بين الوزير "الضرورة".. و"أبو سيّاف"!

عبد الوهاب بدرخان

حدثان تزاحما في الأيام الأخيرة: تشكيل الحكومة الجديدة لإنهاء أزمة طالت أكثر من تسعة شهور متأرجحة بين أقصى المخاطر وأقصى المهازل، وازدياد تهديدات المجموعات الإرهابية وصولاً إلى الإيحاء أكثر فأكثر بأن الصراع في سوريا أنهى ترتيبات تلبننه رغماً عن اللبنانيين عموماً وأبناء الطائفة السنّية خصوصاً.. أي الحدثين أدعى للانشغال؟ فعدم وجود حكومة قد لا يقتل أحداً، لكن المؤكد أن استمراره وتحوّله فراغاً في الحكم من شأنه أن يقتلا الدولة. أما جماعات الإرهاب فلا تنفكّ تقتل وتشيع الرعب. والأدهى أنها دخلت الجدل الداخلي متسللة إلى بازار الاتهامات المتبادلة بين من يقول إن قتال "حزب الله" في سوريا استدرجها إلى لبنان ومن يقول إن انحياز السُنّة إلى المعارضة السورية صنع "بيئة حاضنة" للإرهاب.

في ما يخصّ الاستحقاق الحكومي، كان انفراج قد حصل بتنازلات من "المعسكرين"، وشكّل اختراقاً مفاجئاً استُقبل بمشاعر ومواقف متناقضة داخل كلٍ من (8 و14 آذار). فمَن حبّذه اعتبر أن الواجب يفرض قبول الخيار المتاح لتفادي أزمة أكبر. ومَن لم يحبذه في (14 آذار) وجد أن "الحكومة الجامعة" لا تشكّل حلاً لأزمة تشهد إخلالاً فادحاً من أحد مكوّنات المجتمع بأسس التعايش وباحترام الدولة وبصون أمن البلاد. المقصود طبعاً هو "حزب الله" وممارساته في الداخل وفي سوريا. أما مَن لم يحبذه في (8 آذار) فانطلق أصلاً من رفض أي تنازل سواء في صيغة التشكيل أو شروطه، ومنها إلغاء احتكار الحقائب الوزارية. وها هو التيار العوني يكرر للمرة الثالثة عرقلة ولادة الحكومات بسبب "الوزير الضرورة" جبران باسيل. ولو كان واقعياً لأدرك أن السلوك المشتبه فيه لباسيل هو ما فرض عملياً عدم القبول بتدوير الحقائب، إذ غدا وزيراً ورجل أعمال في آن، وراح يتصرّف كمن وضع يده على كنز الغاز وصاغ العقود واختار المستثمرين ولم يبقَ سوى التوقيع، حتى أنه أثار انزعاج حلفاء أساسيين لـ"التيار" واستهجانهم. لذا قال الرئيس ميشال سليمان في لقاء صحافي: "الحمد لله أن الغاز لا يزال تحت الأرض"، ملمحاً بكياسة إلى حرب الحلفاء على تقاسم ثروة يفترض أنها للبلد وأهله جميعاً.

أما بالنسبة إلى الإرهاب، وبعدما أتحفنا مندوب "داعش" المدعو "أبو سياف الأنصاري" ببيانه وقبله "جبهة النصرة" بتهديداتها، فقد ظهرت الفبركة المكشوفة لاستغلال استياء السُنّة وجرّهم إلى حرب يدرك خصومهم قبل سواهم أنهم لا يسعون إليها. فمَن اخترع "داعش" اخترع "أبو سياف" وهو المستفيد الوحيد منهما في سوريا كما في لبنان. الحلقة المفقودة هي عجز الأجهزة اللبنانية عن حصر هذه الظاهرة وتحديد معالمها، خصوصاً أن "البيئة الحاضنة" المفترضة لا ترى في أشباه البشر هؤلاء خلاصها من تطرّفات "حزب الله".

"النهار" البيروتية 29/12/2014