يبيع شرف المهنة بـ55 دولارا

جعفر عباس

قبل أعوام دخل القاضي الاسترالي (ماركوس إينفيلد) قلوب الملايين من مواطنيه، عندما كان ينظر في قضية رفعتها مواطنة استرالية أصلية، أي من شعب الأبورجيني، وهم قوم سود وقصار القامة، كان الأوروبيون فيما مضى يصطادونهم ويضعونهم في أقفاص لـ(الفُرجة)، وتعرضوا لحين من الدهر لمثل ما تعرض له الهنود الحمر في الولايات المتحدة من إبادة وتهجير قسري إلى مناطق تعافها الثعابين.

حكت السيدة للقاضي صنوف التمييز العنصري التي تعرض لها ولدها الصغير في المدرسة، فانهمرت الدموع من عيني القاضي، وصار أمثولة للحس الإنساني الرفيع. وبعد أن صار عضواً في المحكمة الاسترالية العليا، ترك (اينفيلد) القضاء وافتتح مكتبا للمحاماة، وصار أشهر محام في البلاد، ولكن وخلال العام الماضي نشر صحفي شقي في جريدة "ذا دايلي تلغراف" الأسترالية، حكاية عن صاحبنا هذا جعلته بين عشية وضحاها محل احتقار أهل بلاده. قام شرطي بتسجيل مخالفة مرورية على القاضي السابق (ماركوس اينفيلد)، وتعين عليه دفع غرامة تعادل 55 دولاراً أمريكياً، ولكن الغرامة سقطت عنه لأنه لم يكن يقود السيارة عند تسجيل المخالفة بل كانت تقودها البروفيسور الأمريكية (تيريزا بينان) التي استعارت السيارة منه، على حد قوله للشرطة، ولكن الصحفي اكتشف أن (تيريزا بينان) هذه كانت قد توفيت قبل تلك المخالفة بسنوات. عندها قال المحامي اللامع: يخلق من الاسم "أربعين"، وبالتأكيد هناك أكثر من أستاذة جامعية أمريكية تحمل ذلك الاسم، وربما تكون (بينان) التي استعارت سيارتي مقيمة الآن في بنغلاديش. (وعيش يا حمار على بال ما تقوم الشرطة بحصر أسماء الأجانب في بنغلاديش كي تقفل ملف مخالفة مرورية بسيطة!).

المهم، صدقت الشرطة التقرير الصحفي ونبشت في سجل (اينفيلد) واكتشفت أنه ارتكب أربع مخالفات مرورية تتعلق بالسرعة الزائدة خلال ثلاث سنوات، وأنه وفي كل مرة ضلل الشرطة وتفادى دفع الغرامة (55 دولاراً لكل مخالفة)، هذا علماً بأنه من النوع الذي يتقاضى خمسة ملايين دولار عن القضية الواحدة، ويواجه (اينفيلد) حالياً (13) قضية تتعلق بالكذب وعرقلة سير العدالة.

في عام 2011 تم إيقاف القاضي الاسترالي (جيف شو) بعد ضبطه وهو يقود سيارة، وهو سكران طينة، واقتيد إلى مستشفى حيث تم سحب عينات من دمه لتحديد نسبة الكحول في دمه، وفجأة اختفت عينات الدم وتم العثور عليها لاحقاً في مكتب حضرة القاضي، وهناك مثل سوداني يقول إن من يمسك بالقلم "ما يكتب نفسه شقي"، بمعنى أن من بيده القرار لا يجلب الشقاء لنفسه، بل يستغل صلاحياته ليكون "في السليم" (والسليم هنا تعني نقيض معناها الأصلي!) يعني ليس بلداننا وحدها التي تعرف يكون فيها قانون للناس اللي فوق، وآخر للناس اللي تحت، ناس فوق القانون وناس القانون تحت أحذيتهم.

وقبل أشهر قليلة مثل القاضي الأمريكي (دونالد تومسون) أمام محكمة بعد ان شكت بعض السيدات اللواتي مثلن أمامه كشهود ومتهمات من أنه كان يتعمد كشف عورته أمامهن خلال الجلسات المغلقة، وهي التي تختص بالقضايا البسيطة وتعقد عادة داخل مكتب القاضي، ولأنه كان يمسك بالقلم فقد طلع منها كالشعرة من العجين. وهناك لاعب الـ(بيسبول) الأشهر (أو. جيه. سيمسون) الذي قتل زوجته وطلع منها "براءة" رغم كل الأدلة الدامغة التي تدينه. دفع غرامة بالملايين لأنه قتلها، ولكنه لم يسجن أو حتى يكلف بغسل الحمامات كما حدث مع الحسناء (نيومي كامبل) التي ضربت خادمتها بـ(الموبايل) ضربة خفيفة سببت لها جرحاً تطلب أربع غرز.

jafabbas19@gmail.com

10/1/2014