مِهن ومِحن (21)

جعفر عباس

هنالك مهنة لا تجد التقدير من معظم الناس، وهي مهنة الخدمة في البيوت، التي تحتكرها النساء في العالم العربي، ويطغى عليها العنصر النسائي حتى في الدول الغربية (بالغين/ غ)، وهي مهنة لا أتمناها لعدو أو حبيب، لأنه يصعب صوغ وصف (وظيفي) لها، فالخادمة كما توحي الكلمة مسؤولة عن خدمة (أهل البيت)، مما يعني الكنس والنظافة عموماً وغسل الملابس والكي والطبخ، ولكن نفس الخادمة التي تؤدي كل تلك الوظائف قد تجد نفسها مطالبة بحمل الأطفال الرضع وهدهدتهم لتنام / ترتاح ست الكل (الماما)، التي قد تطلب من الخادمة أيضا أن تكون اختصاصية علاج طبيعي لتقوم بعمليات التمسيد / المساج لها، ومساعدتها في وضع الحناء في يديها وقدميها (شايف الحنة بدأت تزحف إلى السيقان والأذرع والأكتاف)، وسي السيد يطالبها بغسل السيارة، وما يجعل مهنة الخدمة في البيوت منفرة أن ساعات عمل الخادمة غير محددة، بل في كثير من البيوت فإن قيام الخادمة بالاسترخاء على كرسي بلا دقائق يعتبر جريمة تستوجب العقاب اللفظي وربما الجسدي، ويا ويل خادمة تعمل في بيت يدمن أهله السهر ولا ينامون إلا بعد انتصاف الليل بقليل أو كثير، فالقوانين غير المكتوبة لتشغيل الخادمات تنص على أنه لا يجوز للخادمة أن تنام طالما أهل البيت يقظى، وتهجع الخادمة في الساعات الأولى من الفجر وعليها مغادرة الفراش قبل الشروق، إما لتجهيز حاجيات عيال المدارس أو لتسيير الأعمال اليومية، ولا يجوز لها تناول أي وجبة قبل أن يتناولها مخدِّموها.

ولو كان في بيت ما خادمة وحيوان أليف (قط / كلب / ضب / سنجاب / ببغاء) فإنه يحظى بحنان لا تحلم به الخادمة مهما اجتهدت في تأدية واجباتها، فهناك وجهة نظر عجيبة سائدة مؤداها أن الحنان يفسد الخادمة، وبالتالي لا يجوز إعطاء الخادمة (وجه/ وِش)، فكلب البيت إذا تبول على كرسي أو كنبة فإن أقصى عقوبة يتوقعها هي صرخة غاضبة، وربما ضربة على خفيف، أما الخادمة فقد تثير غضب شخص ما في البيت إذا انكسر كوب تحمله أو احترق طعام كانت تعده لأنها انشغلت بأمر من الأمور الكثيرة التي يجب عليها أداؤها، ولا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن خادمة تعرضت لضربة على الرأس بمقلاة فيها زيت مغلي، أو الكي بمكواة الملابس أو حتى الطعن بسكين، وقرأت كثيرا عن خادمات تم قتلهن على أيدي ربات بيوت ثم الزعم بأنهن انتحرن أو سقطن من الدرج / السلم (طيب يا ست هانم اللي ينتحر أو يسقط حتى في بئر لا يمكن تكون عظام رقبته وذراعيه وفكه مكسرة وبجسمه آثار طعنات في البطن والعنق والصدر والأرداف).

ولأن الخادمات في بعض البيوت يعتبرن أدنى درجة من الحيوانات المنزلية، فإن إساءة معاملتهن لا تقتصر على ساعات العمل الطويلة أو تعريضهن للعنف باللسان واليد، بل يصل إلى حد الحرمان من الراتب: هذا الشهر ما عندنا فلوس.. وفي الشهر التالي: خذي هاذي 200 لحين ربك يفرجها.. وفي الشهر الثالث: وش تبين بالفلوس؟ ماكلة وشاربة ولابسة، احمدي ربك.. كنت وين وبقيتي وين؟

والمعاملة الفظة للخادمة تحولها إلى كائن فظ وخبيث يخطط ويتكتك للانتقام في صمت، بينما المعاملة الطيبة تجعل الكثير من الخادمات يقمن بواجباتهم وبالزيادة من منطلق الإحساس بأنهن جزء من العائلة. ونقيم إلى جوار عائلة قطرية بها خادمة تبلغ السبعين من العمر، لأنها ورثتها من العائلة الكبيرة، ولم تعد مكلفة بأي عبء، وتقوم بنية خالصة بدور الجدة لصغار العائلة التي تقول إنها (عائلتها) التي انضمت إليها قبل أكثر من خمسين سنة لم تجد خلالها إلا الحب والاحترام.

jafabbas19@gmail.com

13/2/2014