الإعاشة غير الإنسانية للسوريين

علي بردى

لن يكون في إمكان قرار ضعيف كالذي اتخذه مجلس الأمن أن يساهم في إلغاء المعاناة الإنسانية المخيفة التي تشهدها سوريا منذ ثلاث سنوات. غير أن الكحل أحسن من العمى. المعونة التي يمكن أن تصل إلى مخيم اليرموك وحمص القديمة أو إلى بلدتي نبل والزهراء قد تعفي الجوعى من اقتيات لحوم الكلاب والقطط والعطشى من تجرع المياه الآسنة. هذه اسمها الإعاشة غير الإنسانية ليس إلا.

لا يمكن المجتمع الدولي أن يغطي عجزه الفاضح عن التعامل مع أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين ببعض الإعاشات الإنسانية لملايين السوريين. لا يمكن القرار 2139 أن يرفع مسؤولية أعضاء مجلس الأمن، وخصوصاً الدول الخمس الدائمة العضوية فيه: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، عن عملية "الإبادة البطيئة" لعشرات الآلاف من الناس في سوريا. فبمَ غير الإبادة يمكن وصف مقتل أكثر من 130 ألف شخص خلال سنوات الحرب الثلاث في سوريا؟ تفيد "المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان" (نافي بيلاي) أن أكثر من 170 ألف شخص محاصرون في الغوطة وبينهم آلاف بالكاد لديهم أي طعام وحصلوا على فتاوى لأكل القطط والكلاب. يعتاش أهالي نبل والزهراء منذ أشهر على الأعشاب البريّة. تتحدث "وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والمعونة الطارئة" (فاليري آموس) عن انتهاكات تفوق الوصف تشمل الخطف والسجن الاعتباطي والعنف الجنسي والجلد بالسياط والصدم الكهربائي وغيرها من أوحش وسائل التعذيب. أنقول إنها الحرب؟ لا. للنزاعات قوانين وأعراف حتى في مجتمعات البداوة العربية كما في البلدان الأكثر تقدماً بالمعنى الغربي لهذه العبارة.

ولكن يبدو الكلام سوريالياً غير واقعي. كيف يمكن التعامل مع نظام رهيب لا يوفر أشد وسائل الفتك والبطش وأحدثها دفاعاً عن بقائه، ومع جماعات إرهابية كأن أفرادها خرجوا للتو من الكهوف؟ هؤلاء وقفوا خلف واجهة علمانية وقومية لبقاء القائد الفئوي الى الأبد. أما أولئك فحملوا السيوف وعقيدة الحجاج لجز الرؤوس التي أينعت. زنروا أنفسهم بأحزمة ناسفة وذهبوا في رحلات إلى الجنّة. حملت "المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة" (سامانتا باور) على تناوب "التعصب الديكتاتوري" و"التعصب الديني" على عامة السوريين. غير أنها لم تقل كيف ينبغي محاسبة المسؤولين عن هذه المأساة الإنسانية. أما نظيرها الروسي (فيتالي تشوركين) فاكتفى بتفضيل النظام العلماني على التطرف الديني.

تحت هذه العناوين وغيرها، لم يتمكن المفاوضون من أعضاء مجلس الأمن من إبقاء بند المحاسبة وإمكانات العقاب، علماً أنهم متفقون على وجود "انتهاكات منهجية جسيمة لحقوق الإنسان" ترقى إلى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". شطبوا الإشارة الى محكمة الجنايات الدولية كي يصدر هذا القرار. قالوا: لم يكن في الإمكان أكثر مما كان حتى الآن.

هذه أيضاً إعاشة غير إنسانية للشعب السوري.

"النهار" بيروت 24/2/2014