منطقة الخليج وتغيرات الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية الجديدة

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

هناك مجموعة من التطورات التي تشهدها منطقة الخليج على الصعيدين الأمني والعسكري تستدعي إعادة قراءتها من جديد، وهي:

- خروج العراق بدءاً من عام 2003 من دائرة التفاعلات الإقليمية بما أحدث خللاً كبيراً في التوازن الإقليمي وأفسح المجال أمام إيران لاختبار قدرتها على فرض السيطرة والنفوذ على منطقة الخليج بأساليبها المعروفة (التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، استغلال الأوضاع السياسية والأمنية الحرجة في سوريا ولبنان والعراق واليمن لتقويض أمن منطقة الخليج).

- محاولات إيران تصفير خلافاتها مع الولايات المتحدة والغرب بعقد اتفاق نووي لحل أزمة برنامجها النووي الإيراني المثير للجدل أو - على أقل تقدير - كسب الوقت لتحقيق مكاسب عدة على رأسها إلغاء العقوبات الدولية الجماعية والفردية المفروضة عليها أو تجميد بعضها بما يفسح المجال أمام تقوية اقتصادها وتخفيف الضغوط على الإمدادات السلعية والتكنولوجية التي تصب في مصلحة تطوير البرنامج النووي العسكري الذي لم ولن تتخلى عنه إيران.

- التحولات في الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية التي بدأت تتشكل ملامحها تحديداً في ديسمبر 2011 عندما طرحت الإدارة الأمريكية وثيقة تحت عنوان: (استدامة قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرينSustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense) حيث ركزت الوثيقة على مبدأ إعادة التوازن للاستراتيجية العالمية الأمريكية بالتوجه نحو آسيا - الباسفيك لمواجهة قوة الصين الصاعدة في منطقة المحيط الهادي والتي أصبحت تشكل مصدر تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة في ظل التقارب الصيني الروسي الذي استغل انشغال الولايات المتحدة بأعباء الحرب في العراق وأفغانستان خلال العشر سنوات الماضية.

وقد تجسدت هذه التحولات في: إعلان الولايات المتحدة يوم 7/1/2014 أنها ستعزز وجودها في كوريا الجنوبية، من خلال نشر كتيبة مدرعة إضافية، مكونة من 800 عنصر، مع آلياتهم المختلفة، لتشكل هذه الكتيبة قوة مدربة وجاهزة للقتال، تنتشر لتسعة أشهر، على أن تترك المعدات في البلاد، وكان وزير الدفاع الأمريكي السابق (ليون بانيتا) قد أعلن في منتصف 2012 أن واشنطن تسعى لزيادة وجودها العسكري في منطقة آسيا - الباسفيك من خلال نقل 60 في المائة من سفنها الحربية إلى المنطقة بحلول عام 2020.  

وبالإضافة إلى وجود 28 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية و50 ألفاً في اليابان، تعمد الولايات المتحدة الأمريكية، بموجب اتفاقية عسكرية جديدة موقّعة مع أستراليا، إلى إرسال المزيد من القوات إلى شمال أستراليا، ليبلغ العدد 2500 جندي أمريكي بحلول عام 2016.

- تحول نهج الولايات المتحدة في الخليج نحو نهج التسليح الهجومي لدول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من الاكتفاء السابق بالتسليح الدفاعي فقط.

- تركيز الولايات المتحدة خلال عامي 2012 و2013 على أمرين أساسيين، أولهما: تأكيد التزاماتها بتأمين الاستقرار لدول الخليج وصادراتها النفطية في مواجهة أي تهديدات محتملة سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة، وهو ما ظهر من خلال إنشاء منتدى للتعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، والذي انطلق في مارس 2012، وناقش خلال دوراته الثلاث تعزيز التنسيق في مجال الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، بما في ذلك التوصل لاحقًا إلى منظومة خليجية شاملة للدفاع الصاروخي قابلة للتشغيل بصورة مشتركة بين قوات مجلس التعاون والولايات المتحدة، والتي ستعمل كنظام متكامل للدفاع عن أراضي ومنشآت دول التعاون ضد تهديدات الصواريخ الباليستية، والدفع قدمًا بخطط تطوير التخطيط الدفاعي الموحد لمجلس التعاون، وتطوير حلول مشتركة لتأمين الأسلحة والتقنية العسكرية.

وثانيهما: تأكيد واشنطن التزامها ببناء القدرات العسكرية لدول الخليج، على نحو يسمح باستمرار تغير ميزان القوى العسكري في المنطقة بين إيران ودول الخليج لصالح الأخيرة، من خلال مبيعات السلاح؛ حيث بلغت قيمة صفقات السلاح الأمريكي إلى دول الخليج منذ 2007 حتى 2013، 75 مليار دولار، بجانب استمرار التدريبات والمناورات المشتركة.

وبإعادة قراءة التطورات السابقة نجد أنفسنا أمام حقيقتين تناقض كل منهما الأخرى:

الأولى: أنه بعد خروج العراق من لعبة التوازنات في المنطقة بفعل الغزو الأمريكي له في عام 2003 وعقد اتفاق نووي إيراني غربي فإن الولايات المتحدة أتاحت لإيران فرصة الاعتراف الدولي بها كقوة إقليمية لها القدرة على توجيه الاستراتيجية الأمنية في منطقة الشرق الأوسط عمومًا والخليج العربي على وجه الخصوص، وإيجاد مسوغات الضغط على دول المنطقة للقبول بإيران كقوة إقليمية ذات طموح نووي.

الثانية: سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى تسليح الجيوش الخليجية بأسلحة هجومية لإحداث طفرة نوعية وكمية في الاستعدادات العسكرية للجيوش الخليجية، وتأكيد التزامها كما سبق الإشارة باستمرار تغير ميزان القوى العسكري في المنطقة بين إيران ودول الخليج لصالح الأخيرة، من خلال إمدادات السلاح وإنشاء منظومات صاروخية دفاعية، فضلاً عن التدريبات والمناورات المشتركة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تريد الولايات المتحدة بالفعل؟ فعلى المستوى السياسي تفتح الباب أمام إيران لبسط هيمنتها على المنطقة من خلال تمرير الاتفاق النووي، في حين أنها على المستوى العسكري حسبما هو واضح تسعى إلى خلق تفوق نوعي في التسلح بينها وبين دول مجلس التعاون.

إن الإجابة عن هذا السؤال تؤذن بهدم كل الدراسات والتقارير الأمنية الصادرة على الصعيدين الإقليمي والدولي والتي ظلت لعقود طويلة تركز في صياغتها لمفهوم الأمن الإقليمي لمنطقة الخليج العربي على الوجود والدور العسكري الأمريكي الكبير، وتنظر إليه باعتباره الخيار الأفضل لتعزيز أمن المنطقة والتصدي لجميع التحديات والتهديدات التي تمس الأمن القومي الخليجي، بل وتؤشر إلى أننا أمام تحول جذري في الخريطة العسكرية للمنطقة.

ومؤدى هذا، أنه رغم إيجابية التوجه الأمريكي بتطوير المنظومة التسليحية لجيوش دول مجلس التعاون؛ فإن هذا يؤشر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في إعداد دول المجلس للدفاع عن نفسها دون تدخل مباشر من قبلها، وأنها تحاول إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة من خلال إحداث نوع من توازن القوى في المنطقة بين إيران من ناحية ودول مجلس التعاون من ناحية أخرى، بما يحافظ على مصالحها، ويجعلها في الوقت ذاته تتفرغ لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة في آسيا ومواجهة تمدد العملاق الصيني.

وهو ما يجب أن تتحسب له جيداً دول مجلس التعاون من وراء هذه التغييرات من خلال عدة خطوات، وهي:

1 - التخلي التدريجي عما يسمى بالحماية الأمنية الخارجية اعتمادًا على وجود القواعد العسكرية والخبراء وتبادل المعلومات في مجالات مكافحة الإرهاب والاعتداءات الخارجية.

2 - تنويع مصادر التسلح الخليجية، ولعل هذا ما بدأت تعمل به دول مجلس التعاون في الوقت الحالي، حيث بجانب شراء السعودية عشرين طائرة نقل من طراز (سي - 130) وخمس طائرات تموين من طراز (كي سي - 130) بقيمة 6,7 مليارات دولار من الولايات المتحدة الأمريكية، اقتنت أيضاً في 2013 خمس غواصات ألمانية بقيمة نحو 2,5 مليار يورو، ويمكن أن ترتفع الصفقة إلى 25 غواصة بقيمة 12 مليار يورو على المدى الطويل.

فيما تتجه قطر خلال الفترة المقبلة لتوقيع عقد لشراء طائرات (تايفون) المقاتلة لتحل محل طائرات (ميراج 2000) التي تمتلكها حالياً، كما أعربت البحرين عن رغبتها في توقيع عقد شراء 12 طائرة (تايفون) من بريطانيا، التي تشترك في تصنيع ذلك النوع من الطائرات مع ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، ليصل عدد طائرات (تايفون) التي تخدم بسلاح الجو الخليجي بشكل عام 252 طائرة.

وكما طوّرت الإمارات برنامجاً عسكرياً لتحصين أراضيها بشبكة دفاع جوي حديثة وقوية مكونة من صواريخ (باتريوت) وبطاريات (ثاد)، بلغت ميزانية سلطنة عُمان للدفاع 3،9 مليارات دولار عام 2013، مسجلة ارتفاعاً بقيمة 36 بالمائة، مقارنة بالعام 2012.

3 - ولأن صفقات السلاح وحدها لا تكفي فقد أصبح حتمياً في ظل هذه الظروف الاعتماد على استراتيجية أمنية موحدة لدول الخليج تعيد مبدأ الأمن الجماعي في المنطقة إلى مساره الصحيح بعيداً عن التحالفات الخارجية، بما يضمن حماية حقيقية متكاملة لدول مجلس التعاون، وإنشاء قوة دفاعية مشتركة تكون نواتها قوات درع الجزيرة، وصولاً إلى إنشاء مظلة عسكرية في الخليج.

وإذا كانت دول مجلس التعاون قد أخذت خطوات جدية في هذا الصدد من قبيل إقرار اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس التي تم التوقيع عليها في ديسمبر 2000، وإنشاء مجلس أعلى للدفاع في ديسمبر 2001، وكذلك إقرار القمة الرابعة والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون في ديسمبر 2013 إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، وإنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، فإن الأمر يقتضي التسريع من تلك الخطوات لتواكب المتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية وما تحمله من تحولات محتملة في التحالفات الدولية والإقليمية.

18/2/2014