هل صارت سوريا حلماً؟
أمين قمورية
تساءل وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند، ونحن معه نسأل: هل أضاع الصراع سوريا وأنهاها كأمة ودولة، وصارت استعادتها كدولة ومجتمع حلماً؟
التساؤل مشروع بعدما غزت البلقنة بلاد الشام، وجعلت بردى والفرات نهري دماء وبات الموت الزراعة الوحيدة المنتجة في طول البلاد وعرضها.
وضع قطار الحل على السكة، لا يعني بالضرورة أن القطار سيصل إلى محطته النهائية، وخصوصاً إذا كانت الطريق مليئة بالمنعطفات الخطيرة وتضاريسها صعبة كتضاريس السياسة السورية حالياً. "جنيف 2" فشل في تأمين انطلاقة يسيرة للحل، و"جنيف 3" لن يكون مصيره أفضل من سابقه بعدما عاد فريقا القتال إلى مربع "جنيف 1" وبدا كل منهما كأنه يريد من الآخر أن يسلّمه لا أن يشاركه. لم يحرز أي تقدم في قاعة المفاوضات ولا في الغرف المغلقة ولا حتى في الميدان الذي ظل مشتعلاً. الفريقان لايزالان يقرآن في القاموس القديم نفسه للمفردات السياسية، لا يتضمن هذا القاموس كلمات تنازل أو تسوية أو حل سياسي. الكلمات المفضلة فيه: إرهاب، تكفير، إقصاء، كي، استئصال، إلغاء، مؤامرة، الخارج.
وبين نظام متحجر يقدس جبروت حلول البراميل المتفجرة، ومعارضات هائمة على وجهها سقطت أكثر من مرة في فخ النظام وانقادت بردود فعلها غير المدروسة إلى الهيجان المذهبي والتحلل الاخلاقي.. طارت التسوية وصارت في خبر كان.
التوافق في الداخل مفقود، أما في الخارج فلم يولد بعد، فلا الراعيان الكبيران قادران على تجاوز خلافاتهما في موضوع سوريا حتى جاءت أوكرانيا لتضيف إلى المشهد القاتم قتاماً، ولا الدول الإقليمية الكبيرة قابلة أو قادرة على لجم التدهور في سوريا بعدما كاد التدهور في العلاقات بينها يزج بها في حرب أشد خطورة من تلك الجارية على الأرض السورية.
إمكانات الحل السياسي في سوريا حتى هذه اللحظة مستحيلة. وفي المقابل، يبدو الحسم الميداني مستحيلاً أيضاً.
ما الحل إذاً؟ هل التقسيم والتجزئة هما طريق الخلاص لسوريا؟
سوريا صارت فعلاً صومال جديدة يحكمها أمراء الحرب والجاهلية والتعصب وتدير مناطقها والمدن المافيات. والصراعات على الزعامة المحلية باتت في كل شارع وحي وزاروب، وتستوي في ذلك مناطق نفوذ النظام ومناطق نفوذ المعارضة. ولا غرابة أن نسمع بيانات الرقم واحد ورفع أعلام وبيارق وإعلانات عن قيام "دويلات" أو "جمهوريات حكم ذاتي" و"إمارات" مستقلة.
سوريا الموحدة والمتماسكة معلقة في انتظار أعجوبة.. على الأرجح لن تتحقق في المدى المنظور.
"النهار" بيروت 11/2/2014