الفساد ومكاسب أخرى

الحبيب الأسود

قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، لا فضّ فوه ولا أفلح منتقدوه، إن الفساد في بلاده استشرى خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر مما كان عليه قبل الثورة.

وقبله قال المراقبون والدارسون والباحثون والمواطنون العاديون إن الغلاء تضاعف بعد الثورة، والعملة المحلية انهارت بعد الثورة، والتضخم زاد بعد الثورة، والاقتصاد الوطني تدهور بعد الثورة، والبطالة ارتفع معدلها بعد الثورة، والإقبال على الخمر والبيرة زاد بعد الثورة، والأمراض المنقرضة عادت بعد الثورة، وعلاقات تونس الإقليمية وخاصة مع أغلب الدول العربية ساءت بعد الثورة، والإرهاب انتشر بعد الثورة، والاستثمارات تراجعت بعد الثورة، والشقق المفروشة تكاثرت بعد الثورة، والأوساخ عمّت الشوارع بعد الثورة.

وفي المقابل كسب الشعب الكثير، فيوميات الرئيس صارت مثار سخرية الكوميديين ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعد الثورة، وبات لتونس رئيس متواضع، لا يعتمد ربطة عنق، ولا يبدي أناقة قد تحرجه أمام الفقراء، رغم أن راتبه يبلغ عشرين ألف دولار أميركي بالتمام والكمال، وأصبح الشعب قادراً على أن يشاهد على الهواء مباشرة، وبالصوت والصورة، صراع الديكة في المجلس التأسيسي، وكأنه يكتشف نفسه ونخبه من جديد.

وصارت أجهزة الأمن تحرس مائتي شخصية سياسية وإعلامية وأكاديمية مخافة أن يغتالها المجهولون الذين يتخفّون وراء صحراء قاحلة من الغموض.

وأضحى راشد الغنوشي يتحدث عن إمكانية منح اللجوء السياسي لقيادات الإخوان المتهمين بالإرهاب في دولهم.

وصارت تونس دولة رائدة في تصدير الإرهابيين، وبات بإمكان أي تونسي أن يتعلم صناعة المتفجرات والألغام من مدرسة الإنترنت المفتوحة للجميع.

وأمسى في تونس من يدعو إلى إعلان الخلافة، ومنع التعامل بالعملات الورقية والمعدنية، والعودة إلى زمن التعامل بالذهب والفضة، وخرج في البلاد من يدعو إلى اعتماد التسرّي بالجواري، وبيعهن في الأسواق، على أن تكون لكل تونس جارية على الأقل، وربما غلام بعد فترة.

وأما الفساد الذي بشّر المرزوقي باستشرائه، فيقال والله أعلم، إنه كان سبب الثورة على بن علي، دون أن يدرك القوم أنه ثقافة قبل أن يكون ممارسة، وأنه، كان يخص جماعة، فأضحى بفضل الديمقراطية شأناً عاماً وفي متناول الجميع، تماما كالحديث في السياسة والسخرية من صانعيها.

"العرب" لندن 22/1/2014