المقاومة الوطنية العراقية: بعد معركة الحسم ضد الأمركة وإلحاق الهزيمة بها ابتدأت
معركة الحسم ضد الفرسنة
حسن خليل غريب - لبنان
بداية
لا بُدَّ من تحديد بعض المصطلحات الخاصة بهذا الموضوع، والتي من أهمها تعريف
التناقض الرئيسي الذي يتحكم بالصراع في العراق استناداً الى تعريف هوية المعركة
الدائرة على أرضه، وإذا عرفنا أن هوية المعركة تكاد تنحصر بمرحلة (التحرير الوطني)،
تكون معركة المقاومة العراقية الآن ضد كل من احتل العراق أو أسهم باحتلاله أو ما
يزال مصراً على احتلاله بشكل أو بآخر.
وحيث إن
الاحتلال الأميركي الأم قد أعلن هزيمته وسحب الجزء الأكبر من قوته، ولم يبق منها
أكثر من عشرات الآلاف، فإنه استند لحماية مشروعه من الانهيار الكامل إلى قوتين
رئيستين، وهما:
- الأولى:
العملية السياسية التي يقودها الآن نوري المالكي، وهو الذي مثَّل جامعاً مشتركاً
بين المشروعين الأميركي والإيراني، فحصل على تأييدهما، وحظي بكل أنواع المساعدة
منهما معاً. ولذلك مثَّل رأس حربة لأطماعهما في العراق.
- الثانية:
الاحتلال الإيراني المقنَّع: إذ أنه على الرغم من عدم الإعلان عن وجود قوات إيرانية
بشكل رسمي على أرض العراق، فإنما وجود تلك القوات أمر واقع، إذ يرتدي جنود الاحتلال
الإيراني للعراق لباس الجيش الحكومي العراقي وأجهزته الأمنية الحكومية، هذا
بالإضافة إلى لباس الميليشيات العراقية المنفلتة، ولذلك استخدمنا في توصيفه مصطلح
الاحتلال المقنَّع.
واستناداً
إلى تعريفنا للقوتين أعلاه، نجد أن التناقض الرئيسي في هذه المرحلة يكاد ينحصر بهما
متحدين أكان الأمر أم منفصلين، هذا من دون أن نُغفل أن الاحتلال الأميركي الأم ما
يزال يقدِّم الدعم لهما معاً من دون أن يُقدِم على دفع حياة أي جندي أميركي، وهذا
ما يتناسب مع سياسة إدارة أوباما، أي أن تمارس أميركا احتلال العراق بشكل غير مباشر
مُتَّكِئة على عملائها وشركائها في احتلال العراق.
وهنا، ولكي
نزيل غشاوة انبهار بعض الحركات والقوى السياسية بالنظام الإيراني، لا بُدَّ من وضع
بعض المعادلات التي تكشف تلك الغشاوة، فنقول: يُعتبر احتلال دولة ما لأراضي دولة
أخرى اعتداءاً على القوانين والتشريعات الدولية والأخلاقية والإنسانية والدينية.
وهذا ينطبق على كل من يُسهِّل الطريق أمام الاحتلال، أو يشاركه، أو حتى يسكت عنه.
وهذا ما فعله النظام الإيراني في العراق. فذلك النظام قام بمشاركة أميركا في
العدوان والاحتلال، ومهَّد الطريق أمامها، وناب عنها في البقاء في العراق حتى الآن.
ولكي يصحح أخطاءه السابقة، ويُكفِّر عن جرائمه التي لا تُحصى، فما عليه إلاَّ أن
يُثبت حسن النية فينسحب من العراق الآن وليس غداً، ويرفع الغطاء عن الخونة الذين ما
يزالون مصرِّين على إنجاح العملية السياسية. والسبب أن من يقودها هم من الذين خانوا
وطنهم بالتعاون مع الأجنبي وشاركوا باحتلاله، وهم يشكلون الغطاء لما تبقى من قواته
على الأرض العراقية. وهنا، لا يفوتنا أن نُذكِّر النظام الإيراني بأنّ حال المالكي
اليوم هو شبيه تماماً بحال أنطوان لحد في جنوب لبنان قبل تحريره، إذ تصح تسمية أي
منهما بـ(نوري أنطوان لحد)، أو بـ(أنطوان نوري الماكي).
كما لا
يفوتنا أن نذكِّر النظام الإيراني بأنه حاكم وسيحاكم وسيبقى يحاكم كل إيراني يتعاون
مع الأجنبي ضد أمن الدولة الإيرانية. كما أنه سيبذل الغالي والنفيس من أجل تحرير
الأراضي الإيرانية إذا تعرَّضت لأي احتلال، فبناء عليه على النظام الإيراني أن لا
يكيل الثوابت الإنسانية والقيمية بمكيالين. ولذلك عليه أن يداوي نفسه من مرض العمى
الإيديولوجي.
ونوجِّه
نظره أخيراً قائلين: إن علاقة النظام الإيراني لن تستقيم مع الوطن العربي، جملة
وتفصيلاً، إلاَّ إذا أخذ بعين الاعتبار المعادلة الإيديولوجية التالية: بين
إيديولوجيا التوسع على حساب الآخر، كما تؤمن (ولاية الفقيه)، وإيديولوجيا احترام
الحق بتقرير المصير، كما تؤمن الإيديولوجيا القومية، مسافة من التناقض إذا ظلَّت
سائدة فستبقى عوامل التنافر أقوى من عوامل التلاقي، وبالتالي ستبقى العلاقات
العربية الإيرانية على حدود الاحتراب والتوتر الدائم.
أما إذا
قَبِل نظام ولاية الفقيه أن يتبنى خياراً للشعب الإيراني داخل حدود إيران، فسوف
نحترم هذا الخيار، وساعتئذٍ ليس من حقنا أن نتدخل بشؤونه الداخلية على قاعدة حق
الشعوب بتقرير مصيرها، ويقتضي هذا المكيال القيمي أن يحترم النظام الإيراني حق
الشعب العراقي بتقرير مصيره من دون تدخل منه. أما وأنه قام بالتعاون مع الاحتلال
الأميركي، وما يزال ضالعاً حتى الآن، فهذا ما يؤكد أنه لا يعترف للشعب العراقي بحق
تقرير المصير.
وإن إصراره
على مواقفه بالبقاء في العراق بثقل سياسي وأمني كبير، وانخراطه ميدانياً في دعم
حكومة المالكي الذي يواجه الانتفاضات الشعبية بكل وسائل القمع وأكثرها خِسَّة، يعني
أن هذا الإصرار تأكيد على استراتيجية تصدير نظام (ولاية الفقيه) للخارج بطرائق
صدامية إيديولوجية وعسكرية وغيرها. وهو بمثل هذه الاستراتيجية تكون أهدافه شبيهة
تماماً بأهداف المشاريع الإمبراطورية التي تعمل على التوسع على حساب إرادات الشعوب
الأخرى وحدود دولها الجغرافية والسيادية ومصالحها الوطنية.
والحال كذلك، يصبح من حق الشعب العراقي أن يقاومه بشتى الوسائل والسبل المتوفرة. وإن ثورته المسلحة التي ابتدأت منذ شهر تقريباً لن تتوقف إلاَّ بتنظيف العراق من كل آثار الاحتلال الإيراني المقنَّع، وإزالة كل آثار لعملائه المنضوين تحت خيمة (العملية السياسية).
المشهد
الراهن في العراق معركة تحرر وطني تقودها المقاومة العراقية
كانت هذه
المقدمة مدخلاً لمعرفة ما يجري الآن في العراق، وهو التصادم الحاد بين المشروعين:
الوطني العراقي، الذي تمثله المقاومة الوطنية العرقية، والمشروع التوسعي الذي يمثله
نظام (ولاية الفقيه) في إيران.
وأما القول بأن للعراق حكومة يقودها المالكي على قاعدة نتائج انتخابات عراقية، فهو مردود على أصحابه لأن المالكي وما يمثل ارتكبوا فعل الخيانة الوطنية بحق العراق إذ ساندوا الاحتلال الأميركي ويساندون الاحتلال الإيراني المقنَّع، ولأن أي احتلال باطل وكل ما بُني في ظله وحراسته باطل أيضاً. وبما أن (العملية السياسية)، التي يقودها المالكي، كانت من صنع الاحتلال فهي إذن عملية باطلة يجب إسقاطها ومحاربة كل من يساندها بشكل معلن أم غير معلن.
سلمية
الانتفاضة تنتقل إلى ثورة شعبية مسلحة منذ أواخر العام الفائت، وبعد جولات مكوكية
لرئيس حكومة الاحتلال في العراق، عاد بوعود أميركية وإيرانية لمساندته في القضاء
على الانتفاضة في الأنبار، وسارع إلى تنفيذ الأمر مبتدءاً بالرمادي. ولكن لم تكن
حسابات حقله متطابقة مع محاصيل بيادر المقاومة، حيث إنها كانت قد وعدت بحماية
الانتفاضة، وما إن بدأ المالكي بتنفيذ مخططه حتى أوفت المقاومة وعودها ونزلت إلى
الشوارع تدافع عن الجماهير المنتفضة بدءًا من الرمادي والفلوجة وسامراء وأبي غريب
والموصل وبغداد، وغيرها، ... وقد عمَّت الثورة المسلحة أرجاء العراق، ولم تستثنِ
الثورة المحافظات الجنوبية وإن كانت بزخم أقل. وبإصرار المالكي على متابعة تنفيذ
وعوده لأميركا وإيران، عمَّت الصدامات المسلحة معظم المدن العراقية الرئيسية منها
والفرعية.
وبذلك انغرزت جنازير دبابات الجيش الحكومي والقوات الخاصة ذات المهام القذرة في شوارع المدن وبياديها وصحاريها. وتكاثرت أعداد القتلى من الجنود ممن أصروا على المواجهة، وتكاثرت أعداد الهاربين منهم، وكذلك الذين سلَّموا أنفسهم بأسلحتهم للثوار. كما تكاثرت أعداد الآليات التي تم تدميرها أو التي استولى عليها مقاتلو المقاومة من أبناء العشائر، وغيرهم من فصائل المقاومة العراقية ممن انضووا تحت لواء جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني.
الثورة
المسلَّحة تدخل ميادين التنظيم الثوري المبرمج
منذ أوائل
العام الحالي تطورت الأوضاع بشكل متسارع ولافت للنظر على صعيد أداء المقاومة
العراقية، وترافقت مع تعتيم إعلامي على حركتها من جهة، والعمل على تشويه صورتها من
جهة أخرى. وبعد صدق وعد المقاومة بحماية الانتفاضة ازداد منسوب أداء الإعلام
المعادي أيضاً، فألصقت المؤسسات الإعلامية المعادية بتلك الانتفاضة تهمة الإرهاب،
فنسبتها إلى (داعش) و(القاعدة)، واتهمت قوى خارجية بدعمها. وبلغ مستوى التضليل
الإعلامي حداً كاد المشاهدون المتتبعون لأخبار العراق يروجون لتلك التهمة بقصد أو
بغيره. كما أخذت تلك المؤسسات تصوِّر حكومة الاحتلال في العراق كأنها الضحية التي
تتعرَّض للإرهاب. وهذا ما كاد يغطي على جرائمها وينفي تهمة العمالة والقمع والخيانة
عنها.
وإذا كانت
تلك إحدى الصور التي يعمل كل من الاحتلالين الإيراني والأميركي لإلصاقها بالثوار
العراقيين، فإنما المقاومة بدورها، وضمن حدود إمكانياتها وإمكانيات الداعمين لها،
قامت بمجموعة من الإجراءات والقرارات التي أخذت طريقها للتنفيذ على الصعيدين
العسكري والإعلامي والسياسي.
- فعلى
الصعيد العسكري أعلنت قيادة المقاومة عن تشكيل (المجلس العسكري العام)، الذي انضوت
تحت لوائه عشرات المجالس العسكرية في كل المحافظات التي ترتبط به وتتقيد بتعليماته.
وشكَّلت المجالس العسكرية الفرعية إطاراً تنظيمياً يقود كل مجلس منها حركة الثوار
في منطقته الجغرافية. وبدوره شكل المجلس العسكري العام المرجعية القطرية التي
تنسِّق بين فعاليات المجالس العسكرية الفرعية.
وهذا ما
أشار إليه المجلس العسكري العام في بيانه الأول، وجاء فيه مخاطباً الشعب العراقي
قائلاً: (أن أبناءكم في هذه المجالس قد بدأوا بالتواصل والتنسيق فيما بينهم منذ
اللحظات الأولى لانطلاق الثورة المباركة، ونبشركم بأن هذه الاتصالات بين المجالس قد
تتوجت هذا اليوم بالاتفاق على تشكيل مجلس عسكري موحد باسم (المجلس العسكري العام
لثوار العراق) الذي يضم كل المجالس العسكرية في محافظات العراق).
وأما على
الصعيد الإعلامي فقد فقد شكَّلت المقاومة (اللجان الاعلامية للدفاع عن العراق)،
وحدَّدت أهدافها، كما جاء في إعلان التشكيل، بما يلي:
(بالنظر
لتصاعد الهجمات الشرسة ضد شعب العراق ونضاله العادل من أجل التحرر من الغزو
الأمريكي والإيراني، وبروز حملات إعلامية تشوِّه حقيقة الانتفاضة الوطنية العراقية
وتتهمها بالإرهاب، فقد تقرر إنشاء اللجان الإعلامية العالمية للدفاع عن العراق،
في الوطن العربي والعالم، لتقوم بفضح التآمر المتعدد الأطراف على العراق
وشعبه وحريته وتهديد مستقبله).
وترجمة
للقرار، فقد تأسست حوالي عشرين لجنة إعلامية فرعية، واتخذت من الوسائل الإلكترونية
منبراً لها. ولشدة تأثيرها فقد لجأت القوى المعادية إلى محاولة تعطيلها بأكثر من
وسيلة.
وأما على
الصعيد السياسي، فقد أعلنت المقاومة عن تشكيل (المجلس السياسي العام لثوار العراق).
وبه يكتمل الهيكل التنظيمي للثورة العراقية.
وقد جاء في
بيانه الأول الذي أعلنه، بتاريخ 22/1/2014، ما يؤكد نهجه الديموقراطي، (وقد تم عقد
مؤتمر للمجالس العسكرية لثوار العشائر من أكثر من (٤٥) مجلساً عسكرياً موزعة على
جميع محافظات العراق من شماله إلى جنوبه وتم تكليف عدد من الخبراء الوطنيين ورجال
الدين وشيوخ القبائل والعشائر العراقية بمختلف أطيافها، وذلك لتحديد متطلبات
المرحلة الحالية في تثبيت أركان هذه الثورة المباركة).
وأعلن
البيان أهم الأهداف من تأسيسه ولخَّصها بالتالي:
- العمل
على إسقاط الحكومة العميلة الطائفية الفاسدة بكل الوسائل المشروعة.
- الحفاظ
على الوحدة الوطنية لكافة مكونات الشعب العراقي.
- ضمان عدم
حدوث فراغ سياسي بعد إسقاط الحكومة العميلة.
وبمثل هذا المشهد تكون الثورة العراقية المسلحة قد أثبتت وعيها وقدرتها على التخطيط السليم، وحازت على شروط الثورة الفعلية، وذلك بإعلان ثلاثية نجاح الثورات: وحدة الهدف ووضوحه. وحدة القيادة ووعيها. ووحدة الوسائل وتكاملها.
23/1/2014