بلطجة الوالدين

جعفر عباس

م. أ. شاب مصري يعيش مع أهله في قرية ريفية صغيرة، وتعلق قلبه بفتاة من أهل القرية اسمها علا، وكقروي يعرف أن الدخول إلى البيوت يكون من أبوابها فقد قرر التقدم لطلب يد علا، وشاور أباه وأمه فاعترضا على الزواج، لأن أسرة البنت "دون المستوى ونحن نريد لك عروساً تليق بمقامك ومكانتنا الاجتماعية"، قال لهم إن قلبه اختار علا، وإنها تليق بمقامه لأنها جميلة وخلوقة ومؤدبة، ولكن والديه قالا له: "نجوم السماء أقرب لك.. ولما تشوف حلمة ودنك! لأنها مش من توبنا"، وأصيب (م.) بحزن عميق فهو يريد من والديه مباركة زواجه وفي الوقت نفسه لم يكن مستعداً للزواج بواحدة يختارها أبواه على أساس مستواها الاجتماعي، وهكذا كرر المحاولة معهما لإقناعهما بتزويجه من علا، ولكنهما رفضا بعناد، وأبلغاه أن ألف من تتمناه (بس أنت شاور على أي واحدة بنت عيلة وإحنا نجوزهالك على طول)، فحاول أن يقول لهما إن علا بنت عيلة وليست بنت آوى، ولكن والديه كانا صماً بكماً، فما كان منه إلا أن قرر المضي قدماً في مشروع الزواج واتفق مع أهل الفتاة على موعد الزفاف.

وفي اليوم المحدد شرع (م.) في ارتداء الملابس التي أعدها لهذه المناسبة لينطلق إلى مكان الحفل، وفجأة.. هجم عليه شخصان أوسعاه ضرباً بـ(الشلوت)، وبعد أن سقط أرضاً قاما بتوثيقه بالحبال على اليدين والرجلين.. وكان الشخصان اللذان قاما بالاعتداء على (م.) هما أبوه وأمه. ومضيا إلى أبعد من ذلك، ووضعاه في الاعتقال المنزلي التحفظي، أي تركاه محبوساً في غرفته حتى ساعة متأخرة من الليل أي إلى أن ضمنا أنّ حفل الزفاف فاته تماماً، على أمل أن ذلك سيقنع أهل العروس بأنه ولد (لعبنجي) ومستهتر ومستهبل، وخرج (م.) من غرفة الحبس وهو يغلي من الغضب ويحس بالحرج لأنه خذل عروسه وجعلها موضع شماتة أهل القرية وتوجه إلى مركز الشرطة حيث فتح بلاغاً ضد والديه. المألوف عندنا هو أن البنت تساق مثل البهيمة إلى بيت الزوجية ولا يكلف معظم الآباء والأمهات أنفسهم (مشقة) استشارة البنت بشأن من يتقدم للزواج بها، وصحيح أن بعض العائلات تتحكم أيضاً في خيارات (الأولاد) فيما يتعلق بشريكة الحياة، ولكن وفي غالب الأحوال يكون من حق الشاب أن يوافق أو يرفض الزواج بفلانة أو علانة، ولكن أن يبلغ الأمر بأم وأب أن يؤذيا ولدهما جسمانياً لأنه يريد الزواج بواحدة من عائلة (غلبانة) في نظرهما لإرغامه على الزواج بأخرى "ذات مستوى اجتماعي رفيع"، فهذا أمر شائن.

شخصياً لن أقول لولدي مبروك إذا قال لي أنه يريد الزواج من فتاة ما لا أعرف عنها شيئاً، بل سأقول له: دعنا نتعرف أكثر على خلفيتها العائلية، ليس لمعرفة حجم ثروة أهلها ولكن لضمان أنها ليست حسناء في منبت سوء، وبالمناسبة فإنني أحشر أنفي حتى في خيارات عيالي الاجتماعية ولا أسمح لهم بزيارة الأصدقاء ما لم أكن مطمئنا أنهم أولاد/بنات ناس. وسبق لي أن منعت ولدي من مصادقة أكثر من زميل دراسة لأنني كنت متحفظاً على سلوكهم. ولكن لا أظن أنني كنت سأمد يدي لضربه حتى لو قال أنه يريد الزواج بنانسي عجرم (أضرب العجرمية ممكن ولكن أن أضرب ولدي عوضاً عن إقناعه بوجهة نظري بالمنطق والحجة فهذا ما لا يمكن أن يحدث).

jafabbas19@gmail.com

15/1/2014