الثورة السورية بين المجلس والائتلاف
د. محمد أحمد الزعبي - ألمانيا
من موقع يدعي صاحبه الموضوعية،يرغب أن يقدم لمن يهمهم الأمر، وجهة نظر متواضعة حول ما جري ويجري في سوريا منذ منتصف شهر آذار 2011 وحتى نهاية عام 2013 وخاصة فيما يتعلق بالمجلس والائتلاف، وذلك بعد السلام عليكم، وكل عام وأنتم بخير:
1 - يتكون المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن مولده الرسمي في اسطنبول في 2/10/2011 من:
أ - جماعة الإخوان المسلمين، وهم الكتلة الأساسية عدداً ولوناً في تشكيل هذا المجلس.
ب - التيار القومي والعلماني بقيادة إعلان دمشق والذي من ضمنه حزب الشعب الديموقراطي.
ج - شخصيات سورية مستقلة معروفة تاريخيا وجغرافيا بمعارضتها لنظام عائلة الأسد.
هذا وكان اللون الغالب على التوجه السياسي والأيديولوجي لهذا المجلس، والذي كان – واقع الحال – انعكاساً للتوجه السياسي والأيديولوجي لمعظم فصائل ثورة آذار 2011 هو: اسقاط نظام عائلة الأسد بوصفه نظاماً عسكريا استبدادياً من جهة، وبوصفه نظام أقلية طائفية عائلية من جهة أخرى، واستبداله بنظام مدني ديموقراطي تعددي وتبادلي، أي - عملياً – نظام معاكس للنظام القائم. هذا وقد اندلعت معظم المظاهرات، وتوالت معظم الانشقاقات المدنية والعسكرية عن النظام، وتحولت بعض الجماعات من المقاومة السلمية إلى المقاومة المسلحة في إطار هذا التوجه الديموقراطي العام للثورة.
2 - إن إسقاط نظام عائلة الأسد الديكتاتوري العسكري، لصالح مجتمع مدني ديموقراطي، بدأ يعني بالنسبة لكثير من العلمانيين، ولمعظم الأقليات الدينية والطائفية والإثنية، في الداخل والخارج، وبمن فيهم بعض أطياف المعارضة في المجلس وخارجه، إمكانية هيمنة التيار الإسلامي على السلطة في سورية، وبالتالي إنهاء الطابع الوطني الذي طبع الحياة السياسية في سوريا منذ ثورة العشرينات في القرن المنصرم، وحتى انقلاب الثامن من آذار 1963 (الحكم الشمولي) الذي أوصل - عملياً - سورية إلى ما هي عليه اليوم. لقد كان تخوف الكثيرين (في الداخل والخارج) من التحول الديموقراطي المنشود في سورية، هو الخوف من انتقال الشعب في سورية، من حكم ديكتاتورية الأسد إلى حكم ديكتاتورية الشريعة الإسلامية، والتي يرون نموذجها العملي في النظام السعودي (!) الأمر الذي معه انقسمت المعارضة على نفسها حول هذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :
- قسم يرى بأن إسقاط نظام عائلة الأسد، لابد أن يعني تاريخياً وديموقراطياً إنهاء حكم الأقلية لصالح حكم الأكثرية، وهو يعني بمفهوم الأكثرية (العرب السنة ) تحديداً، وينضوي تحت هذا القسم، كافة الإسلاميين المتطرفين بمن فيهم عدد من المنشقين المدنيين والعسكريين.
- قسم يعلن أن الشعب هو الذي يقرر من الذي سيحكمه بعد سقوط نظام الأسد، وذلك عن طريق صندوق الاقتراع النزيه والشفاف، والمفتوح للجميع دونما إقصاء أو استثناء، وينضوي تحت هذا القسم، جماعة الإخوان المسلمين، حزب الشعب الديموقراطي، قسم من مجموعة إعلان دمشق، بعض الكتل المعارضة الصغيرة، وقسم من المعارضين المستقلين. إن مفهوم الأقلية والأكثرية عند هذا القسم يختلف عنه في القسم السابق، حيث يغلب هنا اللون السياسي على اللون الديني الذي رأيناه عند القسم الأول.
- قسم يقول (نعم) للديموقراطية وصندوق الاقتراع (ولكن) بشرط ألاَّ تكون نتيجة هذه الديموقراطية هي إيصال الإسلاميين (دون التفريق بين متطرف ومعتدل) إلى السلطة كبديل لنظام عائلة الأسد، وبالتالي - وحسب مخاوفهم - الابتعاد عن دولة المواطنة والحداثة، والوقوع في إسار دولة الشريعة (على الطريقة السعودية). وينضوي تحت هذا القسم، الجزء الأساسي من هيئة التنسيق، قسم من جماعة المنبر الديموقراطي , عناصر من إعلان دمشق، عناصرمن المعارضين المستقلين، بعض المنشقين العسكريين والمدنيين.
وبما أن النظام كان يوهم الدول الأجنبية، بل وبعض الدول العربية والإسلامية، أن محاربته الإسلاميين في سورية،بدءاً من أحداث حماه في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وانتهاء بثورة آذار 2011 إنما تصب كلّها في طاحونة مكافحة الإرهاب الذي يمكن أن يطال دولهم وشعوبهم ذات يوم!!، وإذن فإن حربه النيرونية في سوريا منذ منتصف شهر آذار 2011 تأخذ شرعيتها ومبرراتها من هذا الهدف الحضاري والثقافي المشترك الذي يجمع بين نظام عائلة الأسد، ومعظم الأقليات الدينية والطائفية والإثنية في سوريا والوطن العربي، وكافة الأنظمة "الديموقراطية" في العالم، ولاسيما موسكو بوتين، وطهران الخامنئي، وقاهرة السيسي، وجنوب لبنان حسن نصر الله (!!).
3 - كان من الصعب على أمريكا والدول الغربية والشرقية الموالية لنظام عائلة الأسد، أن تقنع شعوبها بأكذوبة هذا النظام،حول مسألة الدمج بين الإسلاميين والإرهاب والعصابات المسلحة والتي ( الكذبة ) كلفت الشعب السوري حتى نهاية عام (2013) حوالي عشرة ملايين إنسان بين شهيد وقتيل وسجين ومفقود ولاجئ ونازح و.. و.. (أي ما يقارب نصف الشعب السوري )، ناهيك عن التكلفة الأخرى المتعلقة بالحجر والشجر، وبالزرع والضرع. ولذلك فقد ظلت هذه الدول الموالية ضمناً لنظام بشار الأسد، طوال سنوات الثورة الثلاث، تعطي الثورة بالشمال، وتأخذ باليمين، وشكلت بالتكاذب فيما بينها، ما سمي بـ(مجموعة أصدقاء الشعب السوري!)، التي لم تكن سوى تكتيك سياسي رخيص من أجل تمرير مؤامرتهم (نعم مؤامرتهم) من جهة على الشعب السوري والثورة السورية، ومن جهة أخرى على شعوبهم. ولما لم تكن أكذوبة " أصدقاء الشعب السوري " كافية لسترعورتهم، لجأوا، وبالتعاون مع بشار الأسد، إلى اختراع بعبع " جبهة النصرة "، ومن ثم بعبع " داعش " , وأخيراً وليس آخراً لعبة الأسلحة الكيماوية، والتي كانت تصب جميعها في طاحونة استمرار النظام (ببشار أو بدونه) إلى أجل غير مسمى.
إنني لا أنكر وجود التطرف الإسلامي بين ظهراني ثورتنا، ولكن ما أنكره، وبالاستناد إلى العديد من الثقات وإلى التاريخ الذي قرأناه و/أو عشناه، هو أن هذا التطرف هو ظاهرة إسلامية. إن التطرف بمختلف أشكاله، ليس من الإسلام ولا من العروبة ولا من الوطنية في شيء، سواء أكان اختراعاً خارجياً، أو ابتكاراً داخليا.
4 - وكما هو واضح أعلاه، فإن بعض مكونات المجلس الوطني السوري لم تكن مقبولة من قبل بعض الدول العربية والأجنبية التي أطلقت على نفسها اسم " أصدقاء الشعب السوري"، والتي رهنت مساعاتها المادية والمعنوية للثورة السورية، بتشكيل ائتلاف وطني جديد مغاير للمجلس الوطني، وبحيث يأخذ من المجلس إيجابياته (من وجهة نظرهم)، ويتجاوز سلبياته (من وجهة نظرهم أيضاً)، وهكذا تشكل هذا التنظيم الجديد في الدوحة في شهر نوفمبر 2012 تحت إسم موسع هو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وبتنا بهذا أمام منظمتين اثنتين، متنافستين ومتداخلتين بعد أن كنا أمام منظمة واحدة، ثم جاءت وزارة أحمد طعمة الجديدة لتكون ثالثة الأثافي التي يشير إليها المثل الشعبي الدارج "القدر مابيركب غير على ثلاث" ذلك القدر الذي مازالت تغلي طبخة الحصى بداخله منذ ثلاث سنوات، دون أن تنضج، وذلك لسبب بسيط، لأنها على ما يبدو، وحسب وصف أحد الكتاب السوريين "طبخة حصو" فعلاً.
5 - فيما أتحفتنا به بعض وسائل إعلام هذا الصباح، والذي هو الصباح الأول من اليوم الأول من الشهر الأول من العام الأول من عام 2014 بعد وفاة عام 2013، الذي ماتت أيامه ولياليه، ولكن لم تمت آلامه ومآسيه، التي تدمي القلوب وتفقأ العيون وتضع الرؤوس أمام الخيارات الصعبة التي لا تتفاوت إلاّ في درجة مرارتها ليس أكثر، أقول فيما أتحفتنا به أخبار صباح اليوم الأول من العام الجديد، هو أنه لا جديد في حلب ولا في دير الزور ولا في حمص ولا في درعا ولا في الغوطتين ولا في أي متر مربع من سورية العزيزة، بل ولا حتى في درجة تيبس الضمير العالمي، الذي بات لا يرى ولا يسمع ماذا يجري في سورية، لا يرى ولا يسمع بكاء وعويل الأطفال الذين يبيتون في العراء، ويموتون في العراء، إما جوعا وإما برداً وغالباً الإثنين معاً، نعم إنه ضمير عالمي ميت (عظم الله أجركم!!).
6 - وبالنسبة لجنيف لافروف - كيري يبدو للكاتب، أن الحل الوحيد، الذي سيكون مطروحاً، على طاولة المدعويين والمشاركين في وليمة جنيف 2، سواء أكانوا من المجلس أم من الائتلاف، أو من غيرهما، هو "الحل اليمني"، والذي خلاصته (نعم لتغيير الرأس، ولا لتغيير الجسد)، وتصبح مهمة المؤتمرين هي فقط تحديد مقاسات رئيس المرحلة الانتقالية الجديد، من حيث حياديته المطلقة بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وربما احتاج الأمر إلى بعض من الإجراءات التجميلية الشكلية الأخرى، والتي ستكون في إطار الصياغة اللغوية الذكية، وذات الوجهين، وذلك للمساعدة على تمرير اللعبة وعلى احتواء المتطرفين من المعارضين الذين رفضوا المشاركة في هذا المؤتمر، بل وأدانوا من قبلها.
إن دور الأخضر الابراهيمي في سوريا، وفي إطار هذا الحل الدّبري الذي يمكن أن يتصور المرء ما يمكن أن يخبئه هذا المؤتمر (إن عقد) للمعارضة السورية وللربيع العربي السوري،من إيجابيات وسلبيات، يتماثل إلى درجة التماهي مع دور السيد بن عمر في اليمن، حيث يتلقى كلاهما – على ما يبدو - نفس الأوامر من نفس الآمر، والله أعلم.
1/1/2014