ما تنتظره طرابلس من حكومة سلام
إبراهيم عوض
قبل حوالي سنتين وثلاثة أشهر، شكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته الثانية والتي ضمت أربعة وزراء من أبناء مدينته طرابلس هم: محمد الصفدي، أحمد كرامي، فيصل كرامي ونقولا نحاس. يومها قوبلت الحكومة الميقاتية بنقمة عارمة من قبل "تيار المستقبل" وحلفائه. وأطلقت عليها أوصاف شتى، منها تصنيفها بأنها "حكومة حزب الله والسلاح" وحامية "قتلة الرئيس رفيق الحريري"، فيما خُصَّ رئيسُها بكم من الانتقادات العنيفة بلغت حدَّ التشكيك بطائفته واتهامه بـ"الخيانة والطعن بالظهر".
إثر الإعلان عن الحكومة الميقاتية ذات النكهة الطرابلسية، لم تعم الفرحة عاصمة الشمال، أو للدقة، لم يدع الناقمون عليها الطرابلسيين التعبير عن فرحتهم، بل عمدوا إلى إنغاصها، فأعلنوا عن "يوم غضب" ليكون في استقبالها، وترجموه تجمعاً للمئات في ساحة عبد الحميد كرامي، بعد إقفال المدارس والمؤسسات والمحال التجارية على وقع زخات من الرصاص، راحت تطلق في أكثر من شارع وحي، وعبر سيارات جالت المدينة لهذه الغاية.
وللتذكير بسرعة من دون الغرق في التفاصيل، نشير إلى حالة الهرج والمرج التي سادت خلال إلقاء الخطابات في الساحة، وأحدها توعد الرئيس السوري بشار الأسد بالزحف إلى بلاده دعماً للثورة التي انطلقت فيها، فيما آخر انهال على الرئيس ميقاتي بعينات من القدح والذم، حتى دبّ الحماس لدى البعض، فاندفع يطارد مجموعة من مندوبي وسائل الإعلام، وكاد يقضي على أحدهم خنقاً، وعمد إلى تحطيم سيارة البث المباشر التابعة لإحدى المحطات الفضائية، ولم يتورع عن "الانتقام" من أحد مكاتب الوزير محمد الصفدي، فقام بإحراق محتوياته من ملفات وطاولات وكراسٍ وخزائن وحطم زجاجه.
مالَنا والماضي.. فنحن لسنا بصدد محاسبة أحد أو نكء الجروح، وما سردنا المقتضب لوقائع كاد يطويها الزمن إلاّ لبلوغ المشهد الذي نحن فيه اليوم.
بالأمس القريب، ويوم السبت الماضي بالتحديد، انفرجت أسارير الرئيس تمام سلام مع ولادة حكومته الأولى، بعد "حمل" ضَربَ الرقم القياسي وامتد لأكثر من عشرة شهور. وقد استقبل اللبنانيون بشكل عام تلك الولادة بارتياح انعكس على وجوه الناس والمارة، أما طرابلس فسُعدت بدورها، لكنها احتفلت بالمولود على طريقتها، ووفقاً للجو السائد فيها حالياً القائم على التشبيح والترويع وإطلاق النار ورمي القنابل، فكانت وحدها دون سائر المدن والبلدات التي لعلع الرصاص فيها وأطلقت قذائف الـ(آربي جي) ابتهاجاً واحتفاءً بتولي أحد أبنائها اللواء أشرف ريفي وزارة العدل، وما عناه ذلك من انتصار على كل من حاول إقصاءه وإبعاده عن الحكومة.
ومن باب التوضيح ليس إلا، وكي لا نفهم خطأ، نسارع إلى التأكيد بأننا فرحون بما ظفر به ريفي. ولا بد من التنويه والإشادة بالموقف الوطني الكبير الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري وأدى الى تشكيل الحكومة، وبالوفاء الذي يجسده في التمسك بحلفائه وأصدقائه وبكل من وقف إلى جانبه، خصوصاً في الأيام الصعبة، واللواء ريفي في طليعة هؤلاء. لكن ما آلمنا وأنغص علينا فرحتنا، كما أزعج المحتفى به بالتأكيد، هو ذلك الفلتان الذي رافق الإعلان عن الحكومة الجديدة، حيث أطلق الرصاص (على عينك يا تاجر) وعلى مرأى من وسائل الإعلام التي ما فتئت تنقل تلك الصورة المشوهة عن طرابلس. والغريب أن ما من رجل أمن حرك ساكناً ليردع من يجول ويصول على هواه ويحوّل المدينة إلى ساحة مستباحة، تُرتكب فيها السرقات والجرائم والاعتداء على الناس.
أما وقد باتت لدينا حكومة بعد طول انتظار. وعاود "الغاضبون" السابقون الجلوس مع "حزب الإجرام"، وسمي ذلك بـ"ربط نزاع" أملته "المصلحة الوطنية"!.. فهل لنا أن نرى ترجمة لهذا التحول على أرض الفيحاء، فيطبَّق القانون فيها ويلاحَق الخارجون عنه، والأهم أن يصار إلى إيلاء قضية (باب التبانة) و(جبل محسن) العناية القصوى، بحيث تُسدل الستارة نهائياً على جولات القتال التي بلغت تسع عشرة جولة، منها اثنتا عشرة جولة لطالما ادعى فريق ممن تسلّم الحكم اليوم أنها جرت في عهد حكومة ميقاتي؟!.
إن غداً لناظره قريب.
جريدة "البيان" طرابلس - لبنان 24/2/2014