مِهن ومِحن (23)
جعفر عباس
كتبت أكثر من مرة هنا منبها إلى خطأ الاعتقاد أن خادمات المنازل بحاجة إلينا أكثر من حاجتنا إليهن، وأن العاقل من يدرك أن واقع الحال يقول إن العائلة التي تعتمد على خادمة لتصريف الشؤون المنزلية اليدوية، هي رهينة عند تلك الخادمة - وليس العكس - فافتراض أنني الست / السيد / الكفيل يجعلني صاحب سلطة مطلقة عليها، وبالتالي يعطيني الحق في أن أكون صاحب(ة) "سطوة" آمر وأشخر وأنتُر وأتعنتر، افتراض غبي، فهناك مصلحة متبادلة بين الطرفين: هي تعطيني العمل وأنا أعطيها الأجر، ولا يضيرني في شيء أن أعطيها مع الأجر الكلمة الطيبة والمعاملة الإنسانية، بالعكس، فمثل تلك الكلمة والمعاملة تكون ذات مردود طيب، فإن تعطي إنسانا يخدمك بأجر أو لوجه الله التقديرـ وتحترم آدميته، فإن ذلك يجعل "الإنسان" يتفانى في خدمتك. حتى في بيئة العمل فإنه لو قامت العلاقة بين الرئيس والمرؤوس على الاحترام المتبادل، فإن الموظف الصغير يبذل كل جهد لكي يرفع رأس "المدير"، بإتقان عمله، أما إذا كان المدير أو رئيس العمل، متغطرساً ومن النوع الذي يستخدم العبارات النابية الجارحة في تعامله مع مرؤوسيه: اطلع من مكتبي ولا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى!!! إلى متى تظل غبيا وتحتاج إلى توجيهاتي في كل كبيرة وصغيرة؟ تريد إجازة عارضة لأن زوجتك مريضة؟ لنفترض أنها ستظل مريضة شهرين أو سنة.. نعطيك إجازة شهرين أو سبعة أشهر؟ روح ربنا يشفيها ويشفيك من الاستهتار والاستهبال! تخرج من أمام شخص كهذا وأنت تقول: روح ربنا يهِدَّك يا مفتري.
وكما قلت في مقالي ليوم أمس، فإن من يقرأ الجرائم التي ترتكبها الخادمات بحق العائلات التي تستخدمهن في الصحف، ينبغي أن يعيش في رعب مقيم: قبل أيام شكا لي صديق من أن أفراد أسرته انتبهوا مؤخراً إلى أن رائحة الطعام تكون "كاكا" أحياناً، ثم انتبهوا أيضاً إلى أنه في الأيام التي تكون فيها رائحة الطعام "كاكا" ويرمون به في سلة القمامة، لا تتناول الخادمة التي تعد ذلك الطعام ولا لقمة منه بل تكتفي بسندويتش من الجبن أو بيضة مسلوقة متعللة بمختلف الأعذار، فسألته عن طبيعة علاقة أفراد العائلة بالخادمة فحكى لي كيف أنهم "قفشوها" ذات مرة تخاطب هاتفياً رجلا من غير جنسها بلغة عربية مكسرة وتتحدث في أمور تتعلق بممارسة الجنس، وكيف أنهم هددوها بالإبعاد من البلاد أو الزج بها في السجن، فسألته ومن يضمن لك أنها لا تقوم بتهريب ذلك الرجل (اتضح أنه يعمل سائقاً لدى عائلة تسكن في الجوار) أو غيره إلى بيته بعد أن ينام أفراد عائلته، فكان رده أنهم شددوا عليها الرقابة و"كاتمين نفسْها"، فقلت له: والنتيجة أنك وأسرتك تأكلون "– را"، وكان الأجدر بك إما أن تتيَّس، وتتركها تغازل وتنازل كما تشاء أو "تتمرجل" وتنهي خدماتها على الفور وتبعدها عن بيتك. وبعدها بأيام اتصل بي صاحبي ليبلغني أنه أخذ طعاماً فيه رائحة "كاكا" إلى مختبر الأغذية المركزي واتضح أنه فعلا يحتوي "كاكا" بكميات تجارية، وأنه سلمها للشرطة بعد فتح بلاغ ضدها.
وحكيت له عن عائلات اكتشفت أن الخادمات يخلطن ماء الشاي الذي يقدمنه لأفراد البيوت التي يعملن فيها ببولهن، ليس بغرض تسبيب الأذى، بل لأن دجالاً في بلادهن قال إن ذلك يضمن لهن حب أرباب وربات البيوت لهن، وعدم تعريضهن للأذى اللفظي أو الجسماني، وأنه لو أحست خادمة قادمة من بيئات الدجل والخرافة بأنها محل احترام وتلقى معاملة حسنة لما فكرت في كسب القلوب بمنتجات مثانتها.
(سامحوني قرفت عيشتكم.. بس هذه حقائق والعاقل من اتعظ بغيره)
jafabbas19@gmail.com
15/2/2014