علام لا تتبسم؟
جعفر عباس
تفيد نتائج
الدراسة التي أجرتها (جامعة نورث وسترن) في شيكاغو بالولايات المتحدة بأن ذوي
الشخصيات العصبية أو المتغطرسة أو الانطوائية أكثر عرضة من غيرهم لأمراض القلب
والأوعية الدموية، وأخذا في الاعتبار ان مجلة سجل الأوبئة "أنالز أوف إبيدومولوجي"
(Annals of Epidemology)،
التي نشرت تلك النتائج، من أكثر الدوريات رصانة ومنهجية، وأن الدراسة استغرقت 50
سنة.
تأسيساً
على كل ذلك، يمكن القول إن أخذ الأمور ببساطة ومعاملة الناس بالحسنى، ومخاطبتهم
بالقول اللين اللطيف منجاة من الكثير من الأمراض القاتلة. وليس هذا استنتاجا من
عندي بل إن أي طبيب مبتدئ سيقول لك ان الشد العصبي والتوتر يؤديان الى ارتفاع في
ضربات القلب وضغط الدم ومعدلات هرمونات التوتر.
وتقول نفس
الدراسة ان الشخص الانطوائي الذي يتفادى مخالطة الناس، وليس لديه أصدقاء يكون
معرضاً لنفس مخاطر ذوي الشخصيات الانفعالية المتوترة والعصبية. وبإمكان أي واحد منا
ان يلاحظ ان الانطوائيين يميلون إلى الهدوء تجنبا للتعامل مع الآخرين، ولهذا تكون
ردود أفعالهم مبالغاً فيها إزاء أشياء عادية، مثلاً يكون مثل هذا الشخص جالساً بين
زملائه في المكتب ويسقط كوب زجاجي وينكسر، فتجده قد قفز إلى أعلى،
وكأن أحدهم فجَّر سلاحاً للدمار الشامل أخفاه صدام حسين في المكتب حتى لا
يقع في يد جورج بوش، أو يفجر أبو محمد إحدى ضحكاته المدوية العابرة للقارات فتنتقل
العدوى إلى بقية الزملاء، ما عدا الأستاذ انطوائي الذي يعتبر الضحك تعدياً على
المياه الإقليمية لأذنه الوسطى، ويغلي من الغيظ ولكنه يكتمه. وشخصياً فإنني أعاني
كثيراً بالنظرات والكلمات كلما عطست، لأن عطساتي من النوع الزلزالي: إتشششش بوووم..
ويكون ذلك ثلاث مرات متتالية فيحسب من هم حولي أنني أعاني من أنفلونزا البعير
والحمير، وقد حاولت مجاراة الخواجات بكتم العطسة بحيث تخرج وكأنها حشرجة، فأصبت
باختناق، وبعدها قررت التمتع بحرية العطس حتى لو حسب زميل انطوائي لي في العمل أنني
من تنظيم "القاعدة" فكر في زيد أو عبيد.
لماذا هو
دائماً كالسيارة المفخخة تفخيخاً سيئاً ينفجر عند ملامسته لأي شيء، ويسبب أذى لأناس
لا يريدون له إلا الخير؟ لماذا هناك دائماً قوم جباههم معقودة ومليئة بالمطبات من
فرط التكشير المتواصل؟ لماذا لا يمكن أن تقابل خالتك من دون أن تجدها تشكو من كل
أمراض الدنيا وتقول إنها تعاني مرض القلب، "ولكن الدكتور اللي ما يفهم قال لي عندك
حموضة وغازات من عسر الهضم"، أجب عن السؤال الذي طرحه عليك الشاعر إيليا أبو ماضي:
هشت لك الدنيا فما لك باكياً / وتبسمت فعلام لا تتبسم؟ ما عندك فلوس ولهذا لم تسافر
خلال الصيف؟
يا عزيزي
أنت تقوم برحلة طويلة حول الشمس على مدار اليوم والسنة مجاناً، قسط السيارة صار
مستحقاً؟ صح، ولكن هل النرفزة والتوتر سيوفران لك مبلغ القسط؟ لماذا تجعل الهم
الواحد همين؟
الدراسة الآنفة الذكر تقول أن الزواج وإحاطة النفس بالأصدقاء خير وسيلة لمكافحة التوتر والقلق، لأنه ما من إنسان مهما علا مقامه الاجتماعي لا يحتاج إلى رفقة طيبة، أكرر طيبة.. فلا خير في زواج يقوم على الأمر والنهي والسباب والعويل، ولا خير في أصدقاء تلجأ إليهم بمشاكلك فيقولون لك (إديها كاس.. خذ نفسين)، وجماعة الكأس والنفسين يزعمون دائماً أن كؤوسهم وأدخنتهم تعالج الشيء ونقيضه: الإسهال والإمساك مثلاً.
jafabbas19@gmail.com
6/1/2014