مصيبة مكافحة الإرهاب تجمع أميركا وروسيا وتفرض قيام أنظمة شعبية وقوية لضربه
اميل خوري
هل بات الخوف من الإرهاب الذي أخذ يضرب في كل مكان ومن دون تمييز بين يمين ويسار وبين دين وآخر هو الذي يجمع الدول الكبرى على مكافحته بشتى الوسائل، وإقامة أنظمة قوية في دول المنطقة تستطيع ذلك؟
لقد لجأت الولايات المتحدة الأميركية في الماضي إلى الأصولية الإسلامية لمحاربة الشيوعية وإذ بهذه الأصولية ترتد على الولايات المتحدة وعلى أوروبا وروسيا وتبلغ حد وصولها إلى السلطة في بعض دول المنطقة، فكان لا بد من اتفاق دولي ولا سيما أميركي – روسي لمكافحة هذا الإرهاب المدمر لحضارات الشعوب بدءاً بإقامة حكم قوي في الدول التي تستورد الإرهاب أو تصدّره وهو ما يجري العمل له في ليبيا وتونس واليمن والعراق وأفغانستان ومصر وسوريا، وقد صار دعم حكومة نوري المالكي في العراق لهذه الغاية في انتظار الانتخابات الجديدة، ودعم الحكم الذي سينبثق من الانتخابات النيابية بعد الاستفتاء الشعبي على الدستور في مصر، وأن حل الأزمة السورية سيبنى على إقامة حكم قوي فيها يستطيع مكافحة المنظمات الإرهابية بمختلف أشكالها، وهذا الحكم لا يقوم إلا بتحالف بين الزعماء الذين يمثلون غالبية الشعب السوري، وليس زعماء طرف واحد سواء كان الطرف الحاكم حالياً أو كان الطرف المناهض له، وهو ما يجعل البحث يدور حول حكومة ائتلافية وإن انتقالية تجمع كل القوى الفاعلة في البلاد لتكون قادرة على وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية ثم رئاسية، يساندها جيش قوي قادر على حفظ الأمن والاستقرار وضرب كل مخل به فلا يتكرر ما حصل في العراق وما يحصل في ليبيا وفي غيرهما من الدول في المنطقة لأن المطلوب هو الأمن والاستقرار كي ينمو الاقتصاد ويزدهر ولا تعود الحاجة والفقر والقهر تولِّد العنف والإرهاب ويسهل اصطياد العاطلين عن العمل والمحرومين للقيام بهذه الاعمال.
لذلك فإن الحل في سوريا لن يكون لحكم فريق واحد بل لحكم كل الأفرقاء الأقوياء الذين لهم تمثيل شعبي، إلى أن تجرى انتخابات حرة تأتي بهم صناديق الاقتراع.
إن موجة الإرهاب التي تقوى وتشتد وتمتد لتضرب حتى داخل أراضي الدول الكبرى باتت مواجهتها في حاجة إلى حلف جديد يجمع اليمين واليسار لأنه إرهاب يهددهم جميعاً ويوقف حركة الأعمال والاقتصاد والمال في كل دولة ويجعل الفقر والبؤس واليأس بيئة حاضنة وصالحة لتوليد الإرهابيين في كل دين ومجتمع.
لقد كانت "اسرائيل" مدى ستين عاماً هي العدو المشترك للعرب والفلسطينيين، إذا بالإرهاب يصبح هو هذا العدو المشترك لكل المجتمع العربي والدولي ولـ"اسرائيل" بالذات وسيكون لإيران دور في المشاركة بمكافحة هذا الإرهاب الذي ستجتمع على ضربه كل قوى الاعتدال في العالم. وهذا العدو المشترك هل يعيد لمحاربته حكم الأنظمة العسكرية التي قامت في الماضي لمحاربة الشيوعية وإرجاء إقامة الأنظمة الديموقراطية ولو إلى حين، خصوصاً في الدول التي لم تتهيأ الشعوب فيها لممارستها فتأتي بالأصولية إلى الحكم كما حصل مرة في الجزائر وفي فلسطين المحتلة وكما حصل أخيراً في تونس ويجري الآن تصحيح هذا الوضع فيها وفي مصر بإقامة أنظمة ديموقراطية تحميها جيوش قوية قادرة على إخضاع مجموعات العنف والإرهاب التي لا سبيل في ظلها لأي ازدهار ونمو بل فقر مدقع وظلم شديد لا يحتمل.
هل يمكن القول أن الاتفاق الأميركي – الروسي يجمع حوله دول العالم الراغبة في محاربة الإرهاب وضربه في منبعه ومصبه قبل أن يشتد ساعده ويتمدد ويصبح من الصعب التغلب عليه إلا بعد دمار شامل؟ ومحاربة هذا الإرهاب تبدأ بدعم قوى الاعتدال في كل دولة تنخرها سوسة التطرف الديني والعمل على اقتلاعها قبل أن تنمو وتنتشر في جسم كل مؤسسات الدولة، وقد بدأ دعم هذه القوى في عدد من دول المنطقة، وما انتخاب "الشيخ" حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإيرانية بأصوات أكثرية شعبية واسعة سوى البداية ويلي ذلك حل الأزمة السورية بإقامة حكم المعتدلين الممثلين لكل القوى الحية، وهذا ما هو جار في مصر وتونس وليبيا وما سوف يجري في لبنان. فمصيبة الإرهاب هي التي تجمع كل القوى المعتدلة في كل دولة لأن تفرّق هذه القوى يجعل التطرف الموحد تنظيماً وعقيدة يتغلب عليها. وهل يمكن القول أيضاً أن الحرب بدأت بين قوى التطرف والإرهاب وقوى الاعتدال في المنطقة حيث منبعها تنظيماً وتمويلاً وتسليحاً ومنها يتم تصديرها إلى دول العالم، ويقود الاتفاق الأميركي – الروسي هذه الحرب بإقامة حكم قوي في كل دولة في المنطقة يدعمه جيش قوي وأكثرية شعبية واسعة تتوق إلى العيش بأمن وأمان وإلى حياة حرة كريمة.
"النهار" البيروتية 21/1/2014