سنوات الجمهورية العربية المتحدة هي وحدها "ربيع العرب"

بقلم: المحامي حسين مجلي

لا جدال أن فكرة الوحدة العربية في الوطن العربي مرادفة لفكرة الحياة وأن مسألة الوحدة مسألة حياة أو موت وأنه لا معنى للسياسة في الوطن العربي بالنسبة للعرب جميعاً إن لم تكن الوحدة العربية مضمونها ومحتواها. وأن الذين حرمونا دولة العرب الواحدة، حرمونا الحياة، وفي ذكرى ميلاد الجمهورية العربية المتحدة من المفيد أن نذكر، فالذكرى تنفع المؤمنين بدولة العرب الواحدة، ولا تنفع الكافرين بالعروبة، وأن نذكر أنه عندما كان للعرب دولة العرب الواحدة كانت لهم دولة الدنيا الأولى وحضارة الدنيا الأولى ولغة الدنيا الأولى طيلة زمن دولة بني أمية وزمن صدر دولة بني العباس.

في يوم 22/2/1958 قرر الشعب العربي اقتلاع وإلغاء الحدود فيما بين سوريا ومصر وتم ربط الشعب العربي في إفريقيا مع الشعب العربي في آسيا، هذا اليوم 22/2/1958م يؤرخ لميلاد دولة العرب - الجمهورية العربية المتحدة، التي عاشت وعاش العرب معها أروع السنوات الخالدات في تاريخ الأمة العربية المعاصر وكانت هذه السنوات 1958 - 1961 هي وحدها ربيع العرب في التاريخ المعاصر ومعبراً لدخول الأمة العربية مرحلة ازدهارها، إذ كان كل شيء يبدو رائعاً، قيادة عملاقة تحتل الصف الأول بين القيادات العالمية، تلتف حولها وتأتمر بأمرها وتتبع خطاها عشرات الملايين في كل مكان من الوطن العربي.

انحسار لقوى الاستعمار، وهزائم متكررة في كل صدام، وانكماش ورعب قاتل لدولة الصهاينة، حركة بناء بالغة الجدية في دولة الوحدة، احترام وتقدير كاملان لكل ما هو عربي ومن هو عربي في أي مكان في الدنيا، الثورة في الجزائر تنتصر، بذور الثورة في اليمن تنمو، كل شيء يبدو رائعاً ... كل شيء يبشر بدولة (العرب الواحدة) وبعهد جديد للإنسان العربي، وتم كل شيء رائع باسم القومية العربية، وبواسطة الجماهير العربية وبقيادة القوميين وتحت شعارات القومية.

وعندما اجتمع المنطلق الصحيح والمنطق الصحيح والقائد الفذ والجماهير المناضلة، حققت الأمة العربية أروع سنوات تاريخها الحديث (1961 - 1958).

ويوم 28/9/1961م يؤرخ ليوم فاجع في حياة الأمة العربية، بهذا اليوم ضربت دولة العرب - دولة الأمل - دولة الجمهورية العربية المتحدة، إنه يوم انفصال الجمهورية العربية المتحدة ويوم رحيل جمال عبد الناصر. (فجأة استطاعت قلة رجعية عميلة متآمرة أن تضرب دولة الأمل دولة الوحدة وتفصل إقليمها الشمالي (سورية) وشلت المفاجأة المذهلة الجماهير العريضة وكل القوى القومية والوحدوية، وعندما حاولت الجماهير في دمشق واللاذقية وحلب أن تدافع عن دولتها، عن أملها، عن انتصارها سحقت، سحقتها القلة الرجعية العميلة المتآمرة، وبدأ الانحسار، انحسار المد القومي، ومع الانحسار الهزائم، ومنها هزيمة 1967 التي ثبت فيما بعد مما نشر من وثائق أن الانفصال كان جزءا من خطتها التي أعدت في الأصل بعد الوحدة مباشرة).

لقد ظل القائد العربي إلى آخر يوم في حياته يعاني فكرياً وجسدياً من جرح الانفصال ولم يكن وحده الذي عانى وتعذب بل جيل كامل من الشباب العربي تعذب ولا يزال يعاني، وأمة كاملة تعذبت ولا تزال منذ الانفصال وأمة عربية كاملة تعذبت ولا تزال وتوالى الجحيم العربي منذ الانفصال مروراً باتفاقات "كامب ديفيد" وصولاً للتدمير الذي نراه اليوم.

وكان لا بد بالرغم من الآلام والعذاب أن يطرح على الشعب العربي كله السؤال لماذا حدث هذا؟ ولماذا حدث الانفصال سهلاً؟ طرحت الإجابات الحاقدة، الشامتة، الهدامة التي انتهزها أعداء الأمة العربية وأعداء قوميتها ووحدتها ليبرروا هزيمة جماهيرها العريضة بقولهم إن الخطأ كان في الوحدة ذاتها، فلا تعودوا إليها أبداً!!.

لم يدينوا الرجعية العربية العميلة المتآمرة، لم يدينوا الولايات المتحدة التي خططت للمؤامرة، لم يدينوا الصهيونية التي كانت حلقة الوصل بين العملاء، لم يدينوا واحداً لم يدينوا جماعة.

فكل هؤلاء كانوا أبرياء أما المجرم والجريمة فكانت الوحدة، وكان على القوميين أن يبحثوا عن الإجابة الصحيحة على السؤال الأساسي لماذا حدث الانفصال سهلاً؟ وانهزمت الجماهير أمام قلة متآمرة؟

باختصار انتهت التساؤلات ومرحلة التعذيب لدى القوميين إلا أن الخطأ الأساسي هو: "أن الجماهير الوحدوية مهما بلغ عددها، ولو بلغ الملايين، لا تستطيع أن تنتصر، ولو ضد قلة منظمة، إلا إذا كانت هي - أي الجماهير - منظمة، وأن الانفصال تم سهلاً وانتصرت فيه القلة المتآمرة لأن الجماهير لم تكن ملتحمة في تنظيم. كانت القاعدة الجماهيرية تضم الملايين وكانت كلها تحت قيادة عبد الناصر دون منازع أو شريك، وحققت بتلك الصيغة (الناقصة) انتصاراتها ولكنها في لحظة خاطفة لم تستطع أن تقاوم قلة منظمة لأن التنظيم لتلك العلاقة التي تربط القائد بجنوده وتحدد لكل فصيل ساحة ولكل ساحة عملاً ولكل عمل وقتاً، ذلك التنظيم كان مفقوداً فتحولت حركة مقاومة الانفصال في سورية إلى ردود أفعال جماهيرية عفوية معزولة بعضها عن بعض فسحقت إلى حين." وكانت التجزئة وكان غياب دولة العرب كما كان الأمر من قبل ميلاد الجمهورية العربية المتحدة وبعدها انسب الوسائل لتمكين الاستعمار من الأمة العربية، وكان الجواب ولا يزال أن الجماهير المنظمة لإقامة دولة العرب هي الحل.

يجب أن نستذكر ونسترجع في ذكرى الوحدة أنه لم يكن قد مضى على وحدة عام 1958 بين مصر وسوريا إلا مدة قصيرة حتى هزم أعداء الوحدة المد الوحدوي في مذبحة كركوك عام 1959 فانحسر المد الوحدوي عن العراق، فماذا لو لم ينحسر؟ ماذا لو أصبح العراق الإقليم الشرقي من الجمهورية العربية المتحدة؟ هل كان يحتاج الإقليم الشرقي من دولة الوحدة لدفع العدوان عليه من أي جهة كانت من دول الجوار وأن يهاجم العراق الإقليم الشرقي من الجمهورية العربية المتحدة؟

لقد هزم أعداء الوحدة المد الوحدوي في دمشق عام 1961 فانحسر عن سوريا وانفصلت دولتها، فماذا لو لم ينحسر، ولم تنفصل؟ هل كان للصهيونية أن تغتصب المرتفعات السورية من دولة الوحدة؟ وهل كنا سنصل إلى ما نحن فيه الآن من زمن صهيوني - يهودي؟

يجب أن نستذكر أن العرب بغياب دولة العرب وبهزيمة الوحدة وبالانفصال فقدوا البوصلة منذ ذلك الوقت، وأن دبابات الانفصال هي التي فتحت الطريق لدبابات الصهاينة في هزيمة عام 1967.

وانهزم المد الوحدوي مرة أخرى عام 1963 حين تراجع أصحاب مشروع الوحدة الثلاثية عن وعودهم الموثقة لإقامة دولة العرب بين مصر وسورية والعراق فهل لو كانت مصر الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية وسوريا الإقليم الشمالي والعراق الإقليم الشرقي من الجمهورية العربية المتحدة هل كان يمكن أن تقع هزيمة 1967؟. وهل كان يمكن أن ينتهي انتصار الجندي العربي في جبهة القتال عام 1973 إلى ما قبلته دول التجزئة وقبلته قيادة جمهورية مصر العربية؟ أو أن تشن الولايات المتحدة الأمريكية حملات تأديب مستمرة لأمة العرب؟ أو حملات قرصنة ومحرقة ضد الأمة العربية في العراق ولبنان وسوريا والسودان وغيرها؟.

ألم يتوقف المد الوحدوي حتى على المستوى الفكري عند حدود الدولة البترولية خوفاً على الثراء المتاح دون جهد من أن يتاح للمجهدين من الفقر. فماذا لو امتد ولم يقف. هل كان يمكن أن يصب شلال ثروة البترول، مادة ومالاً، خارج دولة الوحدة؟. هل كان يمكن أن يدفع علناً وخفية لمن يبتزونه ويغتصبونه بالقوة أو يبتزونه أجوراً ورشاوى للقادرين بالقوة على ابتزازه واغتصابه من أعداء الأمة العربية.

بفقدان العرب لدولتهم أخذت دول التجزئة التي خطط الاستعمار حدودها كل فرصها وانتهكت كل المحرمات وأدخلتنا بيت الطاعة الأمريكي الصهيوني، وبددت كل الثروات، وسلمت بالوطن وأوصلت الوطن والأمة والمواطن إلى طريق قاتل مسدود فاستحال التقدم على الطريق المسدود، وهذا يقودنا إلى السؤال الكبير: ماذا بعد؟

الجواب السريع الذي يفتح الطريق لحوار ممتد هو ضرورة تخطي الإقليمية والطائفية والمذهبية بمختلف نظمها وتنظيماتها الحاكمة والمعارضة والوعي على أن التحدي الأكبر والأخطر في حياة العرب في الماضي والحاضر والمستقبل هو غياب دولة العرب وفقدان العرب لدولتهم وهذا قاد ويقود الأمة العربية قيادة حتمية إلى ما نحن فيه، وهذا ما نخرج به من عبر الماضي والحاضر وضرورة امتدادها في المستقبل الذي يريده الإنسان العربي.

غياب دولة العرب الواحدة ووقف النضال الوحدوي قادنا قيادة حتمية إلى ما نحن فيه حيث سرنا على طريق الخيبات والانكسارات والتدمير.

17/2/2014