لبنان في مهبّ الرياح العاصفة
الدكتور فوزي زيدان
يعيش اللبنانيون هاجس الخوف والقلق على مصيرهم ومصير عائلاتهم بسبب الأوضاع المأسوية في لبنان، نتيجة الخلافات السياسية الحادة بين الفريقين السياسيين الرئيسين على ملفات وطنية وإقليمية، خصوصاً سلاح "حزب الله" وتحوله من مقاومة "اسرائيل" إلى قوة ضاغطة ونافذة في الداخل اللبناني تعوق مسيرة الدولة وتؤثر في قرارها الوطني، والموقف من الأزمة السورية من مؤيد للنظام السوري ومشارك في القتال إلى جانبه، وبين مساندة للثورة السورية وداعم لها. وأدت الخلافات الى تأزم سياسي وشلل في المؤسسات الدستورية، فالحكومة المستقيلة منذ أكثر من تسعة أشهر ما زالت تصرف الأعمال، ويتقاذف وزراؤها التهم بالفساد عبر وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، والرئيس المكلف بتأليف حكومة جديدة النائب تمام سلام لم ينجح حتى الآن في تأليف حكومة تحظى برضى اللبنانيين وثقة مجلس النواب بسبب العراقيل التي يواجهها أفرقاء عدة، خصوصاً من فريق "8 آذار" الذي يرفض حكومة لا يكون له فيها "الثلث الضامن" أو بالأحرى "الثلث المعطل"، كي يبقى ممسكاً بقرارها ومتحكماً بأدائها.
كما أن المجلس النيابي الذي مدد اعضاؤه ولايتهم اشهراً بسبب عجزهم عن التوافق على قانون انتخابات يرضي كل الأطراف اللبنانيين، غير مبالين بمعارضة غالبية اللبنانيين لهذه الخطوة المشكوك بدستوريتها. وكانت ذريعة النواب في التمديد الوضع الأمني الهش، والحصول على الوقت المريح لإقرار قانون جديد يحقق تطلعات اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين، في التمثيل النيابي الصحيح. وبدلاً من أن ينكب النواب على إنجاز قانون انتخابات متطور وعادل، إذ باهتماماتهم تتجه نحو دستورية اجتماعات مجلس النواب للبحث في جدول أعمال فضفاض وضعه رئيس المجلس نبيه بري في وجود حكومة مستقيلة، وكأن هذا (الجول) وضع للنيل من موقع رئاسة مجلس الوزراء أو لتحويل الأنظار عن قانون الانتخابات أو لغاية في نفس يعقوب، وأدت هذه التجاذبات إلى شلل كامل في أعمال المؤسسة التشريعية. وعوض أن يسعى المسؤولون إلى إيجاد حل لهذا المأزق ويهتموا بالقضايا الاقتصادية والحياتية والخدماتية للمواطنين، إذ بهم ينصرفون إلى المهاترات والمناكفات وكيل الاتهامات بعضهم ضد بعض. وزاد في الطين بلة اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وصراع القادة الموارنة وحلفاء كل منهم على الموقع الدستورية الأول في الجمهورية.
ويواكب التجاذبات السياسية الفلتان الأمني في مناطق لبنانية عدة، من تفجير سيارات مفخخة في أحياء مأهولة وأماكن عبادة ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، واشتباكات طائفية متقطعة في طرابلس وتوترات أمنية في بلدة عرسال وضواحيها يطغى عليها الطابع المذهبي، واعتداءات متكررة على الجيش الذي يضع اللبنانيون عليه الآمال في حمايتهم والمحافظة على وحدتهم الوطنية. وزاد في توتير الأوضاع الامنية والشحن الطائفي مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري، بداية بذريعة "حماية اللبنانيين الشيعة" القاطنين في القرى الحدودية داخل سوريا، وبعدها من أجل "حماية المزارات الشيعية"، وأخيراً لمنع "التكفيريين" والسيارات المفخخة من دخول لبنان. وتقع هذه الذرائع في خانة تخويف الشيعة في لبنان من المستقبل القاتم الذي ينتظرهم إذا انتصرت الثورة السورية، ورص صفوفهم وراء الحزب، بينما يعرف القاصي والداني أن تدخل الحزب في سوريا كان نتيجة قرار إيراني من أجل منع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران.
وأدت مشاركة "حزب الله" في القتال ضد الثورة السورية التي تدعمها غالبية سنة لبنان إلى شرخ كبير بينهم وبين الشيعة قارب حدود الفتنة. والخوف من أن يفشل مؤتمر "جنيف 2" في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ما سيؤدي إلى إطالة أمدها، بالتالي إلى انغماس لبنان واللبنانيين أكثر في وحول الحرب السورية بحيث تكون تداعياتها كارثية على الوحدة والاقتصاد الوطنيين. وما قد يزيد في هول الكارثة تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى لبنان الذي فاق عددهم اليوم المليون لاجئ، ويشكل وجودهم ضغطاً كبيراً على الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في لبنان، خصوصاً أنه يعيش حالة من التردي الأمني والاقتصادي، وتعجز حكومته حتى عن تأمين المتطلبات الضرورية لمواطنيها.
ودفع اليأس باللبنانيين، وخصوصاً النخب فيهم، من حالة عدم الاستقرار في البلاد منذ الاستقلال إلى البحث عن صيغة جديدة للنظام أو الكيان، تؤمن لهم ولأولادهم وأحفادهم الأمن والاستقرار الدائمين، بدلاً من الحروب والاضطرابات الأمنية التي يتعرض لها الوطن كل بضع سنين.
وخلاصة القول إن تداعيات التجاذبات السياسية والاضطرابات الأمنية كثيرة منها، تفتت الوحدة الوطنية، هروب الاستثمارات، غياب السياح، ركود الحركة الاقتصادية، هجرة الشباب من أصحاب الكفايات إلى بلاد يحظون فيها بالعمل والأمن والاستقرار. فإلى متى يبقى لبنان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وإلى متى تبقى الطبقة السياسية فيه مرتهنة للخارج وغافلة عن قضايا الداخل وهمومه؟
"النهار" البيروتية 3/1/2014