لبنان بلد التناقضات والله يستر من الآت

فؤاد الحاج

قيل أن الأزمة اللبنانية ابتدأت في حادثة عين الرمانة في 13 نيسان/أبريل 1975، وقيل أن "الحرب الأهلية" انتهت بتوقيع "اتفاق الطائف" 1990 الذي كرس الطائفية نصاً بعد أن كانت عرفاً، وقيل الكثير عن "الوفاق والتوافق" و"التعايش الأخوي" وغير ذلك من شعارات ابتدعت منذ 1958!!. ترى ماذا يمكن أن يقال الآن عن هذا الوطن المبتلي بقيادات أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها خارج الخدمة ومنتهية الصلاحية؟!

فها هو لبنان اليوم يعود مجدداً إلى صدارة الأحداث السياسية في العالم وليس في البلاد العربية فقط وهذا يدل على أن المقصود ليس لبنان بحد ذاته كدولة، بل أن المقصود هو لبنان الصيغة (الغير الشكل) في التعايش بين كل طوائفه ومذاهبه الدينية والسياسية والاجتماعية، في منطقة تتكالب عليها قوى الشر لتعبر من خلاله إلى ضفة استحقاقات جديدة - متواصلة لم تتوقف مذ كان لبنان، مروراً بالاستعمار التركي/العثماني إلى الاستعمار الفرنسي وصولاً إلى التدخل الأمريكي-الصهيوني المباشر عام 1974 الذي أفرز "الحرب المؤامرة" التي استمرت حوالي (16) عاماً شاركت بدعمها القوى التي يسمونها "عظمى" ودول عربية مختلفة الاتجاهات الفكرية والسياسية، والتي مات وفقد خلالها أكثر من (200) ألف مواطن إضافة للمعوقين، وانهيار الاقتصاد الوطني اللبناني، بحيث أصبحت عملته الرسمية عالة على المواطن في حملها وعدّها.

والأخطر كان تهجير عشرات الآلاف من اللبنانيين من أرضهم إلى بلاد مختلفة، وأخطر في تلك الهجرات كان تفتيت العوائل وتشريدها حيث تجد شقيق أو شقيقة في ألمانيا وشقيق أو شقيقة في أستراليا أو في الدانمارك على سبيل المثال وهكذا!. والغريب والعجيب في أمر أولئك الذين يدعون أنهم سياسيون ونواب وزعماء وقيادات في لبنان، أنهم لم يتعلموا شيئاً من تلك الحرب القذرة.

فها هم اليوم يعودون إلى نغمة ما قبل عام 1975، ولكن بصيغة يسمونها "الديمقراطية" التي تستغلها إدارة الشر الأمريكية لفرض التغييرات التي طرحتها وتغيير معالم جغرافيا الأقطار العربية وتكريس الكيان الصهيوني في ما يسمونه "الشرق الأوسط الكبير" أو "الجديد"!. وبوادر عدم تعلم أولئك الأغبياء ترد تباعاً ويومياً تقريباً في السجالات التي تنقلها وسائل الإعلام اللبنانية والعربية المختلفة الاتجاهات والآراء، والغريب في تلك السجالات نجد أن من كان مع "مؤتمر الطائف" أصبح ضده، ومن كان ضده أصبح المدافع الأول عنه، والكل يدعي أنه ضد الطائفية!!، والكل يدعي أنه مع عروبة لبنان!!.

والكل يدعي بأنه يجب أن تكون هناك علاقات مميزة ومتميزة مع سوريا!!، والكل كان مع خروج القوات العسكرية السورية من لبنان، والآن كل الذين كانوا أزلام وعملاء للمخابرات السورية وأتباع النظام السوري يشنون الحملات الإعلامية شبه اليومية ضد سوريا وضد نظامها ومخابراتها وفي مقدمهم أولئك الذين يحملون ألقاب عفى عنها الزمن، وهم يعلنون صراحة وبدون مواربة أنهم يريدون تدمير سوريا وتغيير نظامها!! وهم بقصد أو بغير قصد يلتقون مع أعداء العروبة وأعداء لبنان وفي مقدمهم إدارة الشر الصهيو-أمريكية!!.

والكل يريد "انتخابات نزيهة وحرة"!!.

والكل يعارض تقسيم المناطق الانتخابية على قواعد مختلفة من المحافظة إلى النسبية إلى الدائرة الواحدة وغيرها.

والكل كان مع إلغاء مدة الخدمة العسكرية الإلزامية!!.

والكل يدعي أنه مع تقوية الاقتصاد وتحقيق الازدهار الوطني!!

والكل يدعي أنه مع وحدة الجيش اللبناني ومع الدفاع عن الفلسطيني اللاجيء أو الضيف كما يسميه البعض، فهذا يقول "أن الجيش خط أحمر وأن دخول هذا الجيش لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين خط أحمر أيضاً"!!، فيرد عليه البيك بهجوم غبي شامل بعد أن أعلن في أكثر من مناسبة عبر الفضائيات أنه مع "دخول الجيش للمخيمات لفرض الأمن والسيطرة عليها"، ليعود ويؤكد بتناقض واضح وصريح أنه لا يؤيد دخول الجيش للمخيمات وأنه مع حماية الأخوة الفلسطينيين اللاجئين وأنه يترك حل أمر تلك المعضلة للحكومة ولقيادة الجيش!!

وكل هؤلاء وأولئك يساهمون في تدمير الاقتصاد اللبناني بعد أن رهنوا لبنان لصندوق النقد والبنك الدوليين.

وكي لا نتحدث عن الكل بماذا يفكرون وماذا يريدون، أعتقد أنه من الأفضل أن يتم سؤال المواطن ماذا يريد وماذا لا يريد في الوقت الذي يموت فيه هذا المواطن على أبواب المستشفيات في حال إذا نجح في الوصول إلى أبوابها!! لأن هذا المواطن لا يقبل أن يدافع عن وطن لا يجد فيه مشفاً ودواء له ولعائلته، ولا يمكنه الدفاع عن وطن لا يجد فيه لقمة عيش أو مأوى له ولأولاده، ولا يجد فيه قضاء عادلاً يأخذ له حقه من المعتدي عليه، ولا يجد فيه نائباً أو زعيماً أو حاكماً يحس مع الطبقات المحرومة والفقيرة والكادحة التي لا تجد قوت يومها سوى بشق النفس، ولا يجد فيه حقوقه الضائعة.

المواطن لا يريد أن يدفع ضرائب تذهب إلى جيوب نواب ووزراء بدلاً من صناديق الدولة. المواطن لا يريد أن يكون بلده وحكامه تابعين مذلولين للأجنبي.

المواطن لا يريد أن يكون وطنه مرتهناً لصندوق النقد والبنك الدوليين.

المواطن لا يرد أن يكون وطنه عالة عليهم بدلاً أن يكون وطناً جامعاً لكل مواطنيه.

المواطن يريد أن يستثمر خيرات وطنه وأرضه لعيش حر كريم، لا أن يستغلها وزير أو نائب أو عصابة حرامية، يستقوي عليهم.

المواطن يريد قانون ضمان اجتماعي يقيه من شر العوز والفاقة، لا أن يموت دون أن يجد مدفناً له في وطنه.

المواطن يريد قانوناً عادلاً شاملاً لا كبيراً أمامه ولا صغير، الكل أمامه سواسية.

المواطن يريد وطناً للحريات لا وطناً مقيداً لها.

المواطن يريد وطناً لجميع مواطنيه لا وطناً لعوائل وأفراد.

المواطن يريد أن يجد عملاً يرتزق منه في وطنه، لا أن يصبح فيه رزقه مرتهن بأمر من هذا النائب أو الزعيم أو الوزير.

المواطن يريد أن يجد مدرسة لتعليم أولاده الأخلاق والقيم، والدين والتاريخ والجغرافيا، لا مدرسة "أه ونص" و"يا ليل يا عين" و"قلبي دليلي" و"بدنا نتجوز عالعيد" و"ستار أكاديمي" و"قسمة ونصيب".

المواطن يريد أن يعيش كريماً حراً كما خلقه الله تعالى كي لا يصبح كافراً في وطن اسمه لبنان، تغنى به الشعراء في قصائدهم.

المواطن يريد أن يكون سيداً في أرضه، لا عبداً مقهوراً يفتش عن أقرب سفارة تمنحه تأشيرة خروج لاعناً كل الطبقات التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه، في وطن قيل عنه ذات يوم أنه "سويسرا الشرق"!!.

المواطن يريد حكومة تلبي رغباته لا رغبات الخارج.

المواطن يريد أن يأكل من ثمر وخيرات بلاده بأسعار معقولة ومقبولة تتوازى مع دخله المحدود، لا أن تباع تلك الخيرات والثمرات إلى الخارج وينتظر هو خيرات وثمرات الآخر وبأسعار توازي عصر الجنون والغطرسة الصهيو-أمريكية.

المواطن يريد أن يكون إنساناً في وطنه لا بيدق شطرنج بيد اللاعبين في وزارة هذا الحرامي أو ذاك.

15/2/2014