آآخ لو التقيت بذلك الألماني

جعفر عباس

كتبت كثيرا عن الإنفاق البذخي على الأثاث والملابس، مستنكراً بصفة خاصة أن ينفق من لا حيلة لهم في الحياة سوى الراتب الشهري، ما يعادل راتب شهر كامل على بلوزة أو جاكيت. الغريب في الأمر أن الأغنياء غير ميالين إلى الإنفاق التفاخري، ربما لأن عيونهم (مليانة)، وربما لأنهم يعرفون قيمة المال لأنهم - أو معظمهم - عانى كثيراً حتى جمع ثروته، وخير مثال على ذلك الملياردير السعودي الراجحي، الذي لديه عشرات الآلاف من الموظفين، وكان يمر بشركاته فيحسبه الناس (طالب وظيفة)، لبساطة هندامه، فقد كان شديد النفور من (العنطزة) و(الفخفخة)، وكان أبعد الناس عن البخل بدليل أنه أوقف مليارات الدولارات لصالح المشاريع الخيرية، ومن بينها واحدة من أكبر شركات الدواجن في العالم العربي.

وما حملني على الخوض في هذا الموضوع، هو خبر قرأه الناس في كل أنحاء العالم عن شركة نمساوية أنتجت بنطلوناً واحداً وباعته، البنطلون غير عادي، ومصنوع من جلود الأغنام والغزلان و... الخنازير.. وبالمناسبة النفور من الخنزير أمر عام، ولا يقتصر علينا نحن لكوننا نعتبره نجساً، أقذع شتيمة توجه إليك بالإنجليزية، هي وصفك بأنك خنزير لأنها تعني "قذر ونتن ونهم وشره ومعفّن"، هناك أمر آخر يميز هذا البنطلون وجعل شركة شهيرة تكتفي بإنتاج عينة / قطعة واحدة منه، ألا وهو أن به أكثر من 160 قطعة ماس (ألماظ) مثبتة بقطع وخيوط ذهبية، وبالتالي ليس مستغرباً أن يكون سعر هذا البنطلون 166 ألف دولار، تذكروا كيف تباهيت هنا بامتلاكي 14 بدلة كاملة (فُل سوت)، ثم تذكروا ما قلته مراراً عن أن قيمتها مجتمعة كانت نحو خمسمائة (500) دولار، لأنني اشتريتها من بلد كانت الاشتراكية فيه لم تلفظ أنفاسها بعد (تشيكوسلوفاكيا)، ووجد البنطلون من يشتريه، وهو على وجه التحديد ألماني يقيم في إمارة دبي.

لو كنت مقيماً في دبي لتعلمت كذا جملة شتيمة بالألمانية، ثم بحثت عن هذا الألماني لأطلقها في وجهه: شيخن بيخن أخ توف (بالمناسبة، هذه الجملة مفبركة ولكن عموماً لا يمكنك أن تنطق بجملة بالألمانية دون أن يتطاير اللعاب من فمك في وجه من تخاطبه)، ليس ذلك لأنني (حاقد) لأنه أنفق على بنطلون واحد ما يعادل قيمة سيارتي وأثاث بيتي وملابس جميع أفراد أسرتي الممتدة منذ عهد كافور، ونظاراتي الـ(11) (لا أتخلص من نظاراتي الطبية القديمة خوفاً من الظروف التي قد تضطرني إلى استخدام واحدة منها قديمة، ورغم هذا يقول طبيب العيون إنني أعاني من قصر النظر، احتفاظي بالنظارات الأثرية دليل على بعد النظر، شوفوا حال السوق الآن وانظروا كيف صار سعر سندويتش الفول اليوم أعلى من سعر سندويتش الشاورما قبل سنة. هناك نقطة صغيرة تفصل بين الغني والغبي، حركة (كدا) و(للا كدا) من إصبعك قد تجعل الغني (غبي)! والألماني هذا بالتأكيد ليس غنياً وإلا لما كان يعمل بعيداً عن وطنه، في دبي، بل هو ذو النزعات الاستعراضية. إذن فإنني لا أظلمه لو وضعت النقطة (تحت) بدلا من (فوق) في الحرف الذي يلي الغين في (غني). ولو كنت مقيماً في دبي لتحرشت به كما يفعل النشالون وانتزعت كم فص ألماس من بنطلونه الخنزيري لأصبح غنياً بالنون وليس بالبون كما قال سرحان عبد البصير!

jafabbas19@gmail.com

1/1/2014