تعيين نيكلسون مفوضة تجارية: حقوق الإنسان أم عقود النهب؟
هيفاء زنكنة - كاتبة من العراق
أعلنت
الحكومة البريطانية، يوم 31 كانون الثاني/يناير الحالي، تعيين البارونة أيما
نيكلسون مفوضة لرئيس حكومة المحافظين لزيادة التجارة والتعاون الاقتصادي بين
المملكة المتحدة والعراق.
تعليقاً على التعيين صرحت نيكلسون بأن العراق يتمتع "باقتصاد حيوي ومزدهر وداعم كبير للصناعة والتجارة البريطانية، علينا أن نضمن أن المملكة المتحدة تفهم هذا وتستفيد من الفرص الهائلة التي يعرضها علينا العراق". فمن هي البارونة أيما نيكلسون ولم اختيارها، دون غيرها، لهذا المنصب المهم تجارياً واقتصادياً والذي باركه السفير البريطاني لدى العراق، سايمون كوليس قائلاً بأن "نيكلسون ستجلب ثروة من الخبرة في العمل في العراق من خلال دورها كرئيس تنفيذي للمجلس التجاري العراقي - البريطاني المشترك، وأن تعيينها سيعزز العلاقات التجارية بين بلدينا"! وهل دورها في المجلس التجاري هو الذي حدد مسألة تعيينها؟
المعروف عن
أيما نيكلسون أن اكثر نشاطاتها، فيما يخص العراق، تمركزت، منذ فترة الثمانينات، على
ما يمكن تصنيفه تحت مسمى حقوق الانسان. أقول "تحت مسمى" حقوق الإنسان، لأن حملاتها،
منذ بداياتها، اتسمت بخلط الحقيقة بالأكاذيب والأكاذيب بالتضخيم الهائل. ولعل أقرب
ما يمكن تشبيهها به هو صورة وزير الخارجية الأمريكية السابق كولن باول وهو جالس في
الأمم المتحدة مفبركاً سيناريو أسلحة التدمير الشامل كسبب رئيسي لشن الحرب على
العراق. إلا أن نيكلسون تختلف عن كولن باول. ففي الوقت الذي تراجع فيه كولن باول،
بعد استقالته، عن تصريحاته عن أسلحة الدمار الشامل، نجد أن نيكلسون لا تزال تواصل
سيرورتها المثيرة للكثير من التساؤلات لتحصد ثمار تهويلاتها وفبركتها. ولعل أفضل
مثال على عملها في مجال "حقوق الإنسان" العراقي، تأسيسها (مؤسسة عمار)، عام 1991،
من أجل "الدفاع عن العراقيين المضطهدين لمشاركتهم في انتفاضة 1991 بجنوب العراق ضد
النظام، الدفاع عن سكان الأهوار في جنوب العراق ضد سياسة الحكومة العراقية العاملة
على تجفيف الأهوار، والمطالبة بتغيير النظام العراقي لأن من يحكمه مجرم حرب يستهدف
المواطنين ويحرمهم من حقوق الإنسان". هذا هو ملخص ما كانت المؤسسة تنشط من أجله،
إعلامياً على الأقل، على مختلف المستويات، بضمنها جمع التبرعات بمبالغ كبيرة والعمل
الدؤوب على حث الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية والدول الأوروبية على إسقاط
النظام العراقي بأي شكل كان.
وكانت ايما نيكلسون واحدة من أكثر البرلمانيين البريطانيين حماساً وتأثراً في "فضح جرائم نظام صدام" جنباً إلى جنب مع زميلتها النائبة العمالية (آن كلويد) التي فبركت كذبة ماكنة فرم معارضي صدام في سجن أبو غريب، عشية تصويت البرلمان البريطاني على قرار غزو واحتلال العراق.
المفارقة في مسألة دفاع البارونة نيكلسون عن "حقوق الإنسان" في العراق، وقد يقول قائل بأنها كانت نبيلة في حملاتها، اختيارها الصمت المطبق، كما لو أصابها خرس مفاجىء، حول كل انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، واليومية، التي يعاني منها كل المواطنين، تحت الاحتلال وحكوماته المتعاقبة. فبينما كانت متحدثة، لبقة، لا يجاريها أحد حماسة وعاطفة، عند الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان تحت نظام صدام حسين. ولم تكف يوماً عن إعطاء المقابلات التلفزيونية وحضور المؤتمرات وتوفير المجال لـ"المعارضة" للحديث في البرلمان البريطاني والأوروبي، نراها، بعد الغزو، صامتة إزاء حملات الاعتقال والتعذيب، إزاء حملات القتل وقلة الأمان، إزاء الطائفية وانعدام حرية الرأي، إزاء اغتيال وهجرة العلماء والأكاديميين والأطباء، وإزاء الفساد الذي جعل العراق يحتل قمة قائمة الفساد في العالم كله. أو لعل هذا ما كانت ترنو إليه؟
أنها صامتة إزاء جرائم المرتزقة والميليشيات واعتقال النساء والاعتداء عليهن واغتصابهن في معتقلات وزارة الداخلية والدفاع في ظل نظام يرأسه أمين عام "حزب الدعوة" (الحزب الذي عملت معه نيكلسون في نشاطها للدفاع عن حقوق الإنسان العراقي). والمفارقة الأدهى أنها كانت صامتة إزاء استخدام قذائف اليورانيوم على العراق ككل، واستخدام اليورانيوم مع الفسفور الأبيض على الفلوجة. وهي صامتة إزاء الزيادة المرعبة في أمراض السرطان والتسمم والتشوهات الخلقية لدى الأطفال، التي لم يعد هناك شك في مسبباتها، والتي يعتبرها الكثير من الحقوقيين والعلماء والأطباء جريمة ضد الإنسانية.
وبينما كرمها نوري المالكي في 24/1/2008 بتعيينها مستشارة فخرية له للشؤون الصحية، هاهو رئيس وزراء الحكومة البريطانية يكرمها بمنصب يتناسب مع نشاطاتها التجارية المكثفة، بعد الغزو. وكان الصحافي علي عبد الأمير عجام، قد وصف نيكلسون في مقالته "ايما نيكلسون: الثمن البخس لبارونة"، بأنها: "لم تعد سوى مجرد سمسار لشركات النفط البريطانية، بين قادة حزب الدعوة الحاكم ممن كانت بريطانيا ساحتهم "النضالية" ضد ديكتاتورية صدام، بل هي تقدم خدمات الدعاية والترويج لأولئك القادة في 10 داوننغ ستريت (مقر رئيس الوزراء البريطاني) وغيره من مكاتب السلطات البريطانية فضلاً عن مراكز قرار أوروبية وغربية لا تبدو غريبة عن كارتلات النفط الكبرى في العالم".
ويجدر بنا أن نسجل أن دائرة علاقات المستشارة العراقية ايما نيكلسون ليست مقتصرة على مركز السلطة بل تتسع لتشمل جميع حلقات المستفيدين من احتلال العراق ونهبه، كما في الحقائق التالية عن استقبال البارونة في مجلس النواب العراقي عام 2007، وهو العام الذي سبق اعتراف الاحتلال بعجزه عن قهر المقاومة العراقية، وسبق تعيينها مستشارة للمالكي. وقد جاء ذكر الحقائق مع معلومات أخرى عن البارونة في موقع "غار عشتار" الإلكتروني.
"خلال جلسة البرلمان الثانية عشرة في 3 -10-2007 وفي الساعة (11:30) صباحا وغاب عنها رئيس المجلس محمود المشهداني لأسباب لم يعلن عنها ألقت نيكلسون كلمة أمام أعضاء المجلس أعربت فيها عن تقدير ودعم برلمان الاتحاد الأوروبي لمجلس النواب والحكومة العراقية في هذه الظروف التي يمر بها العراق. وأشارت إلى تدعيم الحوار السياسي بين مجلس النواب والبرلمان الأوروبي وأكدت على دعم دخول العراق في مبادرة العهد الدولي وفي ختام كلمة البارونة اقترحت إنشاء منتدى برلماني مشترك بين مجلس النواب وبرلمان الاتحاد الأوربي. من جانبه ثمن النائب الأول لرئيس مجلس النواب خالد العطية جهود البارونة ايما نيكلسون على جهودها السابقة لدعم الشعب العراقي.
كما شكر النائب فؤاد معصوم وباسم "كتلة التحالف الكردستاني" البارونة على جهودها في مجال حقوق الإنسان وتصديها لدكتاتورية النظام السابق وعلى مواقفها الداعمة للعملية السياسية مؤيدا اقتراحها إنشاء منتدى برلماني مشترك بين البرلمانين العراقي والأوروبي. كما أشاد النائب عن الائتلاف الشيعي جلال الدين الصغير باسم المهجرين العراقيين جهود البارونة أيام النظام السابق وخاصة في منطقة الأهوار مؤيدا مقترح البرلمانين.
وطالب النائب إياد السامرائي من جبهة التوافق السنية بعد أن شكر جهود البارونة في دعم الشعب العراقي بالاستمرار بدعم مجال حقوق الإنسان في العراق والمؤسسات العراقية.
وعبر النائب حميد مجيد موسى الأمين العام للحزب الشيوعي عضو القائمة العراقية عن اعتزازه بما قدمته البارونة مؤكداً على عمق الصداقة معها. وباسم الكتلة النسوية في مجلس النواب رحبت النائب سميرة الموسوي بالبارونة معربة عن تقديرها وجهودها في دعم المرأة والطفولة في العراق.
وأشارت النائب ميسون الدملوجي عن القائمة العراقية إلى الحضور والمواقف المتميزة للبارونة في الشأن العراقي ولا سيما في مجال حقوق الإنسان والمرأة وقالت ونحن اليوم كنساء نطالبها بالوقوف معنا وأن لا تتخلى عنا".
إن تعيين ايما نيكلسون في منصبها الجديد يتماشى، في الحقيقة، مع مجمل مواقفها السياسية تجاه العراق المرتدية قناع الدفاع عن حقوق الإنسان. إنها تستثمر علاقتها الحميمة بمسؤولي "العراق الجديد" للقيام بدور الوسيط بين حكومة ساهمت في احتلال العراق ونظام قمعي طائفي فاسد يرتكب، منذ توليه السلطة، انتهاكات ومجازر لا تليق إلا بأصدقاء تجمعهم شراهة الاستغلال. إن ايما نيكلسون حين تتغاضى عن جرائم النظام العراقي وحكومتها فلأنها مشغولة عن حقوق الإنسان بحصد ثمار مشاركتها في تسويق الغزو وتبريره "إنسانياإ، لا لأنها صديقة الشعب العراقي كما بات يهلل ساسة النظام ترحيبا بتعيينها.
"القدس العربي" 10/2/2014