عقب محاولة التقارب مع الأردن.. جيران إيران العرب يريدون ضمانات

القاهرة: وكالة الصحافة العربية

على مدى عقود، وصفت العلاقات الأردنية - الإيرانية في أحسن الأحوال بأنها فاترة، لكن مع بدء اتصالات طهران أملاً في تحسين العلاقات الثنائية مع عمان، حرصت الأخيرة على التأكد أولاً من أنها لا تغضب حلفاءها في الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والبحرين، ومؤخراً زار عدد من المبعوثين الإيرانيين الأردن واجتمعوا مع كبار المسئولين الأردنيين، بعد قطيعة دائمة في عهد الرئيس الإيراني السابق (محمود أحمدي نجاد)، الذي امتنع عن تعيين سفير جديد.

تاريخياً، كانت العلاقات بين الأردن وإيران في عهد الشاه الراحل وثيقة للغاية، لكنها تدهورت بعد "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979، و تدهورت عندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق عام 1980، وتعد زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لفترة وجيزة يشير إلى تغيير محتمل، بعد صعود رئيس جديد في إيران (حسن روحاني)، الذي أرسل رسائل تصالحية لدول الخليج معرباً عن استعداده لرأب الصدع والتغلب على المشاكل مع الجيران، وكان توقيع اتفاق بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي المثير للجدل "للجمهورية الإسلامية" معلماً هاماً.

التقت رؤية البلدين في الأزمة السورية، والتي تقوم على إيجاد حل سياسي لوقف سفك الدماء والحفاظ على وحدة البلاد وشعبها، وأيضاً على أهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تماشياً مع حل الدولتين ومبادرة السلام العربية لعام 2002، وأيضاً حرص إيران على التنسيق مع الأردن حول القضايا الإقليمية والأمن.

د. إبراهيم كراوان مدير (مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية) قال: إن محاولة التقارب الايراني للمملكة الأردنية كانت قبل الانعقاد المقرر لمؤتمر جنيف الثاني الخاص بسوريا، ومع ذلك فإن هناك ملفات مشتركة بين البلدين، مثل الأزمة السورية وكيفية أن تلعب الأردن دوراً إيجابياً ووساطة فعَّالة في تبرير مشاركة إيران في جنيف الثاني لعلاقتها القوية من أمريكا، التسوية بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، وتفعيل جهود وساطة الأردن بين إيران وجيرانها الخليجيين، موضحاً أن العلاقات الثنائية يمكن أن تحسن فقط بين عمان وطهران، خاصة منذ أن تم تدعيم جهود الملك عبد الله لإنهاء الخلافات الطائفية من قبل إيران عام 2003، عندما كان الرئيس الأسبق محمد خاتمي في السلطة، حيث أرسلت طهران رجال الدين الشيعة الكبار للمشاركة في مؤتمر إسلامي في عمان، ولعودة الوئام البعيد وصفت "الجمهورية الإسلامية" دائماً حكام الأردن بأنهم أحفاد النبي محمد، ومع ذلك منذ عام 2004 حذر الملك عبد الله من الهلال الشيعي على المنطقة من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، مؤكداً أن إيران خلال الفترة القادمة مستعدة لتزويد الأردن النفط مجاناً والطاقة على مدى السنوات الـ(30) المقبلة، في مقابل سلع أخرى والسماح للسياحة الدينية الشيعية بزيارة الأردن، لكن عمان رفضت العرض الإيراني الذي من شأنه أن يسمح بتدفق عشرات الآلاف من الإيرانيين لزيارة المراقد الإسلامية التي تعتبر مقدسة لدى الشيعة.

وفي رأي د. بهجت قرني أستاذ العلوم السياسية بـ(الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، أن العلاقات الأردنية الإيرانية مازالت متباينة في كثير من المواقف السياسية والاستراتيجية بين البلدين، فعمان حليف رئيسي في المنطقة مع أمريكا، كما أنها تمتلك معاهدات رسمية مع "إسرائيل"، بينما إيران رغم توقيع اتفاق تاريخي مع الغرب بسبب برنامجها النووي، إلا أنها على تصادم دائم و"عداء مع إسرائيل"، فضلاً عن أنها تدعم حركة "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية، أما الأردن فإنها تعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ولذلك فإن التباين والاختلاف السياسي والديني بين البلدين يشكل جزءاً هاماً وتاريخياً من ثقافة الدولتين، ولن يستطيع كل طرف أن يغير سياسيات واستراتيجيات الآخر من إقامة علاقات ثنائية غير دائمة، موضحاً أن الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات غالباً ما تقابل بعقبات غير متوقعة، على سبيل المثال عندما أدلى الجنرال محمد رضا نقدي قائد قوات (الباسيج) بتصريحات بعد بضعة أيام فقط من مغادرة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف (عمان) "إن بلاده ستحشد قوات "الباسيج" (الأفراد المتطوعين) في الأردن ومصر للقتال ضد إسرائيل"، وهو ما وضع المملكة الأردنية الهاشمية في حرج أمام الدول العربية، ومثل هذه التصريحات من شأنها الإضرار بالعلاقات الثنائية المرتقبة بين البلدين، وأيضاً تؤثر بالسلب على علاقات عمان مع دول الخليج، وخاصةً الرياض، خوفاً من المد الفارسي في المنطقة، وتطالب بضمانات حقيقية قبل حدوث أي تقارب إيراني مع الجيران العرب.

ويضيف د. محمد السعيد إدريس رئيس (وحدة دراسات الخليج بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، أن الأردن يجب عليها أن تقيم علاقة متوازنة مع كل من إيران وتركيا، نظراً لأن هذين البلدين يلعبان دوراً سياسياً رئيسياً في المنطقة، وتحديداً في العراق وسوريا، كما يجب على العرب حل المشاكل المعقدة مع إيران عن طريق الحوار، بدلاً من التجاهل والتخوف غير المبرر، نظراً لأن "الجمهورية الإسلامية" يقف على رأسها رئيس معتدل (حسن روحاني) يرحب بمزيد من التعاون مع جيران بلاده من العرب، مؤكداً أنه ليس واضحاً بعد ما إذا العلاقات بين عمان وطهران ستشهد تحسناً في أي وقت قريب، أو ستكون هناك إشارة للأردن لتعيين سفير جديد "للجمهورية الاسلامية"، كون الآراء السياسية والرأي العام لا تزال منقسمة على إيران، كونها أحد داعمي المليشيات المسلحة داخل سوريا، فضلاً عن دعمها لـ"حزب الله" اللبناني، وبعض الجماعات المتطرفة في العراق، ورغم أن طهران اعتمدت مبادئ جنيف العامة كعلامة على دعمها لوجود عملية انتقالية سياسية في سوريا، لكنها أيضاً دعمت مبادرات علنية في الأردن ومصر ما يمكن اعتباره محاولات مستمرة لتوسيع نفوذها في المنطقة، وهذا هو بيت القصيد أن إيران لا تقيم علاقات جديدة إلا ويكون وراءها مصالح سياسية، أو بالأخرى مصالح شيعية في المنطقة لتضييق الخناق على السعودية، التي ترفض وتواجه أي تقارب إيراني عربي، لأنه يصب في تقليل نفوذها في المنطقة.

أما د. سعيد اللاوندي أستاذ العلاقات الدولية بـ(جامعة القاهرة)، فمن وجهة نظره أن طهران تسعى لزيادة وتفعيل علاقات دبلوماسية وتجارية مع الأردن، خاصةً وأنه منذ أسابيع قليلة قررت الحكومة الأردنية خفض الدعم على الوقود، وهو ما أثار احتجاجات شعبية في بعض الأحيان، ولذلك فإن عمان تريد أيضاً تدعيم علاقتها مع طهران بضخ النفط، نظراً لأن الوضع الاقتصادي في الأردن قد تفاقم بسبب فقدان الدعم المالي من دول الخليج الغنية بالنفط، وإيران تعتمد بالدرجة الأولى على استغلال ظروف الأردن الاقتصادية، بالإضافة إلى أن عودة العلاقات الثنائية ولو بشكل تدريجي بين عمان وطهران، يساعد في مواجهة العدو المشترك "إسرائيل" التي تحاول الهيمنة والسيطرة على المنطقة، بعد إطلاق مشروع "الوطن البديل"، وهي "نظرية المؤامرة الإسرائيلية" التي تدعمها الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية في الأردن (حوالي 70 في المائة من سكانها لاجئون فلسطينيون)، وأعتقد أن هذا المشروع حل للأزمة الفلسطينية من وجهة نظر واشنطن و"تل أبيب"، وبالتالي تعتقد الأردن أنه لن يقف أمام هذا المخطط الغربي سوى إيران.

وفي سياق متصل أشار د. مصطفي علوي أستاذ العلوم السياسية بـ(جامعة القاهرة)، إلى أن المخاوف العربية تتجسد في الطموحات الفارسية التي تهدد الأمن القومي العربي، نظراً لوجود محاولات إيرانية لتوسيع نفوذها في المنطقة بما في ذلك في قطاع غزة، ولذلك رأت أن الدخول إلى هذه البوابة يبدأ من الأردن، فضلاً عن أنها تريد أن تثبت أن الصراع مع "إسرائيل" يمكن أن يتجاوز الحواجز، حيث "الجمهورية الإسلامية" لا تتردد في تقديم الدعم المالي والعسكري لحركات المقاومة الفلسطينية السنية "حماس" في معركتهم مع العدو المشترك، موضحاً أن جيران إيران العرب على قلق عميق إزاء برنامج طهران النووي، وترغب قبل الدخول في تطبيع علاقات عربية إيرانية وضع ضمانات حقيقية بأن اتفاق طهران مع القوى العالمية سيكون لتعزيز الأمن الإقليمي وليس تخويف الأنظمة العربية، كما أن دول الخليج على يقين من أن الاتفاق الأردني لن يكون على حساب أمن أي عضو من أعضاء دول التعاون الخليجي، نظراً لأن الأردن على وفاق وعلاقة متينة بجميع دول الخليح، فبعد الاضطرابات التي شهدتها البحرين عام 2011، حيث طالت اتهامات ضد إيران الشيعية بإذكاء الاضطرابات لزعزعة استقرار دول الخليح، أيضاً المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ليس لديهم ثقة في إيران، ويريدون ضمانات حقيقية قبل تطبيع العلاقات مع الجمهورية الفارسية.

2/2/2014