طرابلس جرح لبنان المفتوح!
الياس الديري
الحالة تعبانة يا ليلى من الناقورة إلى النهر الكبير، مروراً بطرابلس الفيحاء المخطوفة منذ أشهر وسنين، وانعطافاً صوب البقاعين، فنزولاً إلى العاصمة التي تُصوْفر وحدها عندما يأتي المساء، ووقوفاً عند الضاحية الجنوبيّة التي تتعرّض لأبشع أنواع الإجرام، وحيث يسقط المزيد من الأبرياء في عداد ضحايا التفجيرات الانتحارية المقزّزة.
ولكن، حتى إذا عُرِفَت الأسباب، وعُرِفَ المسبّبون، ومَنْ هم وراءهم، ليس في يد الدولة المشلولة حيلة أو فتيلة.
وما لم يتداعَ القوم وأهل المنابر، والمتزعّمون، وأصحاب المَونة على السلاح والمسلّحين، وأولئك الذين ينتظرون الأوامر والإشارات من الخارج، فعبثاً تحاولين يا فوتين، وعبثاً ينتظرون.
وعبثاً يحاول كبار المسؤولين وكبار القوم معالجة الأحداث الأمنية المتزايدة، والمنتشرة في هذه الغابة السائبة التي كانت تُدعى سابقاً "الوطن الرسالة"، ما لم يلتقِ مَنْ يدعوهم إلى مؤتمر في بلد عربي على غرار الطائف أو الدوحة. ومع شَوْفة خاطر.
إنما هيهات أن تلتفت إلى هذا اللبنان، الذي فقد كل ما كان يميّزه، هذه العاصمة العربيّة، أو تلك الغربيّة، أو هاتيك الشرق الأوسطيّة.
لقد انفضح المسؤولون والسياسيّون اللبنانيّون، و"القياديّون" و"المتزعّمون". وليس على صنوبر بيروت فحسب، بل على كل الفضائيّات العربيّة التي يطيب لها أحياناً أن تتحدّث عن المأساة اللبنانية، والانقسامات، والولاءات، والارتباطات، والصفقات، والوزارات التي حوّلوها دكاكين خاصة ودجاجات تبيض ملايين وبقرات جفّت ضروعها من فرْط ما حلبوها.
إذاً، ماذا نقول لطرابلس الفيحاء، للعاصمة الثانية، للمدينة التي ضُرِبَت بها الأمثال في غابر السنين والأزمنة، وكانت محطة أساسيّة لكل مَن يزور لبنان، صيفاً أو شتاءً. سياحة أم ثقافة. أم كنموذج حيّ وحقيقي للانصهار الخلاّق بين الطوائف ومختلف الفئات والانتماءات؟.
أين طرابلس اليوم من هاتيك الفيحاء؟ ماذا يفعل زعماء المدينة ونوابها وقادة الشوارع والزواريب، فيما تفْرَغ المدينة من أهلها وتخلو من روّادها ومن كل ما يرمز فيها إلى الحياة والأمل؟
يجتمعون كل فترة ويضعون نصاً يتلوه وجيه أو متقدّم، وانتهى الأمر: طرابلس جرح لبنان المفتوح.
في هذا الوقت تقع الواقعة على الناس العاديّين والبسطاء الذين لا يملكون شروى نقير. والحصّة الكبرى في الخسائر والضحايا تكون دائماً من نصيب الجيش.
أمْن الشمال، بل أمْن لبنان كلّه مرتبط بالوضع المتأزّم والمتفجّر في طرابلس. فالفيحاء ليست بعيدة من بيروت أو صيدا أو صور. ولا هي معزولة عن البقاعين. ولا حاجة إلى شرح يطول.
لا تعالَج الحروب الكبرى أو الصغرى بكفوف من حرير، بل بقرار من فولاذ وصوت من نحاس أو حديد.
"النهار" البيروتية 23/1/2014