لن أتنازل عن الفول والعدس
جعفر عباس
من عيوبي الشخصية أنني أحترم قرارات وتوجيهات الأطباء، وكان آخرها أن أتجنب البروتينات، وبالتحديد اللحوم الحمراء والبقوليات من فول وعدس وفاصوليا وبازلاء. لماذا؟ لأنني أعاني من ارتفاع نسبي في حامض اليوريك مما يجعلني مرشحاً لمرض النقرس، (بالمناسبة نطقها الصحيح بفتح النون وتسكين القاف)، وهو مرض لئيم يسبب ألماً فظيعاً في الأطراف وخاصة في أصابع القدمين، وقد يستفحل ويجعل حركة الإنسان مشلولة أو محدودة، وفي بادئ الأمر ارتفعت معنوياتي لأن النقرس فيما يقال مرض البرجوازية الكبيرة الشبعانة والمترفة، والناس اللي فوق فوق في العلالي، وكان في العصور القديمة يصيب علية القوم الذين لا عمل لهم سوى القنص وأكل لحم الطرائد التي يصطادونها، ثم تذكرت أن الانتماء إلى طبقة الهوامير والتماسيح والقطط السمان بـ(المرض)، أمر لا يدعو إلى السرور والتباهي، وأن النقرس لن يغير من وضعي الطبقي كثيراً فسأظل (زولاً) كحياناً ولن يرتفع وضعي الاجتماعي بارتفاع معدلات حامض اليوريك في جسمي.
قال لي
الطبيب: بلاش لحوم.. قلت: لا مانع، فقد صرت أعاف لحوم هذا الزمان العابرة للقارات،
والتي صارت بلا طعم أو رائحة، استغفر الله بل لها رائحة مثيرة للتقزز، أي (زِفرة)،
ولكنه منعني من الفول والعدس أيضاً، فصحت فيه: هذه مؤامرة.. كيف أستطيع أن أتنفس أو
أتحرك بدون فول أو عدس؟ عند الفطام يطعمون الصغار الـ(سريلاك) وأطعمة أخرى مهروسة
وشهية ولكن أمي فطمتني بالفول والعدس فصارا جزءاً من تركيبتي الكيميائية. بعبارة
أخرى فقد أعلنت ما يلي: إذا كان تفادي النقرس يستوجب مقاطعة الفول والعدس فمرحبا
بالنقرس والفرقس والجقدس والفسفس، المسألة مسألة مبدأ: حرمان سوداني من الفول لا
يقل استفزازاً عن وضع الخرطوم تحت حماية قوات أمريكية. وأستطيع أن أقاطع اللحوم
الحمراء شهوراً متصلة، ومعه دجاج آخر الزمان الذي نشتريه مطبوخاً أو نطبخه في البيت
فيظل طعمه غريباً ومريباً، بعد أن صار أصحاب المزارع يحقنون الدجاج بالـ(كورتيزون)
حتى يصبح من فئة (من شحمه ورم)، حتى البيض صرت (أشك) فيه بعد أن عرفت أن الدجاجة
صارت تبيض من دون حاجة إلى ديك (وفي ظل العبث العلمي السائد باسم الاستنساخ هناك من
يسعى إلى إلغاء دور الرجل في عملية الحمل والإنجاب.. وا ضيعة شواربنا).
وقبل أيام
قليلة وبالتحديد في 13 ديسمبر المنصرم نشرت جريدة "تايمز" اللندنية تقريراً مفاده
أن جهات هولندية وأمريكية تعمل على زرع وإنتاج لحوم في المختبرات من دون الحاجة إلى
تربية حيوانات، فهناك خلية اسمها (مايوبلاست) تتحول إلى عضلات ويتم سحبها من حيوان
(بقرة مثلاً) وتحفيزها للتكاثر في خليط من الـ(غلوكوز) والأحماض الأمينية والمعادن
وعناصر أخرى حتى تتشكل منها شرائح لحم تصلح للفرم أو الشواء، وقد نجحت تجربة تزريع
اللحم بكلفة 10 آلاف دولار للكيلوجرام الواحد، (يا بلاش). ومرحبا بالنقرس.
طيب لماذا كل هذا التعب والحيوانات موجودة وتتكاثر؟ قالوا أن الحيوانات تسبب أمراضاً لا حصر لها، والأبقار على وجه التحديد معروف عنها أنها تنتج كميات هائلة من الغازات التي تسبب ظاهرة الإحماء (الدفيئة وثقب الأوزون)، يعني تختفي الحيوانات وتصيح أم الجعافر وأنا أغادر البيت: ما تنسى تروح المختبر تفحص الدم للملاريا، وهات معك (من المختبر) كيلو لحم مفروم، وربع سي سي بفتيك ونص ليتر ستيك (البفتيك والستيك اسم الدلع لشرائح اللحم) وهناك شيء تسميه المطاعم الفاخرة (سكالوب) وهو شريحة لحم أيضا بها غنج ودلال فرنسي.
jafabbas19@gmail.com
11/1/2014