ما وراء تعميق الاستقطاب بين الإسلاميين والعَلمانيين في مصر؟
القاهرة: وكالة الصحافة العربية من - محمد إبراهيم
مع مرور
الأيام تزايدت فجوة تعميق الاستقطاب بين الإسلاميين والعَلمانيين في مصر، وهو ما
يرسي الأساس لمواجهة سياسية متواصلة وفاترة، مع مزيد من الاضطرابات السياسية
والأمنية، خاصةً وأن كل فريق يحاول اكتساب أرضية جديدة أو دعم خارجي من أجل مواصلة
النضال ضد الآخر، وكل طرف يرى في نفسه أنه يمثل الشعب والشرعية.
الاستقطاب في مصر واحد من التحديات الكبرى التي يواجهها النظام المؤقت ضد الولايات المتحدة الأمريكية، كونها أحد أقوى الأطراف الدولية التي مازالت تحاول استقطاب حلفاء جدد لدعم الإسلاميين في مصر، خاصةً بعد أن أصبحت غير فاعلة وبدون تأثير في السياسية الداخلية المصرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، وهناك وجهة نظر مشتركة بين المعارضة الليبرالية والنظام المؤقت تجاه الاستقطاب الأمريكي غير المباشر الذي ترعاه دول إقليمية وفق ضوء أخضر من البيت الأبيض، ويرون أن أمريكا "ساذجة" حول كيفية تطبيق "سياسة الديمقراطية" في "الشرق الأوسط" وفقاً لمفهومها المزدوج، وفي الواقع يجب على الإدارة الأمريكية إعادة تقييم سياساتها تجاه مصر، مع الأخذ في الاعتبار اتجاه الأفق البعيد والمستقبل الغامض الذي ينتظرها بعد دعمها المطلق للإخوان المسلمين، وأنها من غير المحتمل أن تصل إلى أهدافها مع القوى الليبرالية في حال وصلت إلى الحكم، بطريق مباشر أو بدعم لأحد المرشحين البارزين في الاستحقاق الرئاسي القادم.
د. مصطفى اللباد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال: بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين من الحكم رأينا تتويجاً لأشهر طويلة من الاضطراب والتوتر، وهناك استقطاب متزايد مع عدد أكبر من الدول الخارجية، منها ما يرحب بالنظام السياسي المؤقت، ومنها من يرى أنها حكومة اغتصبت السلطة من القادة المنتخبين شرعياً، وكل طرف سواء من النظام المؤقت أو الإخوان يحاول اللعب بأوراقه للطعن في شرعية بقاء الآخر، ولكن القلق الاستراتيجي يرمي إلى أن المسار السياسي في مصر سيكون غير متوافق مع المسار الاقتصادي المنشود، وأن هذا البلد الذي يعاني من اضطرابات داخلية لا يمكنها أن تجتذب استثمارات أجنبية أو جذب الملايين من السياح كل عام، بسبب عنف الإخوان المتزايد ورغبة الجماعة في إفشال خارطة الطريق، موضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو وهي حليف رئيسي لمصر منذ عام 1978، تحاول إعادة تقييم علاقاتها في ضوء التطورات الأخيرة، للضغط على الحكومة المصرية من أجل تخفيف الضغط الأمني على جماعة الإخوان المسلمين، بحجة أن القبضة الأمنية قد تصنع استقطاباً بين القوى الإسلامية والعلمانية، فالأولى تتاجر بدم شهدائها ولا تتوانى في طلب التدخل الخارجي ضد النظام المؤقت من أجل مباركة العالم الدولي وعودتهم إلى السلطة، أما القوى العَلمانية فإنها ترغب في التمسك بأطراف خارطة الطريق، وتحاول تمريرها بنجاح من أجل السلطة وكسب دعم القوات المسلحة نحو هذا الطريق.
ومن جانبه أضاف د. جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الإخوان والقوى الإسلامية المتحالفة معها نجحوا في استمالة الموقف الأمريكي والدولي لصالحهم بعد عزل مرسي مباشرة، وقام بهذا الدور دول إقليمية، وهذه الدول رغبت في ضخ مزيد من الاستقطاب الدولي تجاه الإخوان المسلمين للضغط على الحكومة المصرية من أجل "عودة الشرعية" أو على الأقل تخفيف الهجمة الأمنية على قيادات الإخوان، وتابع في نفس الوقت تحاول القوى الليبرالية أو العَلمانية بالتنسيق مع الحشد الجماهيري والنظام المؤقت إعادة تقييم العلاقات المصرية الأمريكية في ضوء الموقف الحالي والمصالح المشتركة.. كما أن رفض البيت الأبيض السماح لوزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالنزول إلى السباق الرئاسي أحدث شرخاً جديداً في علاقة البلدين بما يلقي مجدداً باستقطابات متوقعة نتيجة هذه الرغبة، لافتاً إلى أن واشنطن تخشى من إعادة تقييم علاقتها مع مصر، ليس فقط بسبب ما حدث من جنرالات المؤسسة العسكرية وعدم انصياعهم لبقاء مرسي والابتعاد عن السياسة، وإنما لتخوفها من توجية البوصلة المصرية نحو روسيا، الأمر الذي يضعف النفوذ الأمريكي في "الشرق الأوسط" ويقوي من النفوذ الروسي، لا سيما وأن المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر لمدة خمسة وثلاثين عاماً أصبح ينظر اليها وكأنها حق من حقوق المصريين، حيث بدأ يشعر كل جانب بالاستياء من أفعال الطرف الآخر، وهو الأمر الذي لم يسهم في وجود علاقة قوية مثل التي كانت قائمة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. مؤكداً أنه لم يكن هناك الكثير من الدعم سواء من الجمهور المصري أو النظام المؤقت لقيام علاقات ثنائية وثيقة قائمة على التبعية نحو واشنطن، والآن بعد خمسة وثلاثين عاماً من علاقات البلدين مازال كل طرف يحاول توسيع وتعميق وتعزيز العلاقات الثنائية، ولكن بشروط كل طرف وحسب المصلحة الراهنة، نظراً لأن واشنطن والقاهرة كلاً منهما لا يمكنه الاستغناء عن الآخر في المنطقة أو العالم.
أما د. محمد السعيد إدريس الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيرى أن ما ينبغي أن تكون عليه السياسية المصرية في المدى القريب، هو تغيير تصرفات القيادة العسكرية نحو الديمقراطية التي يرغبها المصريون، ومحاولة إرسال رسالة إلى دول أخرى في "الشرق الأوسط" والعالم الخارجي، أن الجيش غير طامع في السلطة، لأن المخاطر الدولية قائمة في حال ترشح الفريق السيسي للسباق الرئاسي، ووقتها سيجد مناهضو هذا الفريق من القوى الإسلامية الفرصة مواتية لخلق حالة من الاستقطاب الداخلي والخارجي نحو ترشح السيسي، ولذلك لابد من اتخاذ مجموعة أخرى من السياسات لإزالة الاستقطاب بين القوى الاسلامية والعَلمانية، ومحاولة الخروج بتوافقات جديده ترمي نحو هذا الاتجاه، لإعادة التوازن ومعرفة ما ينبغي أن تكون علية السياسة المصرية، ففي الوقت الذي يقول فيه بعض الناس أن تكون القضية الأكثر إلحاحاً هي الحفاظ على "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، التي منعت حربا أخرى في "الشرق الأوسط"، موضحاً "أن الجيش المصري يرحب بوجود علاقة استراتيجية مع إسرائيل، لكن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً مناهضاً في هذه العلاقة، خاصةً وأنها طلبت من المصريين المشاركة في الحرب على الجهاديين في سيناء، ولكن جنرالات الجيش رفضوا هذا الأمر بصورة قاطعة، وقد لعبت واشنطن دوراً باستمرار لإعاقة هذا العمل العسكري في سيناء، ومع ذلك لم تكن قادرة على القيام بذلك لأنها ترتبط بعلاقات فاعلة مع كلا الطرفين، وفشلت في بناء استقطاب دولي بقيادة إسرائيل لعرقلة حرب الجيش المصري على المجاهدين وقوى الإسلام المتطرف داخل سيناء."
ويرى د. عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن فشل أمريكا في استقطاب قوى دولية ضد النظام المؤقت جعلها من السذاجة في الأساس حول كيفية تطبيق السياسة في "الشرق الأوسط"، ومعظم الناس يعتقدون أن واشنطن تخلت عن الرئيس الأسبق حسني مبارك في وقت مبكر جداً من ثورة يناير، كما أن الناس يعتقدون أن واشنطن كانت ساذجة حول نوايا جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية عاجزة عن فهم الحاجة إلى قيادة قوية، بدلاً من القيادة الحالية التي مزقت "الشرق الأوسط"، فمثلاً يمكن للجميع مشاهدة الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع إيران وغيرها من التحديات في المنطقة، سواء في سوريا أو العراق، وهذا يقلل من تأثير واشنطن في المنطقة، مؤكداً أنه في المقابل نجد دولا إقليمية تحاول بناء استقطاب مع القوى الإقليمية بالتنسيق مع القوى الليبرالية المصرية لصعود الجنرال السيسي إلى منصب رئيس مصر، ولا عجب في أنه بعد أسبوع من الإطاحة بالإخوان كانت هناك 12 مليار دولار مقدمة من الكويت والمملكة السعودية، والإمارات العربية المتحدة، لإنقاذ الاقتصاد المصري المنهار وقتها، وهو الأمر الذي جعل جهود الولايات المتحدة في التأثير على المصريين بطريقة اقتصادية أكثر صعوبة، فضلاً عن أن الشعب المصري بعد تأكده من دعم الأمريكان لجماعة الإخوان المسلمين، أصبحوا لا يثقون في إمكانية دعم ونوايا الإدارة الأمريكية تجاه ثورة 30 يونيو.
وفي السياق ذاته أشار د. محمد جمال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أنه عندما كان لدينا احتجاجات واسعة النطاق للإطاحة بالرئيس مرسي، ظهرت قوى إسلامية تؤكد أن التظاهرات كانت بتحريض من الجيش، أو كان ذلك بتحريض من القوى العَلمانية والتقطها الجيش لعزل مرسي، وهذه الأقاويل خلقت رأي عام دولي مساند لهذا التفسير، مما خلق استقطاباً دولياً بقيادة حلفاء الإخوان في المنطقة للتأثير على الحكومة المؤقتة لإفشال خارطة الطريق، موضحاً أن الجيش لديه مكانة مرموقة في مصر، باعتباره مؤسسة مرموقة ومتماسكة، وعندما ينحاز الجيش نحو اتجاه معين، تكون هناك غريزة قوية بين الجمهور لتقديم الدعم له ومساندته في تحركاته، لثقة المصريين العمياء في هذه المؤسسة، ولذلك لا عجب في ظهور استقطاب ليبرالي ضد جماعة الإخوان المسلمين، رغبةً منهم في القضاء على هذه الجماعة المنظمة سياسياً وشعبياً، ومحاولة ملء الفراغ الذي ستحدثه بقوى ليبرالية جديدة على الساحة، وحتى لو كانت الإخوان تحظى بدعم 20 أو 30 في المائة من الشعب، لكن يبدو من غير المرجح أن تذهب بعيداً في مواجهة الدولة، وستقف عن هذا الحد في العنف والفوضى الحاصلة في البلاد، ولن يكون بمقدورها إعادة تصعيد المواقف العدائية مع الحكومة المؤقتة، لافتاً إلى أن الاستقطاب الشديد في البلاد من كافة القوى داخلياً وخارجياً، ساهم في وضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية، بسبب تحريض الدول المتحالفة مع الجماعة على استمرار العنف ونشر الفوضى، والخاسر بالطبع هي جماعة الإخوان، حيث لم تعد شريكاً شرعياً في أي تسوية سياسية في مصر.
29/1/2014