مذبحة غير مخجلة
علي السوداني
صار المشهدُ واضحاً. الشاشة الليلة لم تتبدّل. مصيبة تجرّ وراءها سبعين. مسبحة عملاقة من الوجع والمهانة. بحر دمٍ ودموع وآهات تتهاطل من على شاشة النبأ اليقين، الذي لم يأتِ به هذه المرة، فاسقٌ وكذّاب.
رعية بلادي العزيزة التي أصبح وأمسى اسمها، بلاد ما بين القهرين، وقد جارتْ علينا ولم نجنِ على أحد، تتعرض لمذبحة جماعية معلنة وغير مخجلة. مفخخات وملغمات ومحزمات بالبارود، انولدتْ عن مفخخات فكرية بائدة مظلمة نتنة عطنة، وفتنة نائمة ومدافن مطمورة نبشها العتاة القساة المضلِّلون والمضلَّلون، ومن تبعهم من الغاوين والمخدَّرين.
هذه واحدة لا تُثنّى من مِحَن الكتابة، إذ يشتلك الربع والناس ونقدة الكلام، بباب توصيفٍ ثقيلٍ هذه السنوات، مثل جبل همٍّ وغمٍّ ووجع مبينٍ ابن مبينة تنام على بينونة، فتصير حبيس محبسين اثنين، محبس الكتابة الساخرة، وزنزانة ضحكٍ شحيح. تريدكَ النظّارة أن تبقى معرّشاً فوق دكة الفرجة، توزع على القوم عطاياك الضحّاكة، وأنت قائم مثل مهرّج سيرك حزين مقهور، ماتت بلاده وأمّه وصحبه، ومن فوق الدكة العالية، عليك أن تُضحك جمهوراً كان دفع سلفاً سعر بطاقة الدخول إلى الموقعة.
نحن الآن بمواجهة عزلاء مع أقسى وألعن أصناف الاستعمار الحديث. الغزاة الجدد يقتلوننا ويذلّوننا ويمرضوننا، من دون أن يخسروا على أجسادنا الرخوة ، طلقة أو قطرة دم أو بعضَ دولار رجيم.
أنا أقتل جاري، وجاري القاسي يقتل حتى سابع جار، من أجل فكرة عفنة، ورواية مجروحة مضلّلة، ومنبوشة طائفية وسخة، وقد صارت تجارة وباب دينار عظيم. جنونٌ جماعيّ، وماكنة قتل عملاقة تثرم الأجساد ظهراً، وتصيح مساء العشاء أنْ هل من مزيد أيها الأجاويد الكرام؟!
في أميركا، كمية ضخمة من الشعر والأدب والغناء والموسيقى والعلم والرسم والدواء، لكنها الوغدة الكذّابة الحرامية، لم تهبنا سوى القتل والظلام والدسيسة والدكتاتورية الحارسة المطيعة الناشفة، حتى صيّرتْنا بئر نفطٍ كبرى، برميلها أغلى من برميل الدم والديمقراطية.
لعنة ألله والناس المقهورة، على أميركا التي ما دخلتْ بلدةً إلا أفسدتها وأمرضتها ونهبتها. كلّما وقعتْ مصيبة، فتّش عن أميركا، وأيضاً عن سراب الفتاوى المظلمة.
"العرب" لندن 1/2/2014