من وحي مؤتمر مونترو حول سورية

السبب الحقيقي لانقسام المعارضة

الدكتور محمد أحمد الزعبي - ألمانيا

لقد تابعت مؤتمر مونترو – جنيف في سويسرا حول سورية، الذي بدأ أعماله يوم 22 يناير 2014 (يوم أمس)، برعاية الأمم المتحدة، وحضرته أكثر من 40 دولة ومنظمة عربية وإقليمية ودولية، وعلى رأسها الدولتان راعيتا المؤتمر (إلى جانب الأمم المتحدة): روسيا الاتحادية ممثلة بوزير خارجيتها السيد لافروف والولايات المتحدة الأمريكية ممثلة أيضاً بوزير خارجيتها السيد كيري. كنت أطرح على نفسي وأنا أستمع إلى كلمات رؤساء الوفود المعنية بالأزمة السورية، والتي كانت إلى حد ما كلها تصب في طاحونة المعارضة، وأيضا إلى كلمتي المعارضة (السيد أحمد الجربا) والنظام (السيد وليد المعلم) التساؤل التالي حول تشرذم المعارضة وانقسامها المؤسف على نفسها، وبالذات حول مؤتمر "جنيف 2"، ترى، ماهي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الانقسام؟!.

عادة ما تكمن وراء الظواهر الاجتماعية (ومؤتمر مونترو – جنيف واحداً منها)، مجموعة من الأسباب، بعضها ظاهر وبعضها باطن، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، بعضها رئيسي وبعضها ثانوي، بعضها بعيد وبعضها قريب، بعضها بسيط وبعضها معقد، بعضها متواز وبعضها متداخل وبعضها متتال، بعضها ذو اتجاه واحد وبعضها ذو اتجاهين (تبادل التأثير والتأثر أفقياً وعمودياً).. الخ. وبعيداً عن الركض وراء هذه الشبكة من الأسباب الذاتية والموضوعية، في تفسير الظواهر الاجتماعية، فإن ما رأيناه يمثل السبب الأساسي والجوهري لانقسام المعارضة السورية، ولا سيما، بين "الائتلاف" و"المجلس" من جهة، وداخل كل منهما من جهة أخرى، هو السببان الرئيسيان التاليان:

1 - غياب الثقة المتبادلة بين الاتجاهين الرئيسيين داخل كل من "المجلس" و"الائتلاف"، ألا وهما: الإسلاميون عامة، (بمن فيهم الإخوان المسلمين)، والعلمانيون عامة (بمن فيهم قسم من القوميين والناصريين واليساريين وقسم من الأقليات) هذا مع العلم أنه جرى تهميش الإسلاميين في سورية وملاحقتهم، منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 بصورة عامة، ومنذ حركة حافظ الأسد التصحيحية(!) في 16/11/1970 بصورة خاصة. إن الكاتب يعرف، ومن خلال معايشته لأحداث تلك الفترة، أن بعض الفصائل الإسلامية قد ارتكبت أخطاء كبيرة في لجوئهم إلى العنف، ولاسيما فيحدث مدرسة المدفعية (16/6/1979)، بيد أنه يعرف أيضاً أن رد النظام على هذه الأخطاء كان رداً موغلاً في الوحشية والهمجية واللاأخلاقية، ولا سيما مجزرتي سجن تدمر (27/6/1980) وحماه (1982).

2 - عدم ثقة غالبية قوى وعناصر المعارضة السورية بالموقف الأورو- أمريكي، الذي قدم نفسه كنصير لثورة آذار 2011 (ثورة أطفال درعا)، في مقابل مساندة روسيا والصين وإيران لنظام بشار الأسد. وإن حالة عدم ثقة المعارضة السورية بالموقف الأورو – أمريكي، تعود، إلى أن روسيا وإيران كانا وما يزالان يدعمان نظام الأسد الديكتاتوري واللاديموقراطي بالمال والسلاح والرجال، بينما لم يزد دعم الطرف الآخر (أصدقاء الشعب السوري) للثورة السورية عن الكلام المعسول، وبعض المساعدات المدنية والعسكرية، التي كانت وظيفتها الأساسية أن تحول دون هزيمة الثورة أمام النظام وميليشيات "حزب الله" وإيران، وتجعلها قادرة على الاستمرار في لعبة الكر والفر لأطول مدة ممكنة، استناداً إلى سياسة مسك العصا من منتصفها، والتحكم في درجة ميلانها.

أعرف أن كثيرين يخالفوني هذا الرأي، ولا سيما بعد سماعهم لكلمات الوفود التي دعيت لحضور مراسم افتتاح مؤتمر "جنيف 2"، وخاصة كلمة السيد كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وجوابي لهم، إنها قناعتي، وأتمنى أن أكون مخطئاً.

الخميس‏، 23‏ كانون الثاني‏، 2014