هجمات إرهابية في مصر في ذكرى ثورة 25 يناير
القاهرة – وكالة الصحافة العربية: محمد نوار
في الوقت الذي تم الاحتفال فيه بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، ضرب الإرهاب عدداً
من المناطق في القاهرة والجيزة وبعض المحافظات، وقبل بضع ساعات من الاحتفال بذكرى
الثورة وبأعياد الشرطة الذي حضره الرئيس عدلي منصور ووزير الدفاع الفريق أول عبد
الفتاح السيسي، وقع هجوم مسلح عند نقطة تفتيش بمحافظة بني سويف يوم 23 يناير راح
ضحيته خمسة من أفراد الشرطة.
وقد وقعت بعض التفجيرات في عدد من المناطق الأمنية في القاهرة، بما في ذلك هجوم
انتحاري بسيارة ملغومة على مديرية أمن القاهرة أسفر عن مقتل ستة أشخاص، تحمل بصمات
المتطرفين الإسلاميين الذين استهدفوا بشكل متزايد مقرات الشرطة والجيش منذ 3 يوليو
(تاريخ عزل مرسي من الحكم)، كما ألحق التفجير ضرراً بالغاً بمتحف الفن الإسلامي
الذي يعود تاريخ بناؤه إلى القرن التاسع عشر الميلادي، والمقتنيات الموجودة بداخله
تعد مجموعة نادرة من التحف الفنية الإسلامية التي يعود تاريخها إلى عام 1881، كما
ضربت قنبلة أخرى في سيارة للشرطة في دورية بالقرب من محطة مترو (الدقي) بالقرب من
المركز الثقافي الروسي، مما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة ثمانية آخرين.
وقال د. قدري سعيد رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية
والإستراتيجية، إن مصر كانت في حالة تأهب قصوى إحياء للذكرى الثالثة لثورة 25 يناير
2011، لكن هذه الاحتفالات يقابلها تخوف المصريين من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي
ومؤيديه الذين تعهدوا باستغلال هذا الحدث لاكتساب مزيد من الزخم الشعبي والسياسي
والدولي في جهودهم الرامية إلى تحويل الثورة إلى قوة دفع جديدة "لكسر الانقلاب" –
على حد زعمهم - ولذلك لا عجب من وقوع تفجيرات في عدد من مناطق الجمهورية لإرهاب
وتخويف الشعب عن النزول إلى ميدان التحرير، موضحاً أن قوى الإرهاب تسير الآن في
مخطط تشتيت أجهزة الأمن خلال احتفالات ثورة يناير، لكسر مؤسسات الدولة الأمنية ونشر
الفوضى، ولا ضرر من محاولة اقتحام السجون لتهريب المعزول محمد مرسي.
ومن جانبه أضاف اللواء سامح سيف اليزل مدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية، أن
التفجيرات التي ضربت البلاد جاءت رداً على احتفال الدولة بثورة يناير وبعيد الشرطة،
لأن الجماعات المتطرفة ترغب في كسر الشرطة مجدداً، ولا تريد أي دور أمني خلال
الفترة القادمة، وبالتالي كان هدفها مديرية أمن القاهرة، وتفجير هذه المديرية
تحديداً تعطي رسالة سلبية أمام المجتمع الدولي تجاه مصر، كونها في قلب العاصمة،
وثانياً لأنها تعد أهم مديرية أمن في الجمهورية، ولذلك أرادت قوى الإرهاب تفجيرها
لإعطاء رسالة سلبية للنظام المؤقت في إجراءات تأمين قوات الشرطة لمؤسساتها، فما
بالك بتأمين ميدان كبير مثل ميدان التحرير، وهو ما يعطي تخوفاً عند المصريين من
النزول وحضور احتفالات ثورة يناير، موضحاً إلى أن ما يحدث لا يخرج عن كونه محاولة
من قوى الإرهاب لإثناء الشرطة عن مواصلة حربها الشرسة ضد الإرهاب الأسود، خاصةً بعد
تعهد الدولة باستمرار ملاحقة الخارجين على القانون ومؤيدي الإخوان المسلمين، وهذا
الهجوم الإرهابي هو محاولة ضد الانسجام والوحدة بين المصريين والنظام المؤقت التي
ظهرت من خلال الاستفتاء على الدستور.
بينما أشار د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن الإرهاب
سيظل مستمراً ضد مؤسسات الدولة المصرية لسنوات طويلة، لأن الإخوان المسلمين
والجماعات الموالية لها ترى أن العنف والفوضى هما السبيل الوحيد لإفشال أي استقرار
قادم، سواء من النظام المؤقت أو النظام الانتخابي القادم، ولذلك فإن جماعة الإخوان
تستلهم فكر تنظيم القاعدة في استخدام التفجيرات، سواء كانت اغتيالات أو سيارات
مفخخة، حيث تهدف إلى الانتقام من مسئؤولي الدولة المصرية الذين شاركوا في الانقلاب
على مرسي، أو الشرعية كما يزعمون، وكانت أبرز الهجمات محاولة فاشلة لاغتيال وزير
الداخلية اللواء محمد إبراهيم بواسطة تفجير سيارة ملغومة، وأيضاً استهدف مقر مديرية
الأمن في مدينة المنصورة بدلتا النيل، والتي خلفت ما يقرب من 16 قتيلاً معظمهم من
رجال الشرطة، لافتاً إلى أن ما يسمى بالتحالف الوطني لدعم الشرعية بقيادة الإخوان
يعتزم تنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد كجزء من مظاهرات شبه يومية ضد الإطاحة
بمرسي في ذكرى ثورة يناير، ورغم أن قادة التحالف يروجون بأن التظاهرات ستكون سلمية،
إلا أن التوقعات تهدف إلى مخطط لإفشال ذكرى الثورة، وشل البلاد تماماً ووقوع
تفجيرات متفرقة في أنحاء البلاد.
المصريون يعيشون تحت رحمة "عصابة إرهابية" هكذا وصف د. عماد جاد الخبير بمركز
الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية، حيث انزلقت البلاد إلى فوضى التجاذبات بين
الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، بسبب التخاذل في مواجهة الجماعة الإرهابية فور
سقوط مرسي، ولم يعد يفيد وضع الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية أو اعتماد
الدولة على قانون مكافحة الإرهاب الذي يتجمد على نحو فعال من قبل القائمين على
تطبيقه، نظراً لأن الحكومة الحالية تخاذلت في مواجهة العنف أو من يقوم به، محذراً
من تحول مصر إلى ما يشبه سيناريو الجزائر عندما تصدع الخلاف بين الحكومة المدعومة
من الجيش وبين "الجبهة الإسلامية"، فضلاً عن أن حملة القمع التي شنتها الحكومة
المؤقتة على التنظيم الإخواني يقلل فرص التوصل إلى حل سياسي، نظراً لأن المواجهة
المسلحة باتت تمثل خسائر للدولة داخلياً وخارجياً، وأعتقد أن العديد من المتعاطفين
مع الإخوان المسلمين هم من يحملون السلاح في وجه الدولة، ولخلق بيئة غير قابلة
للحياة داخل الدولة المصرية.
وفي رأي د. محمد فرغلي الباحث بمركز الشرق للدراسات السياسية، أنه من غير المرجح
انضمام المزيد من الجماعات الدينية المتطرفة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو
مؤيديها، إلى العنف الذي تشهده الدولة حالياً، خاصةً وأن هناك شقاقاً وخلافات
أيديولوجية بين الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى، وتوجد بعض التقارير تؤكد أن
التحالف الوطني لدعم الشرعية يخطط لإزاحة الإخوان من المشهد السياسي والتفاوض مع
الدولة لإجراء مصالحة حقيقية، نظراً لأن العنف الحاصل لن يرمي إلا لمزيد من قوة
القبضة الأمنية على قادة التحالف ومؤيديهم، مؤكداً أن الأسلحة المهربة من ليبيا
والسودان متاحة في السوق السوداء داخل مصر، وعدم مكافحة الإرهاب بشكل قوي يمكن أن
يأخذ الدولة إلى مستوى آخر من الفوضى مستقبلاً، نظراً لأن هذه الجماعات، التي وجدت
في الغالب موطئ قدم في سيناء وسط الفراغ الأمني الذي أعقب انتفاضة 25 يناير، ومعظم
أعضاء هذه الجماعات يتخفون بعيداً عن أعين أجهزة الأمن والناس لتنفيذ ضرباتهم، وهو
ما سيكون واضحاً خلال الأيام القادمة، فضلاً عن أن هذا الوضع الأمني المتدهور قد
يعني مزيداً من صراع طويل ودموي بين الدولة والإخوان وحلفائها الإرهابيين.
ويرى د. حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لا يمكن إنشاء نموذج
حقيقي للحوار وسط هذا الاستقطاب الحاد، سواء من الدولة أو من جماعة الإخوان
المسلمين، والجميع يقف الآن أمام نقطة اللاعودة، خاصةً وأن التفجيرات التي ضربت مصر
مؤخراً تحمل بين طياتها رسائل موجهة للنظام المؤقت مفادها أن ذكرى ثورة يناير ستكون
ضد جهاز الشرطة، موضحاً أن مصر نجحت طوال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في تجميد
العمليات الإرهابية لبضع سنوات من خلال فرض قانون الطوارئ، وفي الوقت نفسه واصلت
الحكومات المتعاقبة العنف السياسي والديني من خلال السياسات الاجتماعية الظالمة
والاستبداد السياسي والقمع المطلق لكل ما هو إسلامي، وأعتقد أن النظام الحالي
المؤقت يكرر نفس الخطأ، لأن عدم التوصل إلى حوار مع الإخوان سيزيد الأمور تعقيداً،
وهذا ليس معناه التصالح مع القتلة والإرهابيين، ولكن هناك جيل ثاني وثالث تستطيع
الدولة أن تتواصل مع قادته ومراجعة أفكارهم، مؤكداً أنه لا يوجد معوق لمعالجة
الأسباب الجذرية للعنف سوى الحوار، لأن التجاهل والعنف يؤديان إلى قتل العديد من
الجنود والضباط كل يوم تقريباً، بالإضافة إلى أن الإخوان ستواصل عنفها كونها تعتقد
أن التمرد المسلح هو الطريق الوحيد المتبقي أمامها ضد النظام المؤقت.
وفي سياق متصل أرجع عمرو عبد الهادي القيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية المؤيد
للإخوان المسلمين، وقوع تفجيرات أمام مديرية أمن القاهرة وعدد متفرق من مناطق
الجمهورية إلى بعض القوى المحسوبة على النظام المؤقت ممن وصفهم بـ"البلطجية" التي
تحاول عرقلة مسيرات وتظاهرات مؤيدي الشرعية في ذكرى ثورة يناير، كما اتهم النظام
المؤقت بتدبير الانفجار لإجهاض تحركات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ضد قيادات
الانقلاب العسكري - على حد وصفه - مؤكداً أن الانفجارات التي ضربت القاهرة ستخلف
مزيداً من القمع والحملات الأمنية المتعددة لاعتقال قادة مسيرات التظاهرات في ذكرى
ثورة يناير، لكن هذه الإجراءات لن ترهبنا عن النزول إلى ميادين مصر للاحتفال بذكرى
الثورة، ورفض الانقلاب على الشرعية.
1/2/2014