مِهن ومِحن (6)

جعفر عباس

يتفنن صغار الموظفين في الدواوين الحكومية في التهرب من العمل أو إبطاء إيقاع العمل، غالبا لعدم وجود "مثل أعلى" في بيئة العمل، فإذا كان كبيرهم - بغضّ النظر عن مسمى وظيفته - متسيبا أو متغطرسا فشيمة أهل البيت كلهم التسيب والغطرسة، ومعلوم عندنا أن الفوز بوظائف كبيرة في (بلاد العُرب أوطاني) لا يتطلب في كثير من الأحيان شهادات أو مهارات أو خبرات، بل الرّك والتعويل على (الشجرة): بمعنى ابن من تكون، أي أن تكون ورقة في شجرة عائلة (عليها القيمة)، ومن الناحية العلمية والدينية فكلنا أبناء عوائل، وما من كائن بشري على وجه الأرض إلا وله (عيلة)، حتى الشخص مجهول الأبوين ابن عيلة رغم أنه قد لا يعرف أحدا من عائلته، ولكن عيلة عن عيلة تفرق، فمن يكون جعفر عباس حفيد عنترة بن شداد العبسي أمام حفيد امرؤ القيس الكندي (رغم ان الأخير يلقب بالملك الضلِّيل واشتهر بتأجيل عمل اليوم إلى الغد وهو صاحب مقولة: اليوم خمر وغداً أمر، بينما عنترة المسكين كان يميل إلى الحسم الفوري)، وقد تفوز بمنصب كبير دون أن تكون ابن عيلة، إذا كنت ابن آوى، وتجيد المكر والسحلبة والشقلبة والفنون الحربائية.

كثيرون من أصحاب المناصب العليا في بلداننا، يتحلّون بعقليات إقطاعية، والإقطاعي يعتبر (المكان) والموجودين فيه ملكية خاصة، ومنهم صنف المنذر ابن ماء السماء، وعنده يوم سَعْد، إذا وقفت فيه أمامه صاح: يا حاجب أعطه ترقية وعلاوة قدرها عشرة آلاف.. أطال الله عمرك يا مولاي وزادك من نعيمه، وأنت بابا وأنت ماما بل أنت أوباما والوزارة شوي عليك!! يا حاجب.. خليها 30 ألف وفوقها سيارة حكومية. أما إذا صادفته في يوم شؤمه ونحسه فنصيبك: يا حاجب.. فنشوه ولا تعطوه مكافأة نهاية الخدمة!! يا مولاي هذا ظلم في حق شخص غلبان مثلي!! يا حاجب فنشوه وخلِّلوه وارفع عليه دعوى قانونية لأنه وصفني بـ(الظلم).

وأضحك كلما فاز شخص ما بمنصب رفيع ثم قال للصحف: إن هذا تكليف لا تشريف.. يا بعد عمري.. يا عيني على التواضع.. وبعد يومين من تسلم مهام المنصب الرفيع يكون أول قرار له: إعادة الهيكلة، والمقصود به إعادة الهلهلة، لأنه يفركش السلم الوظيفي القديمة ويأتي بنجار يحمل لقب مستشار ليصنع له سلما جديدا قويا يستطيع أن (يشيل) الجماعة أصحاب الولاء والسمع والطاعة الذين سيأتي بهم ليحمي ظهره، لأنه يعرف أنهم لن (يفشِّلوه) طالما هم يعتبرونه وليّ نعمتهم، ولكن من الظلم (التعميم) فهناك موظفون يشغلون مناصب عليا رفيعة عن جدارة واستحقاق ويعاملون موظفيهم باحترام ويحثونهم على حسن معاملة الجمهور، ولكن كم من موظف كبير خلقا ومهنية، وتتسبب سكرتارية - إدارة مكتبه في إعطاء انطباع بأنه متعجرف ومتعالٍ، بإقامة ستار بينه وبين الموظفين والجمهور من دون أن يطلب منها ذلك، لأن بعض من يعملون في إدارة مكاتب (الكبار) يعتقدون أن على الواحد منهم إثبات أنه (مُهِم)، بأن يعرقل التواصل بين الموظف الكبير ومرؤوسيه وعامة المواطنين، ولي أسلوب ما يخرّش ميّه مع هذه النوعية من السكرتارية ومدراء المكاتب: أدخل عليهم وبعد تحية مقتضية أتساءل: عبد الله موجود؟ (نعم عبد الله حاف ولو كان عبد الله هذا وزيراً أو مديراً كبيراً لم ألتق به من قبل)، وقبل ان يكمل الإجابة أواصل: قول له جعفر عباس بره وما عنده وقت لأن عنده ارتباطات كثيرة، وهذه أساليب (افتح يا سمسم) التي تضمن لك دخول مغارة علي بابا.

jafabbas19@gmail.com

23/1/2014