هل هي نهاية "الإسلام السياسي" في المنطقة العربية؟

القاهرة - وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

مع بداية ولادة جديدة للثورة المصرية بعد إسقاط جماعة الإخوان المسلمين من الحكم. أكد مراقبون سياسيون أن الجيش قام بعزل الرئيس محمد مرسي المحسوب على التيار الإسلامي استجابة لمطالب الشعب، من واقع الشرعية الشعبية السياسية خصوصاً في أوقات الثورات، وهذه الشرعية هي التي تضع السياسيين إما في السلطة أو مطرودين من نعيمها، بينما الشرعية الثورية تأتي غالباً من اتخاذ إجراءات جريئة لتلبية المطالب السياسية للشعب، مثل توفير فرص العمل، الإسكان، الخدمات العامة وما إلى ذلك.. أما الديمقراطية التي حاول الحكم الإسلامي ترسيخها كما زعم الإخوان المسلمون فلم تكن سوى القشرة العليا في مصر التي لم تستطع الوصول اليها مطلقاً، ولذلك تم تدميرها من قبل أعلى شكل من أشكال الديمقراطية الثورية وهي ثورة الشعب.

د. عبد الرحيم علي الباحث في شؤون الإسلام السياسي قال: إن حكومة الإخوان المسلمين في مصر بعد الصعود للحكم مباشرة زعموا أنهم يسعون إلى تغيير مسار تاريخ الشرق الأوسط من خلال تجربتهم الإسلامية، التي تشكلت في جزء كبير منه من خلال التوافقات التي حدثت مع الإدارة الأمريكية وبعض القوى العربية الراغبة في إنشاء قوى إسلام سياسي بعد ثورات الربيع العربي، لمصالح عميقة في أيديولوجيتها السياسية والاقتصادية داخل الدولة المصرية ومحاولة تقويض نفوذها الإقليمي، متسائلاً: ماذا فعل الإخوان مع الدولة العميقة التي ورثتها؟ الإجابة أنهم حاولوا التكيف مع مؤسسات نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكل ما فعلوه هو الأخونة فقط، كما تعاملت مع الجيش المصري الذي يحظى بالرعاية الشعبية بنوع من التوافق الخبيث وبالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضمان وجودهم في الحكم وحمايتهم من مخاطر العسكر في حال خرج الشعب ضدهم، ونفس الأمر ينطبق أيضاً في علاقتهم مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين والمقاومة وحركة حماس (الحليف العسكري للإخوان المسلمين داخل فلسطين)، فضلاً عن دعم المتمردين داخل سوريا فقط بسبب دعم واشنطن لهم ضد الحكومة السورية، في حين تعمد الإخوان بعد عدة أشهر من الحكم وبشكل متزايد تنفيذ أجندة معادية لإيران، وأيضاً بسبب جلب رضاء الإدارة الأمريكية، بينما كان الداعم المالي الرئيسي لحكومة مرسي الدولة الغنية بالنفط (قطر) والتي ساهمت كثيراً في توجيه السياسة الخارجية للحكومة المصرية وفق ما يخدم مصالحها.

ويرى د. كمال الهلباوي القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين أن الإخوان طوال تاريخهم ينتهجون سياسات ديكتاتورية لخدمة مصالح النخبة والتنظيم الدولي للجماعة، وبالتالي لم يعد الإسلام السياسي هدفا للشعوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وداخل دول الربيع العربي، وأعتقد - والكلام للهلباوي - أن تجربة الإسلام السياسي في القاهرة قد استشهدت تماماً، لكنها خارج مصر فقدت مصداقيتها في المنطقة، فمثلاً: في تركيا كانت الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت في ميدان تقسيم وجيزي ضد رئيس الوزراء أردوغان بمثابة رد فعل من قبل الشباب التركي ضد قرار الحكومة الإسلامية هناك، لكننا في المقابل إذا نظرنا إلى إيران فسنجد أن الشعب اختار رئيساً جديداً للبلاد (حسن روحاني) أكثر إعتدالاً دينياً من جميع المرشحين لتمثيلهم أمام العالم وإنهاء كافة مظاهر التشدد التي أوجدها النظام السابق برئاسة أحمدي نجاد، لافتاً إلى أن الإسلام السياسي أصبح يواجه مخاطر الوجود من قبل الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، فمثلاً المملكة العربية السعودية تعتبر المصدر الوحيد للشرعية الإسلامية السياسية، ويصف قادتها أنفسهم بأنهم مدافعون عن الإسلام، فإن فشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر باتت تهدد كافة مظاهر الإسلام السياسي في المنطقة.

ويؤكد د. عمار علي حسن الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن الإسلام ليس الدين الوحيد الذي يتم استغلاله من قبل النخب السياسية، فهناك الطبقة الحاكمة في إسرائيل تستخدم الديانة اليهودية لإضفاء الشرعية على عنصرية الدولة وسياساتها التوسعية، كما أن الدولة العبرية تعامل مواطنيها كمواطنين من درجة ثانية لمجرد أنهم غير ملتزمين دينياً بقومية الدولة باعتبارها الدولة الدينية الوحيدة في العالم، بينما الجماعات الأكثر محافظة دينية لديهم طريق مفتوح لكسب مزيد من النفوذ ويتم منحهم إمتيازات أكبر من قبل الدولة، مؤكداً أن الشيء نفسه ينطبق في الولايات المتحدة على الحزب الجمهوري وعلى نحو متزايد الديمقراطيين الذين يستندون في الكثير من شرعيتهم داخل الحكم على الأصولية المسيحية، وهي النتيجة الحتمية للتمييز الديني ضد غير المسيحيين، وخاصة المسلمين والمهاجرين والمثليين جنسياً، أما في الشرق الأوسط فكانت هناك ولادة في التاريخ الحديث للإسلام السياسي من قبل القوى الغربية بعد ثورات الربيع العربي، حيث قامت بتثبيت ودعم الأنظمة الملكية في المنطقة للحفاظ على مصالحها في توريد النفط، لكنها في المقابل زعزعت الأنظمة الجمهورية في مصر وتونس وغيرهما من دول الثورات لإمكانية خلق نظام إسلامي جديد بقيادة الإخوان المسلمين باعتبارهم تنظيما دوليا قويا وجاهزا لملء الفراغ السياسي بعد سقوط الأنظمة الحاكمة، بشكل مترابط ومتماسك على غرار الأنظمة الملكية، إلا أن التجربة الإخوانية فشلت تماماً بعد سقوط إخوان مصر، ليتفكك الحلم الغربي في خلق شرق أوسط إسلامي أو إخواني جديد.

وفي السياق ذاتة أشار ثروت الخرباوي القيادي المنشق بجماعة الإخوان المسلمين، إلى أن السياسة الإسلامية الاستغلالية لمحاربة صعود حكومات عربية قوية اشتراكية التي فضلت بناء الاقتصاد على النمط السوفيتي المملوك للدولة، بدأت للمرة الأولى من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لكن هذه التجربة لم تستمر كثيراً بعد رحيل ناصر، إلى أن تم ترسيخ النظام الرأسمالي والانفتاح على الغرب، حيث تدفقت الأموال بكافة الطرق إلى الحركات والجماعات الإسلامية واستطاعت على مدار الأربعة عقود الماضية الإنفاق ببذخ على فقراء الشعب وكلّ في دولته، مما ترك أثراً نفسياً إيجابياً لهذه الطبقات عند الإسلاميين ضد الأنظمة الحاكمة، حتى جاءت فرصة صعودهم إلى الحكم بعد الثورات فكان لهم ما أرادوا من رصيدهم السابق، لافتاً إلى أن بعض الدول العربية مثل سوريا، العراق، ليبيا، تونس، حاولت الولايات المتحده الأمريكية وأكثر من أي وقت مضى الاعتماد بقوة على جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة استقرار هذه الدول أو توجيه سياساتهم إلى اليمين والموالاه للغرب فور صعودهم للحكم، لكن فشل هذه الجماعة في القاهرة أربك حسابات الغرب تماماً وأجهض محاولاتهم في إعادة تقسيم المنطقة بالتعاون مع الإخوان التي لا تؤمن أساساً بالحدود أو القومية العربية كونها تريد الخلافة الإسلامية، فقديماً حاولت الجماعه اغتيال عبد الناصر في مصر بحجة أنه يستخدم القمع العسكري لتدمير منظمة، لكن بعد الزج بكثير منهم في السجون والمعتقلات بعد الممارسات الإخوانية ضد المدنيين وتفجير المحلات وتنفيذ الاغتيالات، وبعضهم هرب إلى سوريا لكنهم حاولوا اغتيال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وظلت الجماعة هكذا طوال تاريخها تسير على طريقة تنفيذ الأعمال العدوانية ضد القاهرة ودمشق لأنهما حصن العالم العربي ولو سقطوا فسيسقط العرب، لكن في المقابل كانت جماعة الإخوان والحركات الإسلامية ينعمون بالحماية من الولايات المتحدة الأمريكية التي استغلت هذه الجماعات ضد التواجد السوفيتي بالتمويل المالي والسلاح والتدريب العسكري للمحاربة بالوكالة ضد الاتحاد السوفيتي، حتى ظهر فيما بعد ما يسمى بتنظيم "القاعدة" و"حركة طالبان" ضد الحكومة الأفغانية الموالية للسوفيت، كما تم تطبيق نفس السياسة في يوغوسلافيا، حيث تم تمويل أعضاء الإسلام الراديكالي وإنشاء ما يعرف باسم "جيش تحرير كوسوفو"، وحالياً يتم أيضاً استخدام جميع الحركات الإسلامية المدعومة من أمريكا ضد الحكومة السورية، ويمكننا القول إن الإسلام السياسي في المنطقة انكشف تماماً أمام الشعوب العربية بعد سقوط إخوان مصر وإظهار مدى تواطؤهم مع الغرب.

5/1/2014