فكرة ممتازة ولكن غير عملية

جعفر عباس

يعتبر السودان - وبدون فخر - في طليعة الدول المنتجة والمصدرة للوزراء، فعندنا على مدار السنة نحو 158 شخصاً يحملون لقب وزير، وكل بضعة أشهر يتم تفنيش بعضهم، فنقوم بتصديرهم، فيعمل بعضهم في منظمات دولية وبعضهم في منظمات (دونية)، ولدينا وبعد 58 سنة فقط من نيل الاستقلال نحو 3562 وزيراً متقاعداً، يحصلون على كل مخصصات التقاعد الذي يليق بوظائفهم السابقة، بل والسودان هو البلد الوحيد العضو في الجامعة العربية الذي كانت تضم قائمة المتقاعدين فيه رئيسين للدولة هما الراحل جعفر نميري وخلفه المشير (م) عبد الرحمن سوار الذهب، ولا يجوز أن أغمط الدول العربية الأخرى حقها فالكثير منها نجح في ابتكار وفبركة وزارات عديمة الجدوى إرضاء لهذه الجهة أو تلك، ولكن موريتانيا تفوقت على جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية بأن أنشأت في ذات هوجة ديمقراطية أصابت رئيسها قبل سنوات، وزارة لـ"التهذيب الوطني"، والأمر الذي لا شك فيه هو أننا وبصفة عامة نفتقر إلى التهذيب في سلوكنا اليومي وفي علاقاتنا ببعضنا بعضاً، وخلق وزارة للتهذيب سيحل مشكلة العطالة نهائياً، لأنها ستكون بحاجة إلى مئات الآلاف وربما الملايين من الموظفين، ففي كل شارع لا بد أن يوجد العشرات منهم وكلما بصق شخص على الأرض، أخرجوا مناديل من جيوبهم ومسحوا البصاق ووضعوا المنديل في جيب الباصق مصحوباً بعبارة: (خذ اللي وقع منك)!! ولا أعرف كيف سيتم التصرف مع الرجال الذين يتبولون في الشوارع في كثير من عواصمنا ومدننا الكبرى، والمديرون ورؤساء الأقسام الذين يتعاملون مع الجمهور سيكونون بحاجة إلى مرافق دائم من وزارة التهذيب ليروي لهم النكات والطرف حتى يضمن أنهم سيظلون باسمين أثناء التعامل مع التعساء الذين يقفون في انتظار تواقيعهم وإمضاءاتهم السامية، وفي المطارات لا بد من جيش كامل من موظفي وزارة التهذيب فكلما ألقى ضابط جمرك بمحتويات شنطة سيدة مسنة على الطاولة قام (بتاع التهذيب) بمساعدة السيدة على جمع محتوياتها، أما إذا عبث بمحتويات حقيبة يدها فإنه يهمس في أذن رجل الجمرك بعبارة (عيب.. هناك أشياء في حقائب النساء لا يجوز للرجال رؤيتها وملامستها)!! وبالتأكيد فإن موظف التهذيب الذي يحشر أنفه ولسانه في شؤون الجمارك قد ينتهي به الأمر في السجن، عندما يعترض (بأدب) على تفتيش حقيبة نسائية، فيخرج له رجل الجمارك من تلك الحقيبة 7000 حبة من عقار للهلوسة، ويتم اتهامه بالتواطؤ في الجريمة.

وقبل شهرين نزلت في ذات مطار عربي، ووقفت أمام شرطي الجوازات، وكان (يقزقز) حب البطيخ وينثر القشور كيما اتفق، أحياناً تجيء قشرة على وجهك، وأحياناً تكون من نوع جو - أرض وتقع على البلاط، وكنت أعقل من أن أطلب منه أن يكف عن البصق في وجهي، بل أعطيته جواز سفري ووقفت خارج نطاق مرمى القذائف البطيخية ولكن، ذلك لم يعجبه فسألني بتكشيرة: ليش واقف بعيد! فهمهمت بكلام غير مفهوم لكي لا أغضب معاليه فواصل عمله: يضرب لوحة مفاتيح الكمبيوتر بإصبعه، ثم يلتقط حبة بطيخ، ويضعها في فمه ثم يحرك إصبعه صوب لوحة المفاتيح، ويغير رأيه، ويتناول حبة أخرى، وبحمد الله فرغ من تقليب جوازي وختمه خلال زمن قياسي لا يتجاوز عشرين دقيقة، وكان بذلك قد فرغ من جزء كبير من عمله لأن من يقفون خلفي هربوا إلى طوابير جوازات أخرى خالية من قذائف حب البطيخ!! ألا توافقوني على أن مثل ذلك الشخص لوحده بحاجة إلى وزير تهذيب خاص به؟

jafabbas19@gmail.com

31/1/2014