أميركا تعاود اكتشاف لبنان!

الياس الديري

بادئ ذي بَدء، لا تزال المظلّة الدوليّة في مكانها، وعلى موقفها، مع قرارها الحاسم بحماية لبنان الكيان والدولة والصيغة من إعصار الانهيار والفراغ و.. الاندثار.

ثم لندَعْ جانباً أصحاب الشهوات المفتوحة على كل شيء، ومعهم أولئك الذين صعد البخار بكثافة إلى رؤوسهم فارتكبوا ما لا يُنسى أو يُمحى من الأخطاء والأفعال.

ولندخل في صلب الموضوع الحكومي الذي آن له أن يغادر البرّاد بعد عشرة أشهر من التسويف والمماطلة وزرع العراقيل والألغام، وعلى خطين متوازيين.

المفاجأة الجديدة متفرّعة، ومتعددة الاتجاه والهدف، لقد أعادت الإدارة الأميركية اكتشاف لبنان، بعد طول نسيان وطول إهمال، حتى كاد المعنيون من السياسيين والمسؤولين والصحافيين يحبّرون رسالة شوق إلى طلّة من طلاّت ديفيد ساترفيلد الذي طالما انتشل الزير اللبناني من البير.. وهو يتمايل ضحكاً في هذه الوليمة أو تلك، بينما بقي الزير في البير إلى يومنا هذا.

هذا الاكتشاف المجدّد، أو المكرّر المعجّل، أو المرادف للمخمّس مردود، يقوده اليوم السفير ديفيد هيل.

وكما لو أنه يحمل توصية رئاسية من باراك أوباما تلحّ عليه بـ"المساهمة" في حل مشكلة المشاكل المتعلّقة بتأليف حكومة لبنانية جامعة يشترك فيها "حزب الله"، وتقلّع من دون تأخير.

والقصة ليست كلها هنا عند هذه النقطة الأساسيّة والجوهريّة، إنما تشمل أيضاً الاستحقاق الرئاسي وتستعجل إجراء الانتخابات الرئاسية، دون إبطاء أو تأجيل أو عرقلة. هذه اللفتة بكونها بذاتها، لَعَمري، من شأنها طمأنة فريق من اللبنانيين إلى أن لا فراغ على المستوى الرئاسي، ولا فراغ حكومياً، ولا "فوضى خلاّقة" تستبيح الوطن الصغير برسم التنظيمات الإرهابية، ورُسُل التطرّف والتكفير والتخريب.

والرئيس نبيه بري ليس بعيداً من هذه الأجواء، فهو مستعجل أيضاً.

وفي الوقت ذاته إياه تدفع الفأر ليلعب مجدّداً وكثيراً في أعباب فئة جافاها النوم والنعاس منذ أشهر، وسنوات ربما، بسبب الرئاسات، وإليها حقائب الدجاج التي تبيض ذهباً، معطوفة على البقرات الحلوب.

ولِمَ لا؟ ما الذي يمنع تشكيل حكومة خلال ساعات، ثم الانصراف بكل جدية وتأنّ إلى تهيئة الأجواء الملائمة لاختيار رئيس صالح، مشهود له بتاريخ ناصع وتجارب مسؤولة قدّم خلالها شخصيّة مميّزة للمركز الأوّل في البلاد، والذي يحتاج إلى رجالات بهذه الصفات؟

وخصوصاً من حيث الاعتدال والانفتاح، ومعرفة العالم العربي وأسلوب التعامل مع العرب ومع الدول العظمى.

المطلوب حكومة تُرضي لبنان لا تُرضي.. الشهوات!

"النهار" البيروتية 28/1/2014