الفتاوى تدخل بؤرة الصراع السياسي في مصر

القاهرة - وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

طوبى لمن قتلهم، كلمات تتبادر على ألسنة الإسلاميين في مصر، الذين لا يجدون مانعاً في إصدار فتوى تحل دماء أبناء الشعب، وبغض النظر عن انتمائهم السياسي فإن طرفي النزاع في مصر كل منهما يمتلك أصواتا إسلامية تبرر له القتل، سواء كان النظام السياسي المؤقت، أو جماعة الإخوان المسلمين.

التراث الإسلامي والذاكرة الوجدانية للشعوب والقيم، ليست شيئاً ينتمي حصراً إلى أي فصيل أو حزب أو جماعة أو حتى نظام حاكم، في الواقع نشبت حرب الفتوى بين طرفين في مصر: معسكر الإخوان، ومعسكر المؤسسة العسكرية، ناهيك عن جميع القوى الأخرى التي تعارض جماعة الإخوان، بما في ذلك مؤسسة الأزهر.

المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع قال في رسالته الأسبوعية أمام معتصمي رابعة العدوية وقبل القبض عليه بأيام قليلة، "أقسم بالله العظيم ان ما قام به السيسي في مصر بعد الإطاحة بالرئيس الشرعي هو أكثر إجراماً من هدم الكعبة"! ربما ينبغي للمرء عذر بديع، لأنه كان يعاني بشكل واضح من انهيار عصبي بعد انهيار حكم الإخوان المسلمين، ولم يكتف المرشد العام بذلك بل أصدر فتوى لمؤيديه بالخروج إلى الجهاد ضد قوى الانقلاب والظلام وحلفائهم.

أما بالنسبة لفقيه الإخوان الأكثر شهرة، الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر، لم يبخل من علمه ومن توظيف آرائه الإسلامية في صورة فتاوى ضد النظام السياسي المؤقت، وأدعى القرضاوي بعد طلب السيسي للجماهير بالنزول ليحصل على تفويض لمواجهة الفوضى والإرهاب المحتمل، إنها دعوة للتحريض على قتل مؤيدي الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، وقال "حرام" خروج الشعب لإعطاء الرجل تفويض بقتل نفس بشرية، بالإضافة إلى أن القرضاوي لم ينس الدستور الجديد للبلاد الذي وافق عليه الشعب، وأصدر فتوى لمؤيدي الإخوان بحرمة الالتزام بدستور (الانقلابيين)، أو الصمت على سريان نصوص الدستور أو قوانينه القادمة عليهم.

ولم تقتصر الفتاوى على شيوخ الإخوان فقط، بل امتدت إلى شيوخ الأزهر وعلمائه، وجميعها تصب في صالح دعم النظام المؤقت والمشير السيسي لمواجهة الإرهاب، حيث دعا شيخ الأزهر د. أحمد الطيب المصريين للرد على وزير الدفاع والخروج إلى مظاهرة حاشدة بطريقة سلمية ومتحضرة من أجل تفويض الرجل في حربه على الإرهاب، وقال في خطاب بثه التلفزيون المصري "أيها الشعب اخرج لإنقاذ مصر من ما يواجهها"، لكن ما هو الدرس المستفاد من هذه الفتاوى الدينية المتناقضة سياسياً؟

د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف قال: إن توظيف الفتوى الدينية في الوقت الحالي يعتبر لخدمة أهداف سياسية، وكل طرف يحاول تبرير ما يفعله من قتل ودماء بفتوى دينية، استقراراً للنفس البشرية بصبغة دينية، ودعماً لمواصلة العنف والفوضى، وسواء كان شيوخ الإخوان أو شيوخ النظام الحاكم المؤقت لديهم ما يؤهلهم لمثل هذه الفتاوى فإنهم سيتحملون أوزارها أمام الله يوم القيامة، موضحاً أن الدولة عليها أن تواجه الإرهاب والفوضى والعنف بالطريقة التي تراها، ومن يرفع السلاح على الدولة يستحق القتل، لأنه يكون ضمن نطاق الآية القرآنية ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض))، وإذا كانت الدولة يقع عليها مسئولية حماية المواطنين وتوفير الأمن، فإنه من الخطأ أن يتم إقحام شيوخ الأزهر إلى إصدار فتاوى بنكهة سياسية.

ومن جانبه أكد د. سالم عبد الجليل مستشار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن الخطاب الديني في مصر أصبح من الظواهر السلبية، خاصةً وأن بعض السياسيين ومن في السلطة يعتمدون على الخطاب الديني لتبرير مواقفهم، أيضاً جماعة الإخوان المسلمين تعتمد على شيوخها لنشر الفوضى والعنف بحجة أنهم في جهاد ضد الدولة بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، وللأسف اختلف المنظور والرؤية الإسلامية، وبات إسلاميو الأمة يستخدمون فتواهم لحرق المجتمعات وبث روح العنف في نفوس مؤيديهم، لافتاً إلى أن الصراع الذي تدور رحاه في مصر ليست علمانية ولا دينية، ولكنها فوضوية، وكل هذه الاشتباكات بين الفصائل السياسية والاجتماعية المتنافسة لا علاقة لها بالدين أو الإيمان في شيء، نظراً لأن الدين يقف فوق هذه الخلافات التافهة والضغائن الماكرة، أو على الأقل هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه الدين داخل قلوب هؤلاء المشايخ، فإذا كان حقيقة الأمر أن الأزهر دائماً هو من يتكلم نيابة عن الإسلام، فإن بعض شيوخ الأزهر دخلوا لعبة فوضى الفتاوى، بعد أن نجح شيوخ الإخوان في توريط كبار علماء الأزهر في إصدار فتاوى لأغراض سياسية.

في حين يرى د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن بعض شيوخ الإخوان رغم أنهم في الحقيقة لديهم أوراق اعتماد الفقه الإسلامي بالطريقة الأزهرية، لكنهم يستخدمون علمهم لتحقيق أغراض المنظمة السياسية، وأعتقد أن دور الأزهر هو التصدي لسيل الفتاوى الإخوانية التي تنشر الفوضى والعنف داخل الدولة، والصمت يعتبر تخاذلاً لأن الأمة تواجه حرباً إرهابية ومخططات دولية لتفكيك الوطن والجيش المصري، وبالتالي لابد أن يأخذ الأزهر دوره في التاريخ ويواجه متاجرة قوى الظلام بالدين لأغراض العنف والدم، وتابع من غير المعقول أن يصمت الأزهر على شيخ الفتنة يوسف القرضاوي - حسب وصفه - بعد دعوته بخروج الشعب ضد الجيش لعودة مرسي إلى الحكم، كما أن الأزهر لن يصمت أمام محاولات الرجل المتكررة بدعوة جيوش العالم إلى التحرك وتحرير مرسي من السجن وعودتة إلى الشرعية المفقودة، مشيراً إلى أن الفتوى سواء كانت لخدمة غرض سياسي أو غير سياسي فإن خطورتها تظل قائمة، لأن من يأخذ بها يكون عنده الوازع الديني لتبرير ما يقوم به، ولذلك يجب أن يكون الشيوخ مؤهلين لإصدار الفتوى، أو يبتعدوا عن هذا المجال قدر الإمكان.

يقف د. علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق على رأس شيوخ النظام السياسي المؤقت، خاصةً عندما كان يتحدث إلى عدد من قيادات الجيش والشرطة، على رأسهم وزير الدفاع المشير السيسي، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، حيث تم الإفراج عن مقطع فيديو بثته قناة "الجزيرة" يظهر خطاب جمعة بأيام قبل فض قوات الشرطة اعتصام مؤيدي الإخوان في ميدان رابعة العدوية.

أيضاً شيخ الأزهر د. أحمد الطيب كان حاضراً عندما أطاح الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، بل ومباركاً إعلان الفريق السيسي لخارطة الطريق الجديدة، وهو ما جعل بعض المراقبين يقولون أن المؤسسة العسكرية أرادت الظهور أمام العالم بدعم عدد من زعماء الدين، سواء الأزهر أو الكنيسة، وبغض النظر عن الالتزامات الدينية والأخلاقية الضرورية ومعارضة للسلطة، تم إضفاء الشرعية الشعبية والدينية على النظام الجديد المؤقت في مصر.

وفي رأي د. رأفت عثمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن النهج التقليدي بين الأزهر والإخوان يدور في فلك العديد من التناقضات الدينية، حيث فشل الطرفان في الخروج من الحلقة المفرغة لمفهوم العلاقة بين الدين والسياسة، ولذلك نجد أن جانبي الصراع (الجيش والإخوان) كل منهما قد أملى شروطه الدينية على قدر فهمه التقليدي، ومع ذلك كان هناك خطاب متناقض بين علماء المعسكرين (الدولة والإخوان) في الأشهر القليلة الماضية قبل الإطاحة بمرسي لأسباب سياسية، موضحاً أن البعض يحاول تسييس الدين في مصر، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين التي باتت أكثر تضرراً بعد السقوط من الحكم، وهو ما ظهر جلياً في دعوة عدد من رجال الدين المحسوبين على الإخوان بمقاطعة الدستور الجديد أو التصويت بـ(لا)، في المقابل استخدم الأزهر شيوخ الدعوة لحث الناس على التصويت بـ(نعم) في الاستفتاء، وأكثر من كان ظهورهم مثيراً للجدل هو الشيخ (علي جمعة) مفتي الديار السابق عندما قال "الله يدعم الاستفتاء، لأن الدستور الجديد وثيقة تقف ضد الفساد والخيانة والنفاق والشقاق وسوء السلوك والإرهاب"! أيضاً خرج عضو في "جبهة التحالف الوطني" الموالية لمرسي بفتوى ضد الذين صوّتوا لدعم الدستور الجديد بأنهم مذنبين"، وتابع "الفتاوى في مصر باتت تستخدم كأداة سياسية، ولابد من مواجهة شيوخ الفتنة لمنع إساءة استخدام الفتاوى".

7/2/2014