روسيا
-
أوكرانيا عداء قومي
علي بردى
يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إدارة عقارب الزمن عقوداً إلى الوراء. يعيد إلى الأذهان تصرفات شاعت خلال الحرب الباردة. غير أنه يعتمد مقاربة لن تمنح روسيا أمجاد الاتحاد السوفياتي. يمضي بعيداً في غزو شبه جزيرة القرم، ليس فقط لحماية قاعدة أسطول البحر الأسود في سيباستوبول، بل أيضاً للدفاع عن الناطقين الروسية في أوكرانيا. كأنه انتهى من الألعاب الأولمبية في سوتشي، لينصرف إلى اللعب على الوتر القومي في روسيا.
ليست
أوكرانيا في وضع يتيح لها الدفاع عن نفسها إذا قررت روسيا خوض حرب شاملة محتملة
ضدها. بيد أن الأحداث في شبه جزيرة القرم، وما قد ينجم عنها، قد تكون لها آثار
عميقة على علاقات موسكو بمحيطها الأقرب أولاً، وبكل المجتمع الدولي تالياً.
أيقظ الغزو الروسي للقرم أشباح الماضي القريب لدى أجيال من الأوكرانيين. أثار مخاوف لدى عامة الناس في بولونيا ورومانيا والبلطيق وغيرها من دول المنظومة الشيوعية في أوروبا الشرقية. أحيا الهواجس المقيتة في ألمانيا وفرنسا والدول الإسكندينافية من الانتهاكات التي ترتكب خلف ما كان يسمى "الستار الحديد". لعل أسوأ ما في الأمر أن هذا النمط الستاليني في فرض إرادة دولة قوية على دول أخرى يتيح للولايات المتحدة الشروع في حملة جديدة لتصوير روسيا على أنها دولة خارجة على القانون الدولي.
يصرح المسؤولون الروس بأنهم يحترمون سلامة أراضي أوكرانيا، لكنهم يرون أن الحكومة القائمة في كييف غير شرعية. لكن الديبلوماسية الغربية تركز على إظهار زيف هذه الادعاءات. تذكر موسكو بأنها اضطرت في 1993 إلى الإقرار بأن مرسوماً أصدرته عامذاك في شأن قاعدة سيباستوبول لم يكن متناسباً ومعاهدة وقعتها مع كييف في 19 تشرين الثاني 1990 "التزم فيها الطرفان احترام سلامة أراضي كل منهما ضمن الحدود القائمة حالياً". كان يخالف غايات ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وإعلان هلسنكي لعام 1975 في شأن تنظيم الأسس الجديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية. عندما تخلت أوكرانيا عن الأسلحة النووية حصلت على ضمانات محددة في مذكرة بودابست لعام 1994 حين وافقت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، روسيا والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، على الامتناع عن التهديد باستخدام القوة ضد سلامة أراضي أوكرانيا واستقلالها السياسي، وأن أياً من أسلحة هذه الدول لن يستخدم ضد أوكرانيا.
بمخالفة كل هذه المواثيق، يقدم الرئيس بوتين على مقاربة خطرة، أخطر مما فعله عام 2008، حين أمر القوات الروسية بالذهاب إلى جورجيا بحجة حماية العرقية الروسية في إقليم أوسيتيا الجنوبي.
ينتهك الآن قواعد اللعبة التي شاركت بلاده في وضعها خلال العقود الماضية. يتخذ خطوات تنذر بعداء طويل مستحكم في نفوس الأوكرانيين. يخاطر بنشوء عداء قومي طويل بين روسيا وأوكرانيا.
لعل هذه بعض الأثمان التي قال الرئيس باراك أوباما إن روسيا ستدفعها في أوكرانيا.
"النهار" بيروت 3/3/2014