مهن ومحن (38)
جعفر عباس
كثير من الناس يسيئون الظن بالسماسرة، لأنه مجال اقتحمه أناس كثيرون كل سلاحهم الفهلوة والاستهبال والحلفان بالله والطلاق كذباً، وظروف وضرورات الحياة تتطلب منها الاستعانة بسماسرة، ولأن الطيب بيِّن والسيئ بيِّن، فإن الناس سرعان ما يكتشفون ويعرفون السماسرة الذين يتحلون بالنزاهة والاستقامة، فيوكلون إليهم بيع وشراء ما يخصهم من أشياء، ولا يوجد قانون في أي دولة يجدد مجال عمل السمسار، ولا توجد ضوابط ملزمة لممارسة السمسرة، وبالتالي لا توجد نصوص تحدد عمولة السمسار، وبداهة فإنني لا أتحدث عن السمسار البروكر broker أو ذاك الذي يعمل في الوساطة المالية والتجارية الكبيرة، بل أتحدث عن ذاك الذي يعترض سبيلك وأنت في موقع لبيع السيارات المستعملة، وأنت تعرف سلفاً نوع ومواصفات السيارة التي تريد، بل تفهم جيداً في ميكانيكا السيارات: يا ابن العم.. تريد شراء سيارة.. عندي لك (مازدا) كأنها طالعة من الورقة. شكراً بس أنا أريد (رينج روفر). جميل بس (الرينج روفر) ما تليق بشخص مثلك، أنا عندي لك سيارة أفضل منها ماركة (كريستوفر) موديل 2006 بس نزلت السوق سنة 2011. مسكينة، لا بد أنها ارتكبت جريمة بشعة فحبسوها كل هذه السنوات أو ربما صنعوها في عام 2006، ثم خجلوا منها لقبحها ورداءة أدائها فأدخلوها في بيت الطاعة خمس سنوات حتى ثابت إلى رشدها وصار أداؤها وسلوكها مرضياً وطيباً.
والسمسار الحشري عادة ما يكون جاهلاً بمكونات وعناصر السلعة التي يحاول الترويج لها، ولذا فإنه يحفظ بعض العبارات المعلبة لـ(يخُم) الزبون، فإذا كانت السلعة سيارة قال كلاماً من نوع: صاحبها لا يستخدم إلا زيوت (كريستيان ديور)، والـ(كاربوريتر) مصنوع من الـ(تتانوس)، ومكيف الهواء فيها (8 سرندل) (يقصد سيلندر). وإذا كانت السلعة بيتاً فإن السمسار (الأوانطجي) يحاول إغراءك بالشراء بكلام من شاكلة: الأرض الفاضية التي جنب البيت اشتراها وزير الدولة لشؤون الأوزون بتسعمائة مليون. والبيت مزود بصندوق أسود، يعني لو زوجتك قالت أي كلام من وراء ظهرك تستطيع رصده، ولو قررت تطلقها فالحي مشهور بجمال نسائه. وهناك السمسار الذي تستعين به لبيع بيت أو سيارة، فـ(يعمل فيها) خبيراً عالماً ويحدد لك ثمناً لها بخساً، ويقنعك بأن سوق بضاعتك (واقف)، وعندما يعرضها على الراغبين في الشراء يشطح في السعر، ولو أكمل الصفقة بالسعر المرتفع فإن صاحب الحق والملك لا ينال إلا السعر المتدني الذي حدده له السمسار، وفرق السعر.. عليك نور! وفي مثل هذه الصفقات فإن السمسار (الزلنطحي) يضحك على المشتري: سأقول لصاحب الملك إنك قبلت الشراء بسعر كذا، لأنه غلبان وقيحة ولن يعطيني العمولة لو قلت له السعر الحقيقي، ويقول للبائع وهو يعرض عليه السعر المتدني: هذا أفضل سعر حصلت عليه ولو فوَّت البيعة ستموت بضاعتك في يدك!
وبالمقابل فإن السمسار المحترف الأمين لا يمارس معك (البكش) ويعطيك المعلومات على بلاطة. والسعر كذا وعمولتي في كل صفقة كذا في المائة، فلو كنت تبيع بيتاً عن طريقه فإنه يبرز لك مستندات توضح قيمة الأرض في المنطقة التي بها بيتك، ثم يحدد لك سعراً تقريبياً للعقار الذي تود بيعه: ما بين كذا وكذا، ولا يبرم الصفقة إلا برضائك وفي حضورك، ومن المهازل أن السماسرة المستهبلين دخلوا حتى سوق الغنم: عايز تشتري خروف؟ لا عايز اشتري فيل. بل صارت بعض البلدان العربية تعرف السمسرة في سوق الزواج، فصار هناك أفراد - غالباً من النساء - يضطلعن بمهمة البحث عن عروس / عريس، ثم صارت هناك مكاتب آخر قيافة وهيافة تعمل في هذا المجال: لقينا لك عروس (فور ويل) و(فل أوبشن) وأمها متوفية وأبوها غني وعنده ضغط وسكري وباركنسون وعمولتنا 30% من المهر الذي لا يقل عن كذا وكذا يتم دفعه بواسطتنا.
jafabbas19@gmail.com
1/3/2014