق في عهد حسني مبارك على كتاب (معالم في الطريق) لسيد قطب وقال إنه خرج عن أهل السنة والجماعة وحكم بارتداده، ثم تلوّنَ وتناقض عندما جاء في يناير 2011 ليتقمص دور الخميني في ميدان التحرير وصعد إلى المنصة. عندها أيقن المصريون أن ثورتهم سُرقت واللص الأكبر كان القرضاوي".

بعد أن قدم الشيخ كريمة تأصيلاً تاريخياً ودينياً وفكرياً لأصول القرضاوي وفتاواه، عاد الكاتب القطري الأنصاري ليوضح طبيعة العلاقات المصرية الخليجية، حيث أشار إلى "أن مصر - تاريخياً - هي الداعم الأكبر لدول الخليج ودول الخليج عندما تدعم مصر فإنها تقوم بالواجب وتردّ جميلها". واستند الأنصاري في ذلك على مقولة الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة الذي حسم المسألة بقوله "كان العربُ سيُزَالون من الوجود لولا وقوف الشباب المصري في 30 يونيو، فكيف لا ندعم من كان السند الأساسي لنا في جميع المحن والمواقف". وخلص الأنصاري إلى أنه لولا سقوط الإخوان لكانت عروبة مصر ومدنيتها قد اهتزتّ ولاهتز العرب وراءها. والدعم الخليجي لمصر لا يجب أن يفسّر تفسيرات حزبية ضيقة". واستدلّ الأنصاري على ذلك بالتذكير بأن الدعم الخليجي لم يبدأ بعد سقوط الإخوان، بل تعود جذوره إلى حكم حسني مبارك وحتى أثناء حكم الإخوان. وهو ما يتيح طرح السؤال عن سبب امتعاض القرضاوي في هذه المرحلة بالذات؟

مواقف القرضاوي ليست معزولة عن المتصور الإخواني العام، فكلما ظهر مستجد إخواني إلا وعضدته أو لحقته فتوى منه. والمواقف الأخيرة (سواء تلك التي أساءت للإمارات أو التي تدخلت في القرار السعودي بطلب وقف دعم مصر) هي دعوات لا تهدف إلى شق الصف العربي والخليجي الذي اتفق وأجمع على خطورة المشروع الإخواني على الخليج فقط بل إلى بث الفتنة في العالم العربي الإسلامي بأسره. ولا غرابة في أن تتفق أغلب الدول العربية (باستثناء المحكومة إخوانيا) على أن شعب مصر انتشل بلاده من البراثن الإخوانية التي كانت ستمتد إلى أقطار أخرى، وأيقن العرب أن دعمها هو وقاية من تفشي الطاعون الإخواني. والثابت أن القرضاوي لن يتوقف عن إنتاج فتاواه وعن اصطفافه جنب الإخوان، وأنها لن تغير من علاقات عربية عريقة أوثق من أن ينال منها متعصب أو إخواني أو محرّض. ولكن ذلك مفيد للشعوب العربية لأنه سيزيد تعرية الرجل وكشف حقيقته كونه رجل سياسة لا عالم دين.

"العرب" لندن 4/2/2014