جدل حول تيارات الإسلام السياسي.. والحكم بموجب الشريعة

القاهرة - وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

الشريعة، أو القانون الإسلامي. هناك الكثير من تفسيرات متباينة لمفهوم الشريعة الإسلامية، وبعد "ثورات الربيع العربي" وصعود الأنظمة الإسلامية تم دمجها في النظم السياسية بسهولة للوصول إلى الحكم وكسب تعاطف الناخبين، ومازال هناك نقاش ينمو حول دور الشريعة وما إذا كان يمكن أن تتعايش مع العَلمانية والديمقراطية، أو حتى الفكرة الناشئة التي يجرى اختبارها من قبل عدة دول في الشرق الأوسط عند كتابة الدساتير أو كيفية تطبيق هذه الفكرة مع مفهوم الشريعة.

الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف السابق قال: إن الشريعة تعني المسار الرباني الذي يسير عليه المسلمون في كافة تفاصيل حياتهم اليومية، بما في ذلك الروتين اليومي والالتزامات العائلية والدينية، وحتى التعاملات المالية، وهي مستمدة أساساً من القرآن والسنة، كما يستخدم القياس من قبل العلماء لمعالجة القضايا الجديدة، وفي العصر الحديث أغفل شيوخ وقادة حركات الإسلام السياسي الشريعة بمفهومها الشامل، وأصبحوا يعتمدون على القياس في جميع مناحي الحياة من أجل حصد أصوات الناخبين والوصول إلى السلطة، لافتاً إلى أن الشريعة تم وضعها بعد عدة مئات من السنين بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بعد أن توسعت الإمبراطورية الإسلامية إلى حافة شمال أفريقيا في الغرب والصين في الشرق، حيث أصبحت نموذجاً لجميع المسلمين الآخرين، كما حاول العلماء التوفيق بين العادات والتقاليد والإسلام، والعمل على كيفية تطور المدارس المتميزة للفكر الإسلامي مثل المذاهب السنية، (الحنبلي، المالكي، الشافعي، والحنفي).

وهناك أيضاً مدارس شيعية (الجعفري وغيرها)، إلا أنها تختلف في التطبيق مع أهل السنة، لكنهما يتفقان على كل المصادر التي يستمد منها الشريعة (القرآن، الحديث، علماء المسلمين وإجماع الأمة)، وتابع هناك فروق تكون أكثر تأثيراً على النظم القانونية في كل بلد، ومع ذلك يوجد تركيز على كل ما يتعلق بمفهوم هذه القوانين مع الشريعة، ومع ذلك كثير من المسلمين غير ملتزمين بمدرسة واحدة في حياتهم الشخصية من النظام الإسلامي، لأنهم رأوا من قوى الإسلام السياسي كيفية المتاجرة بالدين والتطلع إلى السلطة والحكم بموجب الشريعة والمتاجرة بالدين.

ومن جانبه أضاف إسلام بحيري رئيس (مركز اليوم السابع للدراسات الإسلامية)، أن معظم البلدان الإسلامية لا تستخدم العقوبات الإسلامية التقليدية والكلاسيكية المعروفة بـ(الحدود)، حيث تبقى هذه العقوبات في الكتب الدينية، بينما يتم التعامل مع العقوبات بالطريقة القانونية المعتادة التي وضعها البشر، وهذا مبدأ صحيح تماماً لأنه قديماً لم يكن هناك مفهومً للدولة سواء بالحدود أو الهيئات ولم تكن هناك عقوبات سوى العقوبات الربانية، أما في الواقع الحالي يوجد فرق بين الدولة الإسلامية القديمة والدولة الحديثة، على سبيل المثال دولة مبارك لم تكن دولة عَلمانية كما تردد قوى الإسلام السياسي سواء بالفكر السلفي أو الإخواني، نظراً لأن الشريعة الإسلامية موجودة في مصر ومطبقة، أما بعد ثورة يناير فإن تيار الإسلام السياسي يريد تطبيق الشريعة بوجهة نظرهم الضيقة سواء سلفيين أو إخوانا، موضحاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحكم الدولة بالدين أو بأوامر من الوحي وبتكليف رباني، وغير ذلك كان يستمع لرأي أصحابه ويأخذ بمشورتهم، فمثلاً في صلح الحديبية كان الصحابة كلهم رافضين لبنود الاتفاق ويرون أنه ظلم على المسلمين، لكن النبي وافق على عقد الصلح مع المشركين لأن الموافقة جاءت من السماء، وتابع اكتسبت قضية الشريعة زخماً سياسياً وشعبياً بعد ثورات الربيع العربي مقابل العَلمانية، ومع صعود الحركات الإسلامية أصبحوا يتاجرون بهذا المفهوم، ويرددون بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وكأن الدول العربية تعيش في «الكفر»، مع أن المسلمين في جميع بقاع الأرض يتعاملون قبل ظهور هؤلاء المشايخ وهذه التيارات المتشددة في حياتهم اليومية بالشريعة، سواء في حالات الزواج أو الطلاق أو البيع وغيرها من الأمور الإسلامية المعتادة والتقليدية، لكن الحركات الإسلامية كانت غايتها الوحيدة هي الوصول إلى الحكم والمتاجرة بالدين وبمفهوم الشريعة وفق فهمهم.

وفي رأي د. مصطفى زهران، الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي بـ(مركز ستا للدراسات السياسية)، أنه على الرغم من الممانعة الرسمية والشعبية لاستخدام عقوبات الحدود، إلا أن جرائم الشرف والقتل تظل مشكلة في جميع أنحاء البلدن العربية، حيث تصر العائلات على الأخذ بالثأر وتطبيق الحد الرباني في هذه الجرائم، ووفق تقرير صادر من الأمم المتحدة يتم قتل الآلاف من النساء سنوياً باسم شرف العائلة، وتابع يجب إصلاح المجتمع الإسلامي باستمرار لإبقائه في أنقى صوره أمام العالم، حيث اكتسبت قضية الشريعة مقابل القانون العَلماني التدقيق بدءاً في عام 2011 في أعقاب الانتفاضات في عدة دول عربية، مثل ليبيا، وتونس، ومصر، التي أطاحت بالحكام المستبدين وساعد هذا على إنشاء وتصدر الأحزاب السياسية الإسلامية المشهد السياسي في هذه الدول، وأظهر استطلاع مركز (بيو) بعد ثورات الربيع العربي الذي أُجريَ في سبع دول من بينها مصر دعماً قوياً للإسلام في السياسة وتطبيق الشريعة، مع وجود عقوبات قاسية على جرائم مثل السرقة والزنا، بينما في نفس الوقت وحسب التقرير طالب عدد من مواطني شعوب دول الاستطلاع بتطبيق النموذج الباكستاني كونها أفضل شكل من أشكال الحكم – حسب ما أكد الاستطلاع -، وسواء الديمقراطية والإسلام يمكن أن يتعايشا سوياً في الدول الإسلامية، هناك جدل بين بعض المسلمين العَلمانيين الذين يرحبون بالديمقراطية وفق مفهومها الغربي، بينما يرغب المسلمون المحافظون على تطبيق الديمقراطية وفق النهج الإسلامي، وأن الديمقراطية لها أساس في القرآن الكريم وهو مبدأ التشاور المتبادل، بينما هناك كثير من المسلمين يرون تطبيق الشريعة وسيلة للتحرر من الفساد الحكومي، ويمكن في حال تطبيقها كما يزعمون تواجد إطار ديمقراطي وشامل يطبق الديمقراطية الغربية بالمفهوم الإسلامي.

واختلف مع الرأي السابق د. علي بكر الباحث في شؤون الحركات الإسلامية بـ(مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية) وقال: إن تشكيل حكومة عَلمانية هو أفضل وسيلة لمراقبة وتطبيق مبادئ الشريعة، كونها ستخشى من التيارات الدينية في حال خالفت المسار الإسلامي، وحتى لو خالفت فإنها محسوبة على التيار العَلماني، بالإضافة إلى أنهم يراقبون قانون الدولة وليس الفرائض الدينية للمسلمين، أما التيارات الإسلامية فإن خطأها في الشريعة يكون مقصوداً، لافتاً إلى أن أفضل توازن للشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، يتم من خلال دمج الشريعة في الأنظمة السياسية بثلاث طرق، أولاً: النظام المزدوج، حيث العديد من البلدان ذات الأغلبية الإسلامية لديها نظام مزدوج في الحكومة بين العَلمانية والدينية، ثانياً: النظام العَلماني أو الليبرالي البحت، حيث يتم تشكيل نظام سياسي بطريقة تمنع تداخل السياسة في الدين على قمة السلطة أو الحكم، بينما يسمح للحركات الإسلامية في الشارع بممارسة دورها في الشارع بطريقة دعوية، ثالثاً: نظام إسلامي بحت، وهو نظام ظهر بعد ثورات الربيع العربي، حيث كان يتمنى أصحاب تيارات الإسلام السياسي جعل الدين في مرتبة الحكم، لكنهم فشلوا بسبب عدم تجديد الخطاب الديني، واعتمدوا على طريقة تناولهم وتفسيرهم الخاص بالأمور الدينية، وسواء كانت الديمقراطية والإسلام طرفين متناقضين، لا يمكن أن يتعايشا سوياً مع النظم الإسلامية في الحكم، إلا أن تجديد الخطاب الديني يساهم في قيام دولة مدنية حديثة بالمفهوم الإسلامي كفيل بتحقيق الديمقراطية والمواطنة وحماية الأقليات الدينية.

بينما يرى د. سامح عيد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن بعض الدول الغربية رحبت بفكرة السماح للمسلمين بتطبيق الشريعة الإسلامية في النزاعات العائلية والمالية، وفي أواخر عام 2008، سمحت بريطانيا رسمياً بإنشاء محاكم الشريعة التي تحكم الزواج والطلاق والميراث للجالية المسلمة واتخاذ قرارات ملزمة قانوناً إذا اتفق الطرفان، كون هذا النظام يساعد في الحفاظ على التماسك الاجتماعي للأجانب داخل المجتمعات الأوروبية، بينما في نفس الأمر أصبحت الشريعة موضوعاً للقلق السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة، وهناك انقسامات وخلافات بين الولايات، ففي الوقت الذي حظرت فيه ولاية أوكلاهوما عام 2010 استخدام نصوص الشريعة الإسلامية في القضايا المعروضة على المحاكم، بجانب معارضة بناء مساجد جديدة في مختلف أنحاء الولاية، نجد أن ثلث الأمريكيين في استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" أغسطس 2010، بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتعاطف مع أهداف الإسلاميين لفرض الشريعة الخاصة بهم، وهذا ما ظهر جلياً في دعم حكومات الإسلام السياسي في دول الربيع العربي، موضحاً أن هناك بلداناً إسلامية بالمعنى التقليدي وتكون الشريعة مصدراً للقوانين، في باكستان، وإيران، والعراق، يحظر سن تشريعات تتناقض مع الإسلام، في حين أدى صياغة دساتير جديدة بعد الإطاحة بحكام الربيع العربي، في ليبيا، ومصر، وتونس حدث نقاش حول دور الشريعة الإسلامية، وتابع كثيراً ما ينظر إلى الجماعات الإسلامية سواء من الناحية الشعبية أو السياسية باعتبارها تمثل تهديداً للحكومات القائمة، وهو ما ظهر في دول الربيع العربي التي نجّحت القوى الإسلامية طوال العقود في حشد شعبية هائلة استطاعت أن تملأ الفراغ السياسي الذي أحدثته الأنظمة الليبرالية.

18/2/2014