العلاقات بين مصر وأمريكا.. موازنة المصالح والقبول بالأمر الواقع

القاهرة: وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

إشارات متضاربة تلك التي ظلت تبعثها الولايات المتحدة الأمريكية للتعبير عن مواقفها تجاه حلفائها، ففي حين مارست ضغوطاً على مصر بقطع برنامج المعونة الاقتصادية والعسكرية في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي، سارعت باستدراك الخطأ الذي وقعت فيه بعد زيارة المشير عبد الفتاح السيسي إلى موسكو، وبدأت جاهدة في استعادة علاقاتها مع مصر والحفاظ على موقعها في الشرق الأوسط بعد أن توغلت منافستها التقليدية روسيا إلى المنطقة. ورغم ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية إلا أن تغليب المصالح أو التعايش مع سياسة الأمر الواقع هما سببان رئيسيان في إعادة تقييم مواقفها تجاه مصر.

وربط خبراء سياسيون مصريون بين زيارة وفد الكونغرس الأمريكي للقاهرة مؤخراً، ولقائه بالرئيس عدلي منصور والمشير عبد الفتاح السيسي، بجانب إعلان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي عن رغبته في لقاء السيسي في أقرب وقت ممكن، لاحتواء أي تصدع في العلاقات المصرية الأمريكية، خاصةً بعد زيارة السيسي الأخيرة إلى روسيا.

وفي رأي د. محمد شوقي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ازدواجية المواقف الأمريكية تعد هي العامل الرئيسي في تخبط مصالح أمريكا في "الشرق الأوسط"، والحفاظ عليها في نفس الوقت خوفاً من أن تتحوّل الدول العربية إلى منافستها التقليدية على زعامة العالم (روسيا).

ويضيف: رغم أن البيت الأبيض يتحدث دوماً عن مساندة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، إلا أن جميع مواقفه منذ بداية الربيع العربي تبدو متناقضة، للحفاظ على المصالح وعدم ترك أي مجال لتوغل موسكو، كما أن لعبة المصالح تقف حائلاً بين إدانة أمريكا للأعمال التخريبية التي تنفذها جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد أن أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، موضحاً أن جزءاً من المشكلة الأمريكية في مواقفها يكمن في سوء الفهم، من خلال ساسة رحبوا بأن مصر تمر نحو الانتقال إلى الديمقراطية بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011، حيث ساندت جماعة الإخوان المسلمين بحجة "الديمقراطية"، وتناست أن ألمانيا أعطت انتخابات حرة أدت إلى فوز النازيين عام 1932، وأيضاً الملالي في إيران عام 1979، أو حماس في غزة عام 2006، وبالتالي فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تساند الإدارة الأمريكية المعسكر الإسلامي بزعامة الإخوان المسلمين، لأنها رأت أن مصالحها تصب في هذا الاتجاه، لافتاً إلى أنها رفضت دعم المعسكر الليبرالي المؤيد بقوة لإطاحة المؤسسة العسكرية للإخوان، كونها في الأساس منظمة مناهضة للديمقراطية، وحتى الآن مازال سوء الفهم الأمريكي في الاعتراف بحقيقة ما جرى في 3 يوليو أدى إلى اتجاه الإدارة المصرية المؤقتة إلى روسيا رغبة في الدعم الدولي ومحاولة إيجاد حليف قديم قادر على مواجهة الغرب.

وفي ذات السياق تؤكد د. ريهام باهي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعملان على محاولة تصيّد أخطاء السلطة، وكون أوباما ينتمي إلى الحزب الديمقراطي فإن الجمهوريين لا يتركون مناسبة أو حدثاً سياسياً إلا ويعارضون مواقف الإدارة، ويلقون بالاتهامات لتوضيح نقاط الضعف حول اتخاذ القرارات السياسية في الداخل والخارج، وتابعت: إن الإدارة الأمريكية الحالية تواجه اتهامات كثيرة بأنها دعمت قوى التطرف (جماعة الإخوان المسلمين) المناهضة في عقيدتها وأيديولوجيتها الفكرية للولايات المتحدة، مؤكدة أن أوباما أخطأ في دعم الإخوان للوصول إلى السلطة، اعتقاداً منه أنها قادرة على الحفاظ على مصالح أمريكا في "الشرق الأوسط"، وتشير إلى أن واشنطن لديها مصالح استراتيجية كبرى في مصر باعتبارها قائدة العالم العربي، ولذلك لا يمكن التردد في حسم حاجة أمريكا إلى مصر كدولة مستقرة في منطقة مضطربة، وبدون مصر لا يوجد معسكر عربي موالي للبيت الأبيض، بل سيكون هناك تعقيدات أصعب بكثير لتعزيز مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، أو بناء تحالفات عربية خلال المستقبل، وأوضحت أن الحفاظ على السلام بين مصر و"إسرائيل" هو حجر الأساس في الاستقرار والحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة بجانب تعزيز التعاون العسكري مع مصر، ومرور المعدات والسفن البحرية عبر قناة السويس، وبالتالي لا يمكن لأي دولة عربية أن تحل أو تلعب الدور المحوري لمصر مع الولايات المتحدة، ومن هنا لابد أن تراجع واشنطن مواقفها نحو القاهرة.

وفي رأي د. نفادي عبد الجواد خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن زيارة السيسي إلى موسكو كانت بمثابة قرع جرس الإنذار لواشنطن، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية أخطأت في حساباتها تجاه مصر، فمنذ اندلاع الثورة في 2011م أيقنت أن تخليها السريع عن مبارك وضعها في الجانب الخاطئ من التاريخ، وأخطأت للمرة الثانية حين أقبلت على دعم جماعة الإخوان المسلمين، حتى بعد أن أصبح واضحاً مدى معاداة الجماعة للديمقراطية، ولم تتراجع وجاءت الفرصة لتصحيح مواقفها في التغييرات التي حدثت في 3 يوليو لكنها رفضت الاعتراف بها وقررت تعليق تسليم المساعدات المالية (1.5 مليار دولار)، وتجميد صفقة طائرات (F-16) وقطع برنامج التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين، في حين أنه كان من المفترض القبول - بصورة متزامنة - تصرفات النظام المؤقت أملاً في الحفاظ على العلاقة الأساسية وتجنب مخاطر التصدع، لافتاً إلى أن واشنطن تجد نفسها الآن بعيدة تماماً عن ممارسة أي نفوذ على القاهرة، بل سعت إلى استعداء النظام المؤقت، وتخاطر بكل مصالحها في المنطقة من أجل جماعة الإخوان المسلمين، خاصةً وأن البيت الأبيض كان لديه قناعة بأن تجميد المعونات الاقتصادية عن القاهرة كفيل بأن يجعلها تركع أمام المطالب الأمريكية، مؤكداً أن الدولة المصرية استطاعت فتح قنوات بديلة وتجاوز ضغوط واشنطن؛ فالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة سارعوا بالفعل لملء الفراغ الدبلوماسي وإنقاذ الاقتصاد المصري من التدهور، وفي نهاية المطاف ذهبت مصر إلى روسيا للبحث عن استقدام أسلحة دون أي شروط، وهو ما أدى إلى كابوس مستمر عند واشنطن، وأوضح أن وفد الكونغرس الذي التقى الرئيس عدلي منصور والمشير السيسي مؤخراً يحاول ترميم الصدع مع القاهرة، ومحاولة إعطاء الأولوية لدعم النظام المؤقت بلا تحفظ، وإذا يمكن لأمريكا أن تصبح حليفاً استراتيجياً للنظام السعودي، فيجب عليها دعم النظام المصري الحالي أيضاً.

بينما يرى د. إبراهيم البيومي أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أمريكا كانت تريد أن تجعل من مصر دولة إسلامية متطرفة، تتحوّل إلى دولة فاشية تسودها الفوضى والراديكالية، وبغض النظر عن التطورات السياسية بعد سقوط مرسي، فإن آفاق مصر نحو الديمقراطية ستأخذ فترة طويلة قادمة، حتى وإن نزل الملايين من المصريين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والديمقراطية، لكن الدولة تفتقر إلى الشروط الضرورية لتحقيق ذلك، والجميع يأمل أولاً في عودة الأمن وتطبيق العدالة الاجتماعية، والعودة لاستكمال الحكم العسكري في صورة المشير عبد الفتاح السيسي، خاصةً وأن الرجل يمتلك شعبية هائلة تمكنه من اكتساح جميع المنافسين نحو المنصب الرئاسي، منوهاً إلى أن المستقبل يؤكد أن هناك تشجيعاً أمريكياً حذر نحو دعم السيسي لقيادة مصر، خاصةً وأنها لن تترك روسيا تسير في هذا الاتجاه بمفردها، وفي الواقع الجيش سيواصل لعب دوره المركزي في السياسة المصرية، وسواء وافقت واشنطن على ذلك أو رفضت فإنها لن تستطيع منع ذلك، نظراً لأن المصريين يرحبون بتواجد المؤسسة العسكرية في جميع مؤسسات الدولة باستثناء النخبة، وربما هذا هو الأفضل لدى واشنطن، حتى تظل القاهرة موالية للبيت الأبيض، وفي سلام دائم مع "إسرائيل"، ويجب الاعتراف بالتغييرات التي حدثت في مصر خلال العامين الماضيين، ورأى من الأفضل لأمريكا أن تتخلى عن دعم الإخوان كونها منظمة لا تمثل الشرعية داخل المجتمع المصري، ولا يمكن تجاهل رغبة المصريين في التغيير، والذكاء أن تسير واشنطن وفق هذا التغيير بل وتدعمه إذا أرادت أن تظل مصر تحت جناح البيت الأبيض قبل أن تذهب إلى موسكو.

وفي سياق متصل أشار د. محمد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن الدعم الأمريكي للنظام المؤقت في مصر سيكون على طريقة (الارتداد التدريجي)، خاصةً بعد اعتماد دستور جديد للبلاد أكثر ليبرالية والسير نحو استكمال خارطة الطريق، وتابع إسرائيل لديها مصلحة خاصة في مصر، وترفض جميع مواقف أمريكا تجاه مصر منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وتتخوّف من الفراغ الأمريكي داخل دائرة صنع القرار المصري، بسبب عدم قدرة "تل أبيب" على تحمل تبعات اندفاع القاهرة نحو موسكو، وتحديداً فيما يخص التعاون العسكري، الأمر الذي يجعل هناك تفوقاً عسكرياً مصرياً، ويخل بموازين القوى في الشرق الأوسط، مؤكداً أن أمريكا تسير نحو رأب الصدع مع الجانب المصري، وزيارة وفد من الكونغرس مؤخراً يدعم هذا الرأي، بالإضافة إلى أن إعلان وزير خارجية أمريكا جون كيري بأنه يتطلع إلى لقاء قريب مع المشير السيسي، يعد بمثابة إعادة تقدير للحسابات الأمريكية مع النظام المؤقت، خاصةً وأن زيارة السيسي لموسكو وعقد صفقة تسليح، لا تزال تثير قلق الدوائر الأمريكية و"الإسرائيلية".

3/3/2014