إلى روسيا مع الحب: أوباما ورافعة الطاقة

إدوارد لوس -"فايننشال تايمز" ترجمة نسرين ناضر

أين وجد فلاديمير بوتين 50 مليار دولار لإنفاقها على الألعاب الأولمبية في سوتشي؟ اسألوا أوكرانيا وألمانيا وسواهما من زبائن شركة "غازبروم" الذين يحصلون على الغاز بأسعار باهظة.

لقد سمحت عائدات صادرات الغاز الروسية لبوتين بأن يكون أكثر جرأة وإقداماً في سياسته الخارجية، كما أنها ساهمت في تسديد تمويل الدورة الأكثر إسرافاً في تاريخ الألعاب الأولمبية الشتوية.

لا تملك الولايات المتحدة شركة تضاهي "غازبروم". لكن ثورة الطاقة الأميركية مكسب جيوسياسي كبير سوف يمكّن واشنطن من تخفيف قبضة روسيا على جيرانها. وهذه هي الورقة الأبرز التي يملكها أوباما لتغيير قواعد اللعبة في ما تبقّى من رئاسته.

تقدّم الأرقام خلف ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة حقائق دامغة. فالاحتياطيات التي ظهرت بفعل تقنية "التكسير الهيدروليكي" (المستخدمة في استخراج النفط والغاز الصخري) في الأعوام الخمسة الماضية ساهمت في خفض أسعار الغاز الطبيعي الأميركي إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أقل بمعدل الثلث من السعر الذي تتقاضاه "غازبروم" من معظم زبائنها الأوروبيين مقابل الغاز الروسي الذي يتم ضخه بواسطة الأنابيب. كما أنه أقل بكثير من خُمس السعر في معظم دول آسيا، بما في ذلك الصين. لا تزال السياسة الأميركية مسكونة بهاجس ما إذا كان أوباما سيوافق على مشروع خط الأنابيب Keystone XL لنقل النفط من كندا.

لكن أياً كان القرار الذي سيتخذه أوباما - أتوقّع أن يلجأ إلى التأجيل لأطول وقت ممكن - لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى نفط القطران الكندي. فهي تملك كمية أكثر من كافية من الغاز الصخري تتيح لها أن تصبح السعودية الجديدة في قطاع الغاز الطبيعي، كما أنها تتّجه نحو التفوّق على إنتاج النفط السعودي بحلول نهاية العقد الحالي.

الاستثمار في الغاز الصخري الأميركي أشبه بالحصول على ترخيص لسكّ العملة: فالعرض هائل والطلب غير محدود. الأسبوع الماضي، وافقت إدارة أوباما على إنشاء المحطة السادسة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. من المرتقب أن تبدأ المحطة الأولى المملوكة من شركة Cheniere Energy في هيوستن، بشحن الغاز إلى المملكة المتحدة وإسبانيا وبلدان أخرى سنة 2015. وتتقدّم عشرات الشركات الأخرى بطلبات للحصول على تراخيص لتصدير الغاز وأذون لبناء محطات. حتى بعد احتساب تكاليف التسييل والنقل عبر الأطلسي، تبقى أسعار الغاز الأميركي أقل بكثير من أسعار الغاز الروسي عند نقطة المبيع. وهناك أيضاً طلب قوي من الهند التي تعاني من عجز متزايد في قطاع الطاقة، واليابان التي أغلقت مصنعها النووي بعد كارثة فوكوشيما، وألمانيا التي أغلقت أيضاً مصانع نووية.

عندما تنطلق السفن المحمّلة بالغاز في البحر، سيكون لها تأثير متدحرج على سوق الطاقة العالمية. لكن ستحتاج واشنطن أولاً إلى التخلص من بعض العقبات التي فرضتها على نفسها. أولاً، تماطل إدارة أوباما في الموافقة على تراخيص تصدير الغاز الطبيعي المسال. بموجب القانون الأميركي، يمكن تصدير الغاز فقط إلى البلدان التي يربطها اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة.

يستطيع المصدِّرون تجاوز هذا الشرط عبر تقديم الإثبات بأنهم لا يلحقون أضراراً بالمصالح القومية الأميركية. لكنها عملية شاقّة ومعقّدة. فكلما أسرعت واشنطن في تحديث قوانينها للسماح بتطبيق تنظيمات السوق الحرة في قطاع الطاقة، بادرت الشركات بسرعة أكبر إلى الاستثمار في البنى التحتية الخاصة بالتوزيع والتسويق.

كما أن القانون الأميركي، الذي هو أيضاً من مخلّفات حقبة ماضية، يحظّر تصدير النفط الخام المحلي. يعمل أكثر من 50 مشترعاً جمهورياً وديموقراطياً من أجل إقرار مشروع قانون يجيز تلقائياً تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو). من شأن إقرار القانون أن يشكّل نقطة البداية. لكن ثمة العديد من البلدان التي لا تنتمي إلى (الناتو)، وترغب في استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا والهند.

ثانياً، يبذل أوباما قصارى جهده لتفادي المواجهات مع جماعات اللوبي الحمائية والمدافعة عن البيئة. تقول المجموعة الأولى بقيادة شركة Dow Chemical، إنه على الولايات المتحدة أن تحتفظ لنفسها بأسعار النفط الأكثر تدنياً. فمن شأن ذلك أن يشجّع على نقل المصانع الأميركية من جديد إلى الولايات المتحدة عبر خفض كلفة الإنتاج في الداخل.

إلا أن هذه الحجة تسقط عند تفنيدها. فسوف يستمرّ المصنّعون الأميركيون في الإفادة من أسعار الغاز المخفّضة حتى لو ألغت أميركا كل القيود على الصادرات - لأنّ الغاز سيظل أرخص في المصدر. كما أنه يجب عدم تصوير هؤلاء المصنّعين بأكبر من حجمهم الطبيعي. فالصناعات الأميركية ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة ليست سوى جزء صغير من قطاع الطاقة الصناعي الذي هو أيضاً أكثر غنى بأشواط في الوظائف.

ففي داكوتا الجنوبية والشمالية وأوهايو وكولورادو وتكساس، كانت للتكسير الهيدروليكي تأثيراتٌ على سوق العمل. في إحدى مناطق التكسير في كولورادو، يحاول مطعم الوجبات السريعة (ونديز) استقطاب موظفين جدد عبر دفع مبلغ إضافي قدره 500 دولار لكل موظف ينضم إلى المطعم.

يعارض المدافعون عن البيئة التكسير الهيدروليكي لأنه يتسبّب بالتلوث. فهذه التقنية يمكن أن تؤدّي إلى تلوّث إمدادات المياه، وإطلاق الغازات السامة، وحدوث نشاط زلزالي. أوباما محق في الإصرار على اتّخاذ احتياطات صارمة حتى ولو تسبّبت بتبطيء وتيرة الإنتاج الأميركي. لكن أنصار البيئة يغرقون أحياناً في التفاصيل ويُضيِّعون الجوهر. العام الماضي، تفوّق الغاز الطبيعي على (الفحم الملك) ليصبح المَصدر الأكبر للتيار الكهربائي في الولايات المتحدة. وهذا هو السبب الأساسي وراء تراجع انبعاثات الكربون الأميركية بالمقارنة مع عام 2005.

من شأن مساعدة الهند والصين وسواهما على خفض انبعاثاتهما أن يشكّل خطوة جيدة. وفي هذا الإطار، يشير أنصار البيئة عن صواب إلى أن تصدير الفحم الذي لم يعد يُستهلَك في الداخل لن يساهم في الحد من تغيّر المناخ - فلن يكون هناك فرق إذا أُحرِق داخل الولايات المتحدة أم خارجها. لكنهم مخطئون في معارضتهم للغاز. فهو الخيار الأقل سوءاً المتوافر حالياً.

ما تداعيات هذا كله على بوتين ونظرائه؟ من المعلوم جيداً - ولطالما كان مفهوماً - أن الأنظمة النفطية السلطوية تُحكم قبضتها على السياسة الداخلية عندما ترتفع الأسعار، وتبدي استعداداً أكبر لتقديم تنازلات عند هبوط الأسعار. تملك الولايات المتحدة الآن القدرة على ممارسة ضغوط قوية على أسعار الطاقة العالمية لدفعها نحو الانخفاض، ومنح أصدقائها وحلفائها خط إمدادات بديلاً. الخدمة الكبرى التي يمكن أن يقدّمها أوباما لمواطني روسيا والدول المجاورة لها هي أن يطلق العنان لثورة الطاقة الأميركية كي تجتاح العالم. إنه التغيير الذي يستطيع الجميع تقريباً أن يؤمنوا به.

"النهار" بيروت 27/2/2014

***

ملاحظة من موقع "المحرر" يمكن مطالعة النص الأصلي بالإنكليزية على الرابط التالي:

http://www.ft.com/intl/cms/s/0/6f7eecd0-94cb-11e3-af71-00144feab7de.html#axzz2uizgYRCv