صراع السلطة يحدد ملامح الشرق الأوسط في 2014

القاهرة - وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

شهدت "منطقة الشرق الأوسط" صراعًا ثقيلًا على السلطة في العام الماضي، ولكن تأثيره يبقى ممتدا إلى العام الجديد 2014، ومازالت التطورات الرئيسية في البلدان التي لازال تتصارع مع آثار الربيع العربي، فهناك ثورة شعبية دعمها الجيش في مصر، اغتيالات في تونس، حرب أهلية في سوريا، ومع ذلك فإن المنطقة تشهد تطوراً إيجابياً، و"الشرق الأوسط" سيكون الرابح الأكبر على المدى الطويل من الحركات الثورية والشعبية التي بدأت في عام 2011، من المحتمل أن تكون هناك نتائج متأخرة لتحقيق الديمقراطية أكثر من أيّ وقت مضى.

مصر.. عودة الحرس القديم

تظل مصر تتخوف من عودة الحرس القديم الموالي للرئيس الأسبق حسني مبارك بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، على إثر ثورة شعبية خرجت في 30 يونيو العام الماضي لإسقاط الحكم الإخواني، وأيَّدها الجيش وانحاز للشعب، وخلال محاكمته يبدو على مرسي الغضب، يقف منتصباً في القفص، ويصرخ في القاضي بصوت جهوري "لا يوجد لديك الحق في توجيه الإدانة لي، وأنا رئيسكم، وسوف تندمون"، وكان الرئيس المعزول قد توجه للمحاكمة في الرابع من نوفمبر الماضي بتهمة التآمر على قتل المتظاهرين، والتخابر مع جهات أجنبية، ويواجه السجن مدى الحياة أو عقوبة الإعدام. لمدة عام فقط شغل منصب رئيس البلاد المنتخب ديمقراطياً، والآن يحاكم كمجرم متهم بالقتل، وبالطبع هو الخاسر الأكبر سياسياً في المنطقة بعد عزله في يوليو 2013 بعد أن وضع الجيش المصري نهاية لحكم مرسي بعد فترة وجيزة من اعتلائه السلطة بعد تظاهرات حاشدة.

د. مصطفى اللباد مدير (مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية) قال، إن مصر تمر بمنعطف تاريخي فاصل في "الشرق الأوسط" في عام 2014 خاصةً وأن هناك مؤشرات تؤكد على عودة النظام السياسي القديم الموالي للرئيس الأسبق حسني مبارك إلى السلطة التشريعية، بينما الإخوان المسلمون بعد إدراجها كمنظمة إرهابية أصبحت تعاني من الوهن السياسي والتشتت الشعبي، وفي الواقع فإن المنصب الرئاسي في مصر يواجه الكثير من الصراعات سواء بين الجنرالات العسكريين أو المدنيين لاعتلاء هذا المنصب الرفيع، فمثلاً هناك حملات شعبية تطالب بترشيح وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، خاصةً وأن الشعب بعد تجربة الرئيس المدني أصبح غير راغب في العودة إلى هذه التجربة مجدداً، وصعود السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية قد يشكل تحولاً جديداً في "الشرق الأوسط" في العام الجديد، لافتاً إلى أن الإخوان المسلمين التي كانت حتى قبل بضعة أشهر تجلس في القصر الجمهوري، مع أغلبية برلمانية، بينما هى الآن جماعة إرهابية وقد تم القبض على جميع قادة المنظمة، والكثير من مؤيديهم بسبب الفوضى والعنف الذي تمارسه.

ومن جانبه أكد د. سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بـ(مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، أن الحكومة المصرية تحاول اتخاذ إجراءات حاسمة للغاية لتدمير جماعة الإخوان المسلمين، بعد الإرهاب الممنهج والعنف المتواصل من الجماعة، وتعاونها غير المحدود مع منظمات وجهات دولية لزعزعة استقرار البلاد، وإفشال خريطة الطريق الموضوعة لإعادة بناء الدولة، مؤكداً أن رئيس مصر القادم سيكون عسكرياً، ومن المحتمل أن يكون وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، هو العين القادمة نحو الشعب المصري، على الرغم من أن العديد من المراقبين شكك في هذه النقطة، بسبب تأكيد الجيش المصري مراراً بأنه لا يطمع أو يرغب بالبقاء في السلطة، إلا أن الضغط الشعبي والسياسي كفيلان بتنصيب السيسي رئيساً للبلاد وباكتساح شعبي في الاستحقاق الرئاسي، لافتاً إلى أن الانتهاء من الدستور الجديد والتصويت عليه في منتصف يناير الماضي، والتي سوف يعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية، يؤكد أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق خريطة الطريق، وقيام نظام سياسي جديد في عام 2014، وحتى ذلك الحين فإن المستشار عدلي منصور، الذي عيَّنه الجيش المصري رئيساً للبلاد بعد عزل مرسي يريد الانتهاء سريعاً من الاستمرار في حكم البلاد.

تونس: تصلب الجبهات

بدأ "الربيع العربي" في عام 2011 في تونس وتبعتها الدول العربية، حيث جلبت الانتخابات الأولى "حزب النهضة الإسلامي" إلى السلطة، ويبدو أن قادة الحزب ارتعدت فرائصهم من التطورات السياسية في مصر، نظراً لأن مصير الإخوان المسلمين كان يمثل كابوساً للإسلاميين التونسيين، كونهم يدركون أن تماماً أن المتظاهرين على استعداد لإسقاط الحكومة مرة أخرى.

د. طارق فهمي مدير (المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط) قال: إن تونس رائدة الثورات العربية في المنطقة بأسرها، ففي الوقت الذي كانت مثالاً للانتقال السلمي للسطلة وعدم البقاء تحت قيادة المجلس العسكري كثيراً مقارنةً بمصر، إلا أن البلاد تواجه نصيبها من المشاكل التي أحدثها التيار الإسلامي الحاكم (النهضة)، وخابت توقعات وتطلعات الشعب في هذا الحزب الحاكم بسبب تصلب الجبهات وعدم التنازل قليلاً، حيث تخوَّفوا جميعاً من مصير إخوان مصر، أو خروج المتظاهرين ضد القادة التونسيين لإسقاطهم، موضحاً أن أواخر يوليو عام 2013، بعد اغتيال المعارض اليساري محمد برهامي، كانت نقطة فاصلة بلا عودة بين "حكم النهضة الإسلامي" وبين القوى السياسية والشعبية، حيث تبادل الاتهامات أعضاء من "حزب النهضة" الراديكالي، وأحزاب المعارضة في تونس، لكن حشد موت برهامي عشرات الآلاف من التونسيين للنزول إلى الشوارع احتجاجاً على ذلك، وللمطالبة بإسقاط الحكم، وخوفاً من تصاعد الاحتجاجات تم التوافق على الإطاحة بحكومة علي العريض، وقيام حوار وطني جاد لتحقيق خريطة طريق تتمثل في دستور جديد للبلاد وانتخابات برلمانية ورئاسية، وهو ما يعني قيام نظام سياسي جديد في تونس عام 2014، ومن أجل تجنب تصعيد الاحتجاجات، فإن "حزب النهضة" وافق في نهاية المطاف على التنحي فور كتابة الدستور لإنجاز المرحلة الانتقالية بحكومة محايدة.

ليبيا: حكومة عاجزة

قد تنحدر ليبيا أعمق وأعمق في الفوضى في عام 2014، فالحكومة المركزية التي هي مصدر السلطة تمتد بالكاد خارج حدود العاصمة (طرابلس)، وتقف عند حدود باقي المحافظات بسبب الميليشيات التي تسيطر على بقية البلاد، وتظل القوى الإقليمية وممثلين عن الأيديولوجيات المتباينة في نضالهم من أجل السلطة.

وأكد د. محمد السعيد إدريس رئيس وحدة الشؤون العربية بـ(مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، أن ليبيا تعاني حرباً أهلية بين مختلف القبائل والمناطق، ورئيس الوزراء المؤقت علي زيدان يرأس حكومة مع القليل من القوة، ولا يستطيع أن يمد نفوذه إلى خارج العاصمة طرابلس خوفاً من وقوع مواجهات مع الميليشيات المسلحة، التي ترفض تسليم أسلحتها أو إدراجها تحت سلطة الدولة، ولذلك فإنها فرضت سلطتها على بعض المحافظات وأعلنت عن حكم ذاتي مستقل بعيداً عن الدولة، وبالتالي تظل الحكومة المركزية عاجزة ضد الميليشيات، كما اعترف رئيس الوزراء المؤقت، الذي تم اختطافه لعدة ساعات في أكتوبر الماضي من قبل واحدة من هذه الميليشيات، ورغم وجود برلمان منتخب ديمقراطياً في صيف 2012، إلا أنه يواجه انتقادات واسعة النطاق ولم يفعل شيئاً يذكر لمعالجة مشاكل البلاد، موضحاً أن فترة زيدان المؤقتة تنتهي في فبراير 2014، ولم يستكمل حتى الآن مهمته في تشكيل لجنة دستورية من 60 شخصاً لوضع دستور جديد للبلاد، ومع ذلك فإن انتهاء فترته الدستورية تؤكد أن ليبيا في 2014 ستظل بوضعها الحالي مع تغيير منطقي في السلطة في العام الجديد، قد تكون أشد شدة وحنكة سياسية مع دولة الميليشيات، ووقتها يمكن أن تحدث الدولة النفطية تأثيراً في ملامح خريطة "الشرق الأوسط" في العام الجديد.

سوريا: بين بقاء الأسد ورحيله

الرئيس السوري بشار الأسد يجلس مرة أخرى بقوة في السرج منتشياً بزهوة الانتصار النسبي، واستعادة عدد من معاقل المتمردين، حيث فرض الجيش النظامي سيطرته ونفوذه على ما يصل إلى نحو 80 في المائة من الأراضي مرة أخرى، حيث كان عام 2013 جيداً بالنسبة إلى الأسد وقواته المسلحة.

وفي ذلك أشار د. عمرو الشلقاني أستاذ العلوم السياسية بـ(الجامعة الأمريكية) بالقاهرة، إلى أنه من الناحية السياسية مازال الأسد منهزماً من قبل المجتمع الدولي الذي يفرض عليه التفاوض مع المعارضة والقوى المتمردة داخل دولته، وهو ما حدث في مؤتمر جنيف الثاني، بينما من الناحية العسكرية فإن الأسد حقق الكثير من الضربات الناجحة، حيث استطاع مع حلفائه تهديد معاقل المتمردين وإغلاق منافذ الدعم العسكري "للجيش السوري الحر"، حتى خرج من المعادلة المسلحة نسبياً، ولم يتبق سوى أفرع تنظيم "القاعدة" والتي يمثلها "جبهة النصرة" و"دولة العراق والشام الإسلامية"، وهؤلاء يعرفون جيداً القتال المحترف، ومتى يظهرون ومتى يختفون عن المشهد، ويجيدون المراوغة وفن قتال الشوارع، موضحاً أنه لا غنى عن أولئك الذين يسعون إلى "معاهدة سلام" في البلاد ووقف إطلاق النار، صفقة تدمير ترسانات الأسلحة الكيماوية السورية، وعلاوة على ذلك، بعد التذبذب من عام 2013 من قبل أمريكا، يبدو واضحاً أنه لن يكون هناك حملة عسكرية ضد البلاد من الخارج، والأمريكيون ليس عندهم الجرأة على محاولة التلويح بالحرب مجدداً بعد التقرب لإيران وعقد اتفاق تاريخي معها، لكن يظل التخوف من ترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، وخاصةً أن ولايته الرئاسية الحالية تنتهي في يونيو 2014، ويرغب في الترشح لولاية أخرى، وهناك تقارير تفيد باحتمال تأجيل الانتخابات بسبب الأوضاع الراهنة، وعدم سيطرة الدولة على كثير من مناطق النزاع، مع وجود ملايين المهاجرين والنازحين حول العالم، وعدم وجود سفارات سورية، وهذا الأمر يؤكد أنه حتى مع إعلان قيام الانتخابات أو تأجيلها في سوريا فإن عام 2014 يحمل ملامح متباينة في الشأن السوري، وفي الوقت نفسه، المعارضة في سوريا منقسمة أكثر من أيّ وقت مضى، وفي بعض الحالات هناك مجموعات تقاتل الآن ضد بعضها البعض على مدار السنة، وكثيراً منها قد نمت بشكل أكثر تطرفاً.

3/2/2014