حراك أردني واسع لإسقاط خطة كيري

د. حسن. م. طوالبة

رغم أن خطة جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة لم يكشف عنها النقاب بشكل كامل وصريح، وكل ما يقال هو تسريبات إلى وسائل الإعلام أو استنتاجات مما سبق من تصريحات واتفاقات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، وإدراكاً مما يجري على أرض الواقع في الضفة الغربية من اعتقالات للفلسطينين وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وبالذات داخل مدينة القدس الشرقية على حساب المنازل العربية التي تهدم وفق قوانين صهيونية جائرة.

إن ما نشر حول الخطة وبالذات من قبل وسائل الإعلام الغربية فيه قدر من المصداقية لما سيتم فى القريب العاجل فها هو الصحفي الأمريكي (فريدمان) يكتب فى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم الخميس، 30 يناير 2014 حول خطة كيري وما نشرته (القدس العربي) من تسريبات من داخل البيت الفلسطيني كلها تفيد بالآتي:

1 - إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين القمة أراضيهم داخل حدود إسرائيل ومنازلهم. وأن يتم السماح لبعض العائلات الفلسطينية بجمع الشمل في الضفة ورفح وغزة، ويمنح اللاجئون حق التعويض أو الهجرة، بحيث تفتح الاردن و الدول العربية الخليجية ذات التواجد الفلسطيني فيها أبوابها لتسهيل ذلك، وإعادة تأهيلهم أو تجنيسهم، مع مناشدة عدد من دول الخليج كالسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر تمويل صندوق "حق العودة المتعلق بذلك".

2 - ضم المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية القمة إسرائيل، ولا تتضمن الخطة إخلاء مضت هذه المستوطنات، بل سيتم ضمها إلى إسرائيل مقابل تسليم الفلسطينيين أراضى بديلة. كما تتضمن الخطة تجميد المشاريع الاستيطانية المتعلقة بعدد من البؤر المقرة من قبل الحكومة الإسرائيلية ولا ينطبق هذا الإجراء على المشاريع القائمة في التجمعات الاستيطانية الكبرى الواقعة في محيط مدينة القدس وغور الأردن بما فيها مستوطنات معاليه أدوميم وزفعات جئيف وهارحوما وجيلو ونيفي يعقوف ورامات شلومو ورامات ألون وكريات أربع وكذلك المستوطنات ذات الكثافة السكانية.

3 - انسحاب إسرائيل الى حدود عام 1967، واتخاذ تدابير أمنية غير مسبوقة في وادي الأردن بحيث يبقي تحت السيطره الإسرائيلية و لعشر سنوات قابلة للتجديد، بدلاً من العشرين سنة التي أعلن عنها سابقا، أو سيطرة قوات أمريكية. وإقامة محطات للإنذار المبكر على قمة جبل العاصور في الضفة الغربية وهو ثاني أعلى قمة بعد جبل الشيخ، واحتفاظ إسرائيل بحق الرفض والمساءلة بشأن أي دخول او عبور من خلال المعابر مع الأردن (وفق ما كانت قد تضمنته وثيقة عباس بيلين الشهيرة)، إضافة إلى تسيير دوريات مشتركة على طول نهر الأردن.

4 - اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، تحت بند يقول بحق اسرائيل فى التسمية التي تشاؤها هى لـ(دولتها) أسوة بغيرها من الدول كافة، الأمر الذي يحمل اعترافا ضمنيا بيهودية إسرائيل.

5 - إعلان القدس الشرقية عاصمه لدولة فلسطين منزوعة السلاح، ومحدودة السيادة. وامتداد مناطق السلطة الفلسطينية إلى مناطق (B) و(C)، مع تبادل للأراضي المتفق عليها على جانبي الجدار العازل الذي يشكل الحدود الدائمة ما بين الدولتين.

فى المقابل، اقترح الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) أن تنفذ إسرائيل انسحابا تدريجيا على مدى 3 أعوام من الضفة الغربية المحتلة، فى إطار أى اتفاق سلام يتم التوصل إليه. وهذا الاقتراح في مقابل اقتراح صهيوني يقول بان الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية يجب ان يكون على مدى 10 -15 سنة.

ويستلهم اتفاق - الذي اوردته صحيفة (القدس العربي) اللندنية - معظم بنوده من نصوص اتفاق عباس بيلين الشهير المنعقد في العام 1995م، والتعديلات التي أجراها الكنيست الإسرائيلي عليه في حينه، إضافة إلى الرتوش الآخذة في الاعتبار مستجدات الثمانية عشر عاما الأخيرة وأبرزها ما يتعلق بالحدود الأمنية لـ(إسرائيل) على امتداد نهر الأردن، والاعتراف بيهودية الدولة، وشرعنة المستوطنات ذات الكثافة السكانية، والمياه، والحدود واللاجئين، والقدس.

ويطمح كيري آن يعلن عن توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى فى الفترة ما بين النصف الأخير من آذار والنصف الأول من نيسان القادمين.

وسواء أعلن عن بنود الاتفاق بصورة علنية أم لا، فأنه من غير المتوقع أن يتنازل الصهاينة عن خطتهم الأمنية في مثل هذه الظروف التي يعيشها العرب في ظل ما سمي بالربيع العربي، وهو وضع مثالي بالنسبة للصهاينة لفرض شروطهم على الفلسطينيين والأنظمة العربية القطرية والمتخاذلة. فأي خطة يضعها كيري أو غيرة فلن تكون أحسن شروطاً منها، in respect of للفلسطينين وللعرب، وكلها كسابقاتها ضد طموحات العرب. وضد الحقوق المشروعة للعرب التي اقرتها الامم المتحدة من قبل. ولن تكون الخطة احسن مما ورد في قرار التفسيم رقم 181 في 29/11/1947. وها هي الخطة تطرح وضع القدس الدينية أي الحرم القدسي تحت إشراف دولي تشترك فيه الأردن والسعودية.

أما عن ردود الفعل علي الخطة فالأنباء تفيد أن نتنياهو منح موافقته الأولية خطة كيري، الأمر الذي عزز الانطباع بقرب ولادة خطة أمريكية - دولية لإحداث تغيير جوهري في مسار القضية الفلسطينية.

ويبدو أن النظام الأردني في صورة تطورات اللحظات الأخيرة حيث تحادث العاهل الأردني الملك عبد لله الثاني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأبلغه بالتفاصيل. وصدر عن عمان تصريح من الديوان الملكي الأردني عن حيثيات الاتصال الهاتفي دون التطرق للتفاصيل، لكن التصريح أشار إلى أن الزعيمان اتفقا على دعم خطة ومشروع الوزير كيري وإسنادها.

أما على الصعيد الشعبي فأن الحراك الأردني على أشده هذه الأيام، إذ تنادت الشخصيات الأردنية والأحزاب والنقابات والهيئات الحراكية ومنها حراك المتقاعدين العسكريين الذين برز دورهم منذ عدة سنوات كقوة يحسب لها حساب لدى النظام، لأنه يضم أعداداً من الضباط ذوي الرتب العالية في الجيش والأمن العام والمخابرات، وجميع هذه القوى تسعى إلى:

1 - الوقوف بحزم ضد اي اتفاق سري او علني بين الفلسطينيين والصهاينة يضيع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة.

2 - الوقوف بحزم ضد اية فكرة تنادي بان يكون الاردن هو الوطن البديل.

3 - مطالبة النظام بكل هيئاته ان تكاشف الشعب الاردني وممثليه بما يجري قبل أن تصبح الخطة أمراً واقعاً.

4 - المحافظة على الهوية الأردنية من أي دس أو خلط مدبر مسبقاً.

5 - الحرص على بقاء شعار تحرير فلسطين قائما رغم كل الظروف السيئة التي تمر بها المنطقة.

6 - الإيمان الكامل بحتمية وحدة الأمة العربية، ورفض تسوية قضية فلسطين تحت شعار الوحدة.

تحت هذه الشعارات سوف تنطلق فعاليات أردنية خلال الأيام والأسابيع المقبلة في المدن الأردنية، وسوف تتوج بمؤتمر عام في العاصمة عمان يبعث رسالة شديدة اللهجة إلى النظام يحذره من مغبة الإسهام في جريمة إضاعة الحق الفلسطيني، بل عليه أن يقف ضدها بكل السبل المتاحة.

وفي كل الأحوال لن يمر أي اتفاق بين الطرفين بسلام، حتى لو نجح كيري، خلافاً لجميع التوقعات، في صياغة تسوية تكون مقبولة على الجانبين، في السلطة الفلسطينية وفي (إسرائيل) على السواء، ومن المتوقع أن تتصاعد المعارضة لمثل هكذا اتفاق، سواء من الجانبين الصهيوني والفلسطيني والعربي بعامة.

ففي الجانب الصهيوني هناك أصوات يمينية متطرفة مثل "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت، تعارض أي انسحاب من أراضي الضفة. ففي الأيام الأخيرة سجل، وعلى خلفية المفاوضات مع الفلسطينيين، انفجر جدال حاد وعلني بين بينيت ونتنياهو.

وكشفت صحيفة "معاريف"، في ما يبدو تسريباً مقصوداً من ديوان رئيس الحكومة، أن لا علاقات مبنية على الثقة بين الرجلين، وقد وصل النزاع بين الاثنين إلى ذروته، إذ أرسل نتنياهو إلى بينيت إنذاراً صارماً: اعتذر عن أقوالك، وإلا أقلت. (المصري اليوم).

وفي الجانب الفلسطيني هناك المنظمات المحسوبة على التيار الإسلامي مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، فلن يمر أي اتفاق دون رد فعل يقلب الأمور رأساً على عقب. ولا سيما أن الفصيلين يملكان من القوة العسكرية ما يعكر صفو أي اتفاق على حساب الحق الفلسطيني.

hassan_tawalbh@yahoo.com

2/2/2014