قضي الأمر!

شارل جبور

أمّا وبعد فشل كلّ المحاولات لمنع قيام الحكومة الجامعة التي تحوّلت إلى أمر واقع وأدخلت البلاد في مرحلة سياسية جديدة، لا بدّ من كلام مختلف يتناسب مع طبيعة هذه المرحلة:

أوّلاً، المساكنة مع "حزب الله"، بعد تجربة السنوات الأخيرة، خطأ تاريخيّ لا يمكن تبريره ولا القبول به، وتمنح الحزب فترة سماح إضافية يستفيد منها لتعزيز أوراقه، فهي خطوة لا تخرج عن سياق التحالف الرباعي واتّفاق الدوحة والـ"سين-سين" وانتخابات العام 2009 وشعار "كلّنا تحت سما لبنان"، هذه الخطوات-المبادرات التي ساهمت في ترييحه.

ثانياً، التدخّلات أو التمنّيات الدولية مفهومة ومشروعة، ولكنّ كلّ طرف يقدّر في نهاية المطاف مصلحته في التجاوب مع التمنّيات أو عدمها، خصوصاً أنّ المصالح الدولية غالباً ما تتعارض مع المصالح الوطنية من منطلق تبديتها لأولوياتها، وبالتالي المسألة ليست في الظهور بمظهر المتجاوب مع المساعي الدولية، بقدر ما يكون هذا التجاوب يصبّ في خانة المصلحة اللبنانية.

ثالثاً، كان من الأجدى إيصال الأزمة إلى أقصاها لدفع المجتمع الدولي للالتفات إلى القضية اللبنانية ووضعها على جدول أعماله، وهذا ما ذهب ضحيته محمد شطح، لأنّ من مصلحة محور "الممانعة" ترييحه في لبنان وعدم الضغط عليه من باب "حزب الله" ودوره في اللحظة التي يخوض فيها أشرس المعارك السياسية لتحويل "جنيف 2" نسخة مكرّرة عن "جنيف 1".

رابعاً، الدخول في حكومة واحدة يعيد الأمور إلى عشية إسقاط الحكومة الحريرية مع فارق أنّ المشاركة هذه المرّة بنصاب 14 آذاري غير مكتمل، وانخراط "حزب الله" في القتال السوري، سيرتّب مسؤوليات على الحكومة مجتمعةً باستمرار العمليات والعجز عن إيقافها.

خامساً، من غير الحكمة أن تتحمّل بعض مكوّنات "14 آذار" مسؤولية التفجيرات التي لا ناقة لها فيها ولا جَمل، على رغم حرصها الشديد على وقف هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية، إلا أنّ وقفها لا يكون بالدخول إلى حكومة جامعة تتشارك فيها المسؤولية مع الفريق الآخر على أعمال وقرارات لا دخل لها فيها.

سادساً، من الخطأ الربط بين الحكومة والتفجيرات، فالأولى لا توقف الثانية، لا بل تعمّم المسؤولية والتفجير، وتشكّل تشجيعاً لـ"حزب الله" على مواصلة قتاله السوري واستمرار التفجيرات في لبنان.

سابعاً، ستضع الحكومة "14 آذار" أمام محكّ كبير لجهة كيفية إدارة المرحلة بين فريق داخل الحكومة وآخر خارجها، وبالتالي صعوبة التوفيق بينهما في ظلّ محاولة كلّ فريق إثباتَ صوابية موقفه أمام الرأي العام. فالطرف المشارك يريد تبرير خطوته وعدم الظهور بمظهر الساعي إلى السلطة أو الذي يقدّم التنازلات، وأنّه من فئة الحمائم، فيما الطرف الذي رفض المشاركة، من مصلحته استثمار موقفه شعبياً إلى أقصى الحدود. وهذا التعارض مرشّح للاتّساع في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع الممارسة.

ثامناً، الافتراق الحكومي بين مكوّنات "14 آذار" بعد الافتراق النيابي-الأرثوذكسي دليل على أنّه حتى "حزب الله" لم يعُد قاسماً مشتركاً بينها، حيث كلّ طرف بات يرى طريقاً مختلفاً للمواجهة عن الآخر، وبالتالي إعلان الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع أنّ الاختلاف الحكومي لا يعني انقساماً في "14 آذار"، هو مجرّد كلام شكليّ وتطمينيّ لا يعكس حقيقة الواقع.

التأليف سيُدخل البلاد و"14 آذار" في مرحلة سياسية جديدة ستشهد مواجهات واصطفافات من نوع آخر، وتدفع الشارع السنّي إلى مزيدٍ من التطرّف، والبلاد إلى مزيدٍ من الفوضى.

جريدة "الجمهورية" البيروتية 22/1/2014