الطب والطبطبة على الجيوب

جعفر عباس

طوال أسبوع وأنا أحوقل وأبسمل، كلما تذكرت حكاية الثري المصري الذي اصطحب جاره الذي يعاني من إعاقة عقلية ذهنية إلى مستشفى، لينزع جلده لترقيع جلده المكرمش. زعم للجماعة في المستشفى أن المتبرع قريب له، وطالما انه (هيدفع)، فليس هناك ما يستدعي التحقق من صحة أو بطلان زعمه.

قبل سنوات كان لي صديق تعاني زوجته من متاعب صحية، وعملاً بنصيحة زميل له في العمل، اتصل هاتفياً بطبيب في بلد اشتهر بـ"السياحة الطبية"، وقبل أن يكمل صديقي شرح حالة زوجته كان الطبيب قد فرغ من التشخيص وعرض آلية العلاج: زوجتك لابد من أن تجري عملية على وجه السرعة، نشيل غضروف من الأنف ونزرعه في الكتف، وننقل البنكرياس ليكون (ناصية) على شمال القفص الصدري، ولن تكلفك أكثر من 15 ألف دولار. ومن أجل سواد عيونك وعشان خاطرك نخليها 13 ألف دولار، ولحسن حظ صاحبي فقد كانت زوجته عاقلة، فما إن أبلغها بما قاله الطبيب واقترح عليها السفر لملاقاته، حتى صاحت فيه: كيف تثق بطبيب يتخذ قراراً بالعلاج ولو بالبندول عن طريق الاستشعار من بعد؟ ولو عندك 13 ألف دولار ولا تعرف ماذا تفعل بها، أعطني إياها، وأنا أزوجك امرأة موفورة الصحة و"على ذوقي الرفيع"!

غالبية الأطباء جديرون بالثقة ومتمسكون بمواثيق الشرف والأخلاق في تعاملهم مع المرضى، ولكن في كل بلد في العالم صارت هناك شريحة من الأطباء تمارس الطب بأساليب دكاكينية، قبل أعوام قليلة اقترح طبيب بريطاني على زوجتي إجراء جراحة زعم أنها ضرورية و"نتائجها مضمونة"، وقال لنا في تبرير ذلك كلاما جعلني أقول له: على بركة الله! ثم عدنا إلى الفندق لننتظر عدة أيام يتم خلالها إجراء فحوصات لها قبل موعد الجراحة، وفي لحظة صفاء اقترحت على زوجتي أن نأخذ رأي جراح آخر وحملنا مستنداتنا وذهبنا إلى مستشفى (لندن بريدج) والتقينا بأستاذ في نوع الجراحة التي كان يفترض أن تخضع زوجتي لها ووضعنا أمامه ما معنا من (أوراق وصور)، وخلال عشر دقائق كان البروفيسور قد انتفض غضباً عندما قرأ توصية زميله الذي أوصى بالجراحة، لم يشتم زميله ولكنه قال بنبرة حاسمة: إياك أن تخضعي للجراحة المقترحة ولو بعد عشرين سنة، ولو ظللت تعانين لبقية عمرك، عودي من حيث أتيتِ، وتابعي حالتك مع نفس الطبيب الذي كان يعالجك على مدى السنوات الماضية!

أما في بلداننا فقد صارت هناك بقالات طبية تقدم عروضاً خاصة: افحص الدم ونفحص لك البول مجاناً، والعينة من عندنا! يذهب رجل مفتول الشوارب اسمه عنتر بن هتلر الـ(موسوليني) إلى طبيب العيون، فيطلب منه تصوير ظهره بالرنين المغناطيسي، و(روح المختبر اعمل مسحة لعنق الرحم واختبار سمع).

وعندنا في الخرطوم مستشفى تعليمي فيه حالياً جناح مخصص للعائدين من بلد آسيوي مسلم بعد زرع الكلى. وتحدث رجل في برنامج تلفزيوني عن زوجته التي زرعت كلية في ذلك البلد، وقال لها الجراح أن بإمكانها السفر فركبا الطائرة وفوجئ (داخل الطائرة) بأن الدماء تسيل من زوجته بغزارة، واكتشف أن الجراح قام بخياطة الجرح بطريقة عشوائية مستخدماً خيوطا قطنية، ومع وصول الطائرة إلى أرض المطار كانت زوجته قد توفيت.

ثم قرأت ما ورد في صحيفة سعودية عن سيدة سودانية في جدة اكتشفت بعد خروجها من أحد المستشفيات بعد ولادة قيصرية أن رحمها (ضاع): يا ربي وين راح هذا الرحم؟ فتشت هي وزوجها عنه في جميع أرجاء البيت والسيارة، ولكن لم يعثروا للرحم على أثر، ورفعت قضية أمام اللجنة الشرعية الطبية، وأرجو ممن تابع هذه القضية أن يبلغني بم قضت اللجنة كي (آخذ راحتي) في الكلام عنها.

jafabbas19@gmail.com

9/1/2014