مهن ومحن (28)

جعفر عباس

أعرف أن كون الإنسان زوجاً، ليس مهنة بقدر ما هي (مهمة)، ولكن عناصر أساسية في الزواج تضفي على الزوج طابع (المهنية)، وشخصياً ظللت أتهيب تجربة الزواج وما يستتبعها: بطيخ وجرجير وبنادول ثم الحمل والولادة و: وووا ووواك، وبابمبرز وتطعيم، وعلى كل حال تزوجت لأن هكذا حال الدنيا، واكتشفت أن الزواج في كثير من الأحيان كالحادث المروري يأتيك بدون سابق تخطيط وترصد: طاخ طراخ تصطدم بسيارة اصطداماً شديداً، وتأتي شرطة المرور، وتسجل وقائع الحادث، فإما غرامة وإما سجن وطاخ طراخ تصطدم بأنثى اصطداماً حميداً ويأتي المأذون ويسجل الوقائع فيكون الناتج سجناً وغراماً.

وحسبت نفسي لسنوات طويلة زوجاً وأباً ناجحاً، لأنني جاهدت لتوفير العيش الكريم لأفراد أسرتي وتحملت (بعكس كثير من الآباء) عبء مساعدة عيالي في استذكار دروسهم، وطوال العشرين سنة الأولى التي عشتها مع عائلتي في منطقة الخليج، لم يمر عليّ يوم لم أمارس فيه عملاً إضافياً فوق وظيفتي الثابتة في خرق صريح لقوانين العمل، وأذكر أنني اشتريت ذات مرة طاولة طعام أنيقة استجابة لرغبة زوجتي، ولكنني لا أذكر قط أن أحد أفراد أسرتي استخدمها لتناول (فسفوسة بطاطا مقرمشة)، لأنها صارت تنوء بأطنان من القواميس لأنني كنت أتكسب كثيراً من الترجمة، ومن إيجابيات العمل الإضافي أنه يعفيك من العبث الاجتماعي المتمثل في تبادل الزيارات المنزلية لقتل الوقت في الدردشة.

وكنت أفرغ من عملي الصباحي الرسمي وأعود إلى البيت لأقرأ الصحف، ومع ميلان الشمس نحو المغيب أكون قد استغرقت في العمل الإضافي، وبعدها أستلقي على الفراش ممسكاً بكتاب استدرج به النوم. وكبر العيال ومنهم من دخل الحياة العملية ومنهم من ينتظر، وهكذا كانت زوجتي التي هي مدامي وقرينتي وحرمي وجماعتي وست هانمي وعقيلتي وأم عيالي تقضي ساعات طويلة بمفردها في البيت (بمفردها؟ رغم أنها مثل كل الزوجات ذات شخصية مركبة. راجع الألقاب المخصصة للزوجة أعلاه)، ويعود العيال وينشغلون بشيء أو بآخر، وأعود بدوري وأحمل كتاباً وأتمدد على الفراش بعد تبادل كلمات (البكش) المعهودة مع المدام، أو مناقشة أمر ما، وينتهي الحوار بقبولي بوجهة نظرها وأنا غير مقتنع بها كي يخلو لي الجو مع خليلتي (الكتاب).

ذات يوم قال لي أصغر عيالي: بابا ليه ما تتونس معنا؟ استنكرت السؤال وذكّرته أنني من ألاعبهم وأناكفهم منذ صغرهم، فإذا به يقول: طيب على الأقل "تونس" مع ماما، وكانت هذه الجملة هي اللطمة التي جعلتني أفيق لحقيقة أنني (فاهم الشغلانة غلط)، فالزوج ليس مطالباً بتوفير حاجيات البيت وأفراد الأسرة بل بأن يكون موجوداً في حياتهم. وكانت تلك نقطة تحول في علاقتي بزوجتي، فلم أعد أقرأ الصحف إلا بعد "الونسة" معها لساعتين على الأقل وامتنعت نهائياً عن اصطحاب أي كتاب معي إلى السرير ليلاً، وفي بادئ الأمر كانت تقول لي: أنت صرت غير طبيعي!! ولكنني واصلت "غير طبيعيتي"، إلى أن كان اليوم الذي قالت فيه: يا دوب بقيت أحس إني شريكة حياتك. وكان ذلك من أجمل ما سمعته منها من كلام، واعتبرت نفسي محظوظاً لأن واحداً من كل ألف رجل يحصل على ثناء من الزوجة وهو لا يقدم لها هدية عينية!!!

والشاهد هنا هو أنني كنت فاشلاً في مهنة الزواج لسنوات طويلة وحتى بعد أن تداركت بعض أخطائي لا أعرف ما هي نسبة نجاحي، ولكنني أعرف أزواجاً كثيرين فاشلين وزوجات كثيرات فاشلات رغم أن المظهر الخارجي يوحي بأنهم / أنهن في منتهى المسؤولية والسعادة ونواصل بعد الفاصل.

jafabbas19@gmail.com

20/2/2014