القتلة ليسوا في صدد التوبة
عبد الوهاب بدرخان
في عرسال قتلى وجرحى بالقصف، معظمهم أطفال، ويشعر قسم من اللبنانيين أن الأمر لا يعنيهم، بل أن الجهات المختصّة تفضّل التكتم على مصدر القذائف، لئلا يُقال إنه قصف ثأري بعد التفجير في الهرمل، حيث سقط أيضاً ضحايا وبدا قسم آخر من اللبنانيين غير معنيين. اشتعلت في طرابلس، ربما من قبيل الرد على قصف عرسال، وتترقب المناطق الأخرى الأخبار للاطمئنان الى أن الأمر سيبقى في طرابلس. أمس تفجير آخر في الضاحية، وقبل ذلك في طرابلس ورأس بيروت. هذه الحرب الأهلية المتنكّرة بصدامات موضعية، من المستفيد منها؟ النظام السوري، "حزب الله"، المتطرّفون و"التكفيريون"؟ هؤلاء مستفيدون جميعاً ويخدم بعضهم البعض الآخر.
بدأت المحكمة الدولية عملها في لاهاي. التفاصيل ممضّة ومؤلمة. ممثلو ذوي الضحايا حضروا لأنهم يريدون إنصافاً من الخارج لم يأملوا فيه من الداخل، باعتبار أن وصاية النظام السوري ووارثتها وصاية "حزب الله" أرهبت الدولة، ولم توفّرا القضاء والقضاة. سعد الحريري قال نريد الحقيقة والعدالة والاقتصاص من القتلة ولا نريد الثأر والانتقام. وفي بيروت تعامل "حزب الله" مع وقائع المحاكمة على أنها لا تعنيه، ليس لديه سوى مواصلة الإنكار، مستخفّاً بعقول "الشركاء" في الوطن، شاحذاً عند "جمهوره" عقيدة احتكار العدوانية والافتخار بقتل الآخر. في لاهاي قال الإدعاء انها "جريمة إرهابية أريد بها نشر حال من الذعر، بين اللبنانيين"، وفي بيروت يواصل "حزب الله" استثمار هذا الذعر ويزعجه أنه لم يحقق النتيجة المتوخاة حتى بعد هذه اللائحة الطويلة من الاغتيالات.
ليس متوقعاً من الحزب أن يصوغ ندماً أو اعتذاراً، لكنه يستطيع كأضعف الايمان أن يمتنع عن حقن جمهوره بثقافة تحدّي الضحية بعد قتلها، وتمجيد القتلة بعبارة "سلمت أيديكم"، ومواصلة القتل ظناً أنه وحده يحمي القاتل. وهذا أسلوب "اسرائيل" إذ تحمي الاغتصاب والجرائم بمزيد من الاغتصاب والجرائم.
لا نزال نذكر أن "حسن نصرالله" قارب ذرف الدموع على رفيق الحريري في بعض التصريحات والمقابلات التي تلت الاغتيال، لكنه صار شخصاً آخر بعدما عُهد إليه في الوصاية السورية في 8 آذار 2005 وقبل انسحاب قوات النظام السوري، بل قبل أن تجف دماء الضحايا التي مشى "حزب الله" في جنازتها.
النقاش الدائر بسخونة حول تأليف الحكومة يعكس حال التطيّر والنزق في البلد عموماً وليس في أوساط 14 آذار فحسب. الناس تشعر بأن ثمة خطأً جديداً سيبنى على أخطاء سابقة. نعم، هناك ضرورة وطنية للتضحية بمجالسة القتلة وممثليهم لتفادي مزيد من الانهيار الاقتصادي و"التعايشي"، لكن القتلة وممثليهم لا يقدّرون التضحية وليسوا في صدد التوبة، بل يستدرجون "جبهة النصرة" و"داعش" ويرمون على ضحاياهم أوزار ظهورهما في لبنان.
"النهار" البيروتية 22/1/2014