إلى متى تستمر جولات المواجهة بين الحكومة والإخوان؟

القاهرة – وكالة الصحافة العربية من: محمد نوار

لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تنظم الاحتجاجات بشكل شبه يومي للمطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، بعد ما يقرب من ستة أشهر، ومنذ ذلك الحين قتل أكثر من 1000 شخص في اشتباكات في الشوارع، فضلاً عن آلاف من المسجونين في البلاد بعد حملات أمنية على الجماعة بسبب العنف والفوضى الذي أحدثته في البلاد، بالإضافة إلى الكثير من الاتهامات التي تواجه قادتهم. مراقبون سياسيون ذهبوا بعيداً بتخوفاتهم من استمرار التطرف والعنف مع جيل جديد من النشطاء يكون أكثر عنفاً في المستقبل، خاصةً وأنه من المستحيل استبعاد فكرة أن يكون الإخوان مجموعة هامشية مستقبلاً في الواقع المصري، وسيكون أمام الأجيال الإخوانية الجديدة إما الحقد على المجتمع وعلى كافة الأنظمة السياسية القادمة، أو اختيار العنف المضاد والانضمام إلى الجهاديين.

د. (ناثان براون) أستاذ العلوم السياسية بـ(جامعة جورج واشنطن) قال: إن جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة مباشرة بعد قرار الحكومة المصرية بوضع ماركة منظمة إرهابية على صدر الجماعة بعد تفجيرات مديرية أمن الدقهلية، فتحت وزارة الداخلية خطاً ساخناً للمواطنين للإبلاغ عن المشتبه في انتمائهم للمنظمة المحظورة، حيث سيطر غضب المشهد الدموي على الشعب ضد كل من ينتمي للجماعة، فبعضهم قام بإشعال النيران في بعض منازل مؤيدي الإخوان، والبعض الآخر قام بتدمير الكثير من الشركات التي يملكها أفراد تابعون أو متعاطفون مع الإخوان، والآن بعد أن أصبحت منظمة إرهابية، فإن التعامل الأمني أو الشعبي مع كل من ينتمي إليها سيكون أكثر قوة، خاصةً وأن الشعب المصري بات يعتقد أنه يحارب الإرهاب، موضحاً أن هناك قلقاً عميقاً إزاء تزايد أعمال العنف التي يقودها المدنيون، والتحريض غير المنضبط من خلال وسائل الإعلام وبعض القوى السياسية ضد الإخوان، وهو الوضع الذي يخشى أن يتطور ربما إلى حرب أهلية على الصعيد الوطني، خاصةً وأن هناك أجيالاً من المنظمة لن تعترف بما حدث نحو الرئيس المعزول محمد مرسي، ولن يكونوا خاضعين للولاء لأي نظام سياسي قادم لعشرات السنين، وهو ما يعني خلق مزيد من الأجيال الإخوانية الناقمة والحاقدة على البلاد.

ويؤكد د. إبراهيم كروان مدير (مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية)، أن هناك مخاوف من التطرف الذي يقود البلاد إلى حرب أهلية متوقعة، نظراً لأن مثل أعمال التخريب والعنف التي تحدث في البلاد من قبل جماعة الإخوان، أصبح المصريون يعاقبون من ينتمي إلى هذه المنظمة بأنفسهم، حتى تتطور إلى اشتباكات شعبية أوسع في مناطق مختلفة من البلاد، وهذا تصعيد خطير جداً ينبغي أن يواجه على الفور من قبل الدولة، حتى لا تحدث انتهاكات شعبية مع الإخوان بعيداً عن سلطة الدولة، وبالنسبة لبعض وسائل الإعلام، فهي تعمل بشكل غير مهني، وغير مسؤول، وتحرض على العنف، وبعضهم أصبح نسخة أخرى من مجموعة الإعلاميين الإسلاميين المتشددين الذين عملوا بحرية أثناء فترة حكم محمد مرسي، وكانوا أيضاً يهاجمون القوى الليبرالية، لافتاً إلى أن الناس عليهم الإبلاغ عن الجرائم والمجرمين إلى الحكومة دون أن تشارك في واجبات سلطات الدولة، وينبغي على السطات معاقبة جميع المخالفين بغض النظر عن دوافعهم أو الولاءات السياسية، وأي إجراء يتخذ ضد الإخوان يجب أن يكون من خلال النظام القضائي، حتى لا يكون الاعتقال أمراً مسيساً، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء هيئات قضائية في حالات الطوارئ للنظر في القضايا العاجلة التي تتعلق بالإرهاب لسرعة الفصل وردع الفوضويين.

بينما يرى د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بـ(جامعة القاهرة)، أن الدولة سوف تنتصر في نهاية المطاف على الإرهاب المنظم الذي يعمل في الخفاء، ولكن طالما بقيت الجماعة جنباً إلى جنب مع الجماعات المتشددة، فإنها قد تقود البلاد إلى مرحلة طويلة من الحرب الأهلية والعنف المتواصل، خاصةً وأنه بعد تصنيف الحكومة الإخوان كجماعة إرهابية، فإن هناك مخاوف من أن يكون التطرف لغة أعضاء المجموعة المتشددة، ويصبح هناك جنباً إلى جنب مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين التي باتت حدثاً شبه يومي تقريباً في مصر منذ الإطاحة بمرسي، فضلاً عن أن العشرات من المواطنين يحاصرون منازل أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وبعضهم داهم المنازل واعتقل عدداً من قيادات الإخوان أو مؤيديهم، موضحاً أن إشراك الناس العاديين في العنف أو تصديهم لمؤيدي الإخوان لا يخدم سوى خطط أولئك الذين يحاولون زعزعة استقرار البلاد، وتعيق جهود الدولة لعقد استفتاء وطني على الدستور الجديد في منتصف يناير، نظراً لأن هناك خططاً وتكتيكات يتم تطبيقها حالياً من قبل الإخوان لضمان تجربتها خلال الاستفتاء، منها تشتيت الأمن ومهاجمة الأقسام والمديريات الأمنية، بينما الأخطر أنه في حال تصدي الشعب لمؤيدي مرسي فإنهم بذلك يوفرون الشرعية على هجمات المتشددين.

في حين أشار د. وحيد عبد المجيد الخبير بـ(مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، إلى أن الرئيس السابق محمد مرسي في السجن، ورئيس حكومته هشام قنديل الذي اعتقل مؤخراً، وعملياً قيادة الإخوان بالكامل وراء القضبان، ومعظمهم متهمون بلعب دور في مقتل المحتجين والخيانة العظمى والإرهاب، ومع ذلك مازالت الجماعة لاعباً فاعلاً في مجريات السياسة على أرض الواقع، رغم إدراجها كتنظيم محظور والآن تنظيم إرهابي، وأعتقد أنه إذا كان هناك تدابير أخرى سوف يتم إصدارها خاصة بالإخوان، فهي من قبيل محاولة القضاء على الجماعة قبل إجراء الاستحقاقات الانتخابية القادمة، ومحاولة محوها من العملية السياسية في الفترة القادمة، مؤكداً أن الإخوان التي تأسست عام 1928، كان ينظر إليها حتى وقت قريب على أنها أكبر قوة سياسية تنظيماً في البلاد، لكن بعد سقوط مرسي لا يبدو أن الإخوان في أوج قوتها، ورغم قرار إدراج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية بعد الهجوم الإرهابي على مبنى مديرية أمن محافظة الدقهلية، زعمت جماعة "أنصار بيت المقدس" التي تعمل في سيناء مسؤوليتها عن الانفجار، ومع ذلك اتهمت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين، وهنا لابد من الربط الأمني والسياسي بين المنظمتين في صدور هذا القرار، كون الجماعة الفلسطينية فصيلاً عسكرياً يدعم الإخوان، بل إن بعض مؤيدي الجماعة ينتمي إلى "أنصار بيت المقدس".

واختلف مع الرأي السابق د. عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية بـ(الجامعة الأمريكية)، وقال: إن الحكومة المصرية حتى الآن فشلت في تقديم دليل على أن جماعة "أنصار بيت المقدس" ترتبط في الواقع إلى جماعة الإخوان المسلمين، باستثناء مزاعم حكومية أن الأمن اعترض محادثات بين بعض أعضاء جماعة الإخوان والجماعة الإرهابية في وقت سابق أثناء ثورة يناير، وهي المكالمات التي أشارت إلى صلات وثيقة بين المجموعتين - على حد قول الحكومة - لكن فعلياً لم يستطع النظام المؤقت من إيجاد شيء مشترك بين الإخوان و"أنصار بيت المقدس"، مؤكداً أن الإخوان دفعت بالفعل العديد من أعضائها المتشددين للعمل مجدداً تحت الأرض، وهو تدبير من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عدد الذين على استعداد لاستخدام العنف ضد أهداف ومنشآت حكومية، ومن هنا فإن هناك مؤشرات تؤكد على إمكانية خلق جيل جديد إخواني يرحب بالعمل السري، ويظهر فقط لممارسة العنف والإرهاب ثم يختفي مجدداً، وهكذا ستظل الحرب دائرة بين النظام والإخوان، وتابع هناك تقارير تشير إلى أن منطقة صحراء ليبيا تستخدم كمعسكرات تدريب "للجهاديين"، حيث يجري تدريب أفراد متشددين من جماعة الإخوان للقيام بهجمات إرهابية، ولا يزال هناك أيضاً دعم كبير لجماعة الإخوان بين المصريين العاديين، حتى أن هناك إمكانية كبيرة للعثور على متطوعين جدد يرفضون الحكم الحالي، وهو من شأنه خلق كوادر إرهابية جديدة قادرة على زعزعة استقرار البلاد في الفترة القادمة، وربما يستعدون لإفشال التصويت على الدستور والاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وفي نفس السياق أوضح د. جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية بـ(جامعة قناة السويس)، أن تجميد أموال المنظمات غير الحكومية التي يشتبه في أن لهم صلات مع جماعة الإخوان، خطوة تصعيدية ضد الجماعة، خاصةً وأن الحكومة تريد أن تقوض واحدة من نقاط القوة لجماعة الإخوان، وهي الأنشطة الخيرية التي لطالما جلبت الدعم الشعبي للجماعة في الشارع وبين البسطاء، وتابع هذه الإجراءات التصعيدية من قبل النظام السياسي المؤقت يؤكد أنه ليس هناك أمل للتقارب بين الحكومة والإخوان مرة أخرى، وجميع أبواب المصالحة قد أغلقت نهائياً، ولم يعد هناك سوى العنف والمواجهات المتبادلة بين الجانبين، ورغم أن الحكومة والجيش يريدان أن تسير الأمور بسلامة في يومي الاستفتاء على الدستور الجديد، تظل هناك توقعات بحدوث مزيد من التوتر والاضطرابات من قبل الجماعة أثناء الاستفتاء، لافتاً إلى أنه رغم أن الإخوان مدرجة الآن على أنها منظمة إرهابية، والسلطات لديها القدرة على توجيه الاتهام لأي عضو من أعضاء المجموعة، جنباً إلى جنب مع أي شخص يمول المنظمة أو يروج لها بأي شكل من الأشكال، إلا أن الإخوان لا تزال ملتزمة بإمكانية استعادة مرسي من خلال الوسائل السلمية - حسب مزاعمهم - وهو الأمر الذي سيخلق حالة من العنف والعنف المضاد بين النظام السياسي المؤقت وبين الإخوان، وتابع الفترة القادمة ستشهد المزيد من التفجيرات، يعقبها أعمال اغتيالات لبعض الشخصيات السياسية ورموز الدولة.

9/1/2014