حكومة من دون أوهام
عبد الوهاب بدرخان
بعد حادث الاثنين، في الشويفات، لم تعد خيالية فكرة وجود انتحاري يتجوّل الآن بيننا في مكانٍ ما. وبعد التفجير الأخير في الهرمل لم تعد مخاطر الفتنة مجرد احتمال. وبعد القصف على عرسال وقرى في عكار لم تعد الحرب السورية وراء الحدود بل وجدت لنفسها مسرحاً على الأرض اللبنانية. في معرض استنكارهما حادث الهرمل، كرر مجلس الأمن دعوة اللبنانيين إلى "احترام سياسة النأي بالنفس والامتناع عن التورط في الأزمة السورية"، أي إلى العمل بـ"اعلان بعبدا" الذي نقضه النظامان الإيراني والسوري باستدعاء "حزب الله إلى تلك الحرب. في حين كان (بان كي – مون) أكثر تحديداً إذ شدد على "الوقوف وراء مؤسسات الدولة بما فيها الجيش وقوى الأمن"، وبديهي أنه كان يخاطب من تجاوزوا الدولة بسلاحهم غير الشرعي أو بخطاب سياسي لطالما قلل من شأنها متباهياً بأنها صارت تحت رحمته.
عاد رئيس حكومة تصريف الأعمال من مؤتمر ميونيخ للأمن ليبشّر بأن لا حلول مرتقبة للأزمة السورية، وترجمة ذلك أن الوضع اللبناني غير مرشح لأي انفراج، فلا تلوموا هذه الحكومة ولا تلك التي ستخلفها. أي إن للسياسة الوحيدة المتاحة عنواناً وحيداً: العجز.. عجز عن استعادة "حزب الله" إلى لبنانيته، فهو اختار تخريب لبنان من أجل "إنقاذ" نظام بشار الأسد. عجز رسمي عن صدّ الإرهاب المستشري في مقابل استعداد حكومي وغير حكومي للتجاذب حول هذه الظاهرة. بل عجز للسنة الرابعة على التوالي عن احتواء مشكلة النازحين السوريين (مليون رسمياً، 1,5 مليون واقعياً)، فالاشتباك السياسي المقيم أمعن في إفشال كل الخطط ولا يزال يربك الجهات الدولية التي تعرض المساعدة.
بعيداً من التنازع على "وزارة جبران باسيل لشؤون الطاقة"، لا بدّ واقعياً من حكومة، أقلّه للحفاظ على بنية الدولة، ولمواجهة احتمالات الفراغ السياسي الذي سيجد "حزب الله" نفسه مدعواً لملئه بداعي "حماية المقاومة". حكومة أمر واقع، حكومة جامعة، حكومة أضداد، الأمر سيّان. ستكون في أي حال حكومةً بلا أوهام، لكن المهم أن تمكّنها واقعيتها من وقف الانهيار الحاصل خصوصاً على مستوى الأمن. فحتى جميل السيّد، نعم هو، تماهى أخيراً مع مصطلحات "14 آذار" فقال إن السبيل الوحيد لتجنب الانزلاق إلى المزيد من المخاطر والفتن يكون بإعادة "الدور المفقود" للدولة و"ترميم السقف السياسي".
الأهم الآن كيف يمكن حكومة التناقضات أن تعمل وأن لا تتفجّر من داخلها. لا بدّ في هذه اللحظة الحرجة من العودة إلى "الميثاقية" التي يدّعي تيار "8 آذار" الحفاظ عليها. ولكن، أين الميثاقية في تورّط "حزب الله" في سوريا، وانكشاف دوره في الاغتيالات، وترهيبه لمؤسسات الدولة المدنية وغير المدنية، وتغذيته للجشع الرئاسي "العوني"؟
"النهار" بيروت 5/2/2014