لغة الضاد تحديات في عقر دارها

وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية.. المتهم الأول وراء التراجع في اللغة العربية

القاهرة: وكالة الصحافة العربية

في الآونة الأخيرة بدأت النداءات والمطالبات تعلو بضرورة حماية اللغة العربية من الأخطار التي تحيق بها والتي جعلتها معرضة لضياع رصانتها ومفرداتها البليغة وقوتها في التعبير، نتيجة الثقافات التغريبية التي تفد إلينا من العالم الغربي في زمن العولمة بما تحمله من أفكار وأساليب تعبيرية من شأنها القضاء على لغة الضاد والحد من انتشارها على ألسنة الناس حول العالم أو طمس ملامحها بتفكيك مصطلحاتها وتغريبها و قصرها للتعبير في مجالات بعينها وتدني ترتيبها على مستوى العالم من بين المواد المستخدمة مثلًا لأغراض كالبحث العلمي وغيرها خاصة وأن من أرسى قواعد وأصول العلوم في هذه المجالات هم علماء عرب.

وعن التحديات التي تواجه لغتنا العربية، كما يرى د. محمود حافظ وهو عالم مصري رائد في علم الحشرات والرئيس السابق لكلا المجمع العلمي ومجمع اللغة العربية بالقاهرة. وهو أول مصري يحصل على شهادات الدكتوراه في علم الحشرات، وثاني مصري يجمع بين رئاسة مجمع اللغة العربية والمجمع العلمي بعد عميد الأدب العربي طه حسين.

له أحاديث كثيرة عن أهمية اللغة العربية ونذكر منها ما قاله عن إعادة النظر في الاهتمام باللغة العربية باعتبارها الأداة التي تنقل مختلف العلوم إلى النشء، وتنشر الثقافة لكونها المحور الأساسي في بناء الإنسان. وقد شهد بعض من المستشرقين منهم بروكلمان بعظمتها وعبقريتها واتساعها بفضل القرآن، إلا أن اللغة العربية أخذت في التردي إبان الاحتلال البريطاني.

ويشير د. محمود حافظ في كتابه (آراء في قضية التعريب) إلى أن الدعوة إلى تعريب التعليم كانت منذ محمد علي، فقد بذلت لذلك الجهود الكثيرة الهادرة، وقام بها علماء في شتى المجالات مما ساعد في حركة التنوير، لكن ما لبث أن توقفت حركة التعريب، والتى خلفت ثلاثة أخطار على اللغة العربية، الخطر الأول: هو خطر اللغات الأجنبية التي تزاحمها وتهددها في عقر دارها. والخطر الثاني: هو خطر العامية المحلية التي يروج لها الكثيرون، والتي أصبحت تنتشر الآن حتى في أجهزة الإعلام والتي يطالب البعض بأن تكون لغة تعليمية. والخطر الثالث: هو خطر اللحن والأخطاء اللغوية حتى في اللغة الفصحى التي يؤديها الخطباء والكتاب والمذيعون وغير ذلك.

بالإضافة إلى عدم استخدام الجامعات اللغة العربية في مجال العلوم والطب والهندسة والصيدلة، حيث يعزون السبب إلى عجز العربية عن استيعاب العلوم.

لغة خالدة

يقول د. علي جمعة مفتي الديار المصرية: إن اللغة العربية التي يبلغ عمرها ألفي عام تقريبًا تعهد الله بحفظها ولهذا فهي غير قابلة للتغيير، ولا يمكن أن تنقرض كبقية اللغات، ولعل ما زاد الحدة لدى البعض أن اللغة العربية ربما تكون من بين اللغات التي ستنقرض بناء على ما أشار إليه تقرير لليونسكو في العام 2006م والذي ذكر أن هناك لغات ستموت من بينها العربية، وهو ما أشعل القلق أكثر في نفوس الكثيرين من الغيورين على لغتهم خصوصاً إذا ارتبطت بالهوية والحضارة التي ربما تندثر هي الأخرى.

ولقد نزل الوحي الأمين على محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن الكريم شفاهة، وتلقاه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- سماعاً وحفظاً، وليس في ألواح مكتوبة، وكذلك رتله على أصحابه من حوله، وكذلك تلقوه بالسماع والحفظ في الصدور، لا في السطور، ولم يلجأ أبو بكر وعثمان - رضي الله عنهما - فيما بعد إلى جمع القرآن الكريم في مصحف وتوزيعه على الأمصار إلا للحفاظ على وحدة النص، وظل القرآن الكريم يتلى كما كان يتلوه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتلقاه الرجال ويسمعونه ويحفظونه ويرتلونه امتثالًا لأمر الله تعالى «ورتل القرآن ترتيلا» (سورة المزمل 4)، واتباعاً لسنة رسوله بتجويد وتلاوة القرآن الكريم.

ويضيف: يتم تعليم العربية من خلال القرآن الكريم، بالسماع والنطق، عبر المشافهة والحفظ، وتلقي الرجال بعضهم عن بعض، حضوراً ومشافهةً، وعندما جاء التدوين في مرحلة تالية وتنقيط المصحف وضبطه، إنما جاء لا ليكون التعليم من المصحف المكتوب، إنما ليكون المصحف المكتوب بعلاماته ورموزه الكتابية معينًا على الحفاظ على اللفظ والنطق والترتيل والتجويد، ولا يزال كذلك إلى اليوم، وفي هذا ما يؤكد أهمية السماع واللفظ، والحفظ والمشافهة، وهذا كله من خلال القرآن الكريم الذي منح العربية خصوصية تميزها من غير شك.

وسيلة للتعلم

ومن جانبه يقول د.أحمد جودة أستاذ اللسانيات بجامعة عين شمس: إن أجدادنا درسوا جهاز النطق لدى الإنسان وحددوا مخارج الحروف، ووصفوها، وصنفوها، وتقدم هذا العلم لديهم واكتمل، ووصلوا فيه إلى نتائج علمية محددة، من غير أن تكون لهم آلات رصد الصوت، ولقد وضعت فيه عشرات المصنفات، ولا يزال علماً حياً يتم تلقيه، تحت اسم علم التجويد، كما درس اللغويون مظاهر أخرى في الصوت كالإمالة والوقف، وما في الوقف نفسه من أشكال نطق مختلفة، ووضعوا لها قواعدها وأصولها، مما يؤكد الحرص على تعليم النطق بالعربية والتلفظ بها وإجادة أصواتها.

ويضيف: من المؤسف أن المقررات الجامعية في السنوات الأربع للاختصاصات كافة لا يتضمن أيّ منها مقرر المحادثة والاستماع، أي لا يتضمن مقررًا شفهيًا له علامة مستقلة، ويعد مادة رسوب، ولذلك أهمل الطالب مثلما أهمل المدرس على حد سواء أسلوب المحادثة والاستماع واعتمد كلاهما على أسلوب التلقين والتدوين والملخصات واتخاذ الكتاب والمادة المكتوبة وسيلة للتعلم والامتحان والنجاح، بعيدًا عن المحادثة والاستماع، أيّ بعيدًا عن تكوين جهاز نطقي سليم للمتعلم، يجيد من خلاله أداء لغته أداءً فنياً صحيحاً، فلا يخطئ في نطق، ولا يغلط في لفظ ولا يزل في إعراب، فالطالب في قسم اللغة العربية يتقن قواعد النحو، ويجيد الإعراب، ويحسن تقطيع بيت الشعر على الورق كتابة بالخط، ولكنه بعد ذلك لا يجيد إلقاء بيت من الشعر، ولا يحسن قراءة بضعة أسطر، من غير أن يقع في عدة أخطاء، لأنه لم يتدرب على إلقاء، ولم يمارس المحادثة، ولم يتقن فن الاستماع.

بينما يرى د. محمد عبد الحليم بجامعة الأزهر أنه ينبغي أن يعمم استعمال اللغة العربية الفصحى الحديثة بالمؤسسات التعليمية من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي، إذ هي لغة المناهج الدراسية, فيدرب التلاميذ على مهاراتها الأربع من الاستماع، والتحدث،والقراءة، والكتابة، ويلتزم بها المعلمون ويجب أن يلتزم معلمو المواد الأخرى بالعربية الفصحى في دروسهم، ليكونوا قدوة صالحة لتلاميذهم، ويحبب إليهم التحاور بها كلما اجتمع لفيف منهم، وتُهَيَّأُ الظروف والأجواء المتنوعة لذلك فتُفَعَّل في المدارس إذاعة الصباح وإذاعة وقت الاستراحة والمنتديات، والأنشطة اللامنهجية، وتُسخر الجهود لينشط الطلابُ والأساتذةُ للحديث بالفصحى ويُعَزَّزُ هذا الجهدُ بطرائق متنوعة، للإسهام في تكوين هذه المهارة بصورة فعّالة، حتى تترسخ فيهم ملكتها، وتملك ألسنتهم دربتها, ويكون أخذهم بالتدريب تدريجاً، إلى أن تهجر العامية وتحل الفصحى محلها في المؤسسات التعليمية.

16/1/2014